وأشجع من ابن الخطاب لأنك “لا تخاف الله”
زميلتنا الصحفية لبنى عبد الله بقسم التحقيقات ذهبت قبل أسابيع ضمن وفد صحفي إلى احدى الولايات الوسطى، وكان الوفد يضم مسؤولين في احدى المؤسسات الحكومية، لكن لبنى اضطرت لقطع الرحلة، بالقرب من مدينة الكاملين استجابةً لاستفزاز ، أو " سخف" مسؤول كان معهم في الرحلة بعد أن وصف صحيفة "أجراس الحرية" بأجراس الكنائس، على حد وصف العنصري خال الرئيس، وهو وصف في جوهره يحتقر "الدين المسيحي" مع أن الاسلام يأمرنا باحترام الأديان والرسل وكتبهم السماوية، والغريب أن المسؤول لم "يرق قلبه" لترك أمرأة وحيدة على مسافة قرابة السبعين كيلومتراً من مكان عملها، ولم تتحرك فيه ذرة "شهامة سودانية"؛ أن لم يكن قد شعر "بزهو الانتصار"، لأنه "رجل خطير" لا يجامل كل من لا يغني "للحكومة"!، ولأنه أثبت " شجاعته".
وبمناسبة الشجاعة أروي تلك الطرفة التي تقول إن زعيماً عربياً سأل معاونوه إن كان هو الأشجع أم رئيس دولة مجاورة فرد المساعد انت سيدي الزعيم لأن هذا يخاف من جارنا، وأنت لا تخاف منه، ثم سأل من هو الأشجع هو أم زعيم دولة أخرى فقال أنت سيدي الزعيم لأن هذا يخاف من الرئيس الأميركي، أما أنت فلا، ثم سأل أكثر أشجاع أنا أم سيدنا عمر بن الخطاب؟؟. فقال أنت سيدي الزعيم، فاستغرب الزعيم، وشعر أن معاونه يتملقه فقط، لكن المعاون رد قائلاً " سيدنا عمر بن الخطاب يخاف الله، أما أنت فلا"، وهي طرفة تكاد تنطبق على كثير من الأنظمة العربية، حيث ثنائية الاستبداد، والتملق، والايمان بأن الزعيم أصبح "نصف الله"، والعياذ بالله.
أما حكومتنا الموقرة فهي لا تختلف شيئاً عن غيرها، فليس المسؤول الذي دفع الزميلة لبني للنزول من "البص " اضطراريا" دون أن يدري إن كانت تحمل " ثمن التذكرة أم لا، رغم "أنف الشريعة الاسلامية".
أما قصة الشجاعة الأخرى فقد حدثت بجامعة الخرطوم، وللأسف فإن بعض منها حصل في وجود المدير السابق الدكتور مصطفى ادريس، وهو الذي يخاطب الرئيس بالاصلاح والتغيير، لكن ربما لا علم له بها، ومن هذه القصص؛ شباب من طلاب الجامعة كونوا جمعيةً باسم " حماية المستقبل، وللجميعة أنشطتها، وقد شاركت شخصياً في أكثر من منشط خلال العام الماضي، إلا ان أعضاء الجمعية فوجئوا لما ذهبوا لجهات الاختصاص لمنحهم " تصديق لقيام النشاط"، وهو أشبه باذن الشرطة لمن يطالب بحق التعبير، والخروج في مظاهرة سلمية!، فقد رفضت "الجهات" منح الإذن، وحذرت من قيام "الندوة، التي كان من المفترض أن يتحدث فيها عدد من القادة السياسيين، لكن الطلاب أصروا بعنادهم المعروف، وأدخلوا "الساوند سيتسم، والكراسي"، وحضر بعض المتحدثين، وتخلف آخرون لما أدركوا "سخونة الأجواء"!، ولما انتهى المنشط، حذر الحرس الجامعي أي طالب من اخراج الكراسي، لكن المفاجأة كانت في سرقة الكراسي من داخل الحرم الجامعي، فارتبك الطلاب، لأن صاحب الكراسي جاء وطالب بكراسيه وحقه المالي " دفع غرامة يومية عن الأيام التي باتت فيه الكراسي خارج "المحل"، ولما كثرت الأيام فتح الرجل بلاغاً ضد الطلاب، ويطالبهم بمبلغ (4000) جنيه ، لا غير، فبهت الذي طلب منه تسديد المبلغ، وبعد أيام تم القبض على أحد الطلاب، وأودع السجن لساعات ليطلق سراحه "بضمان مالي"، ولا تزال القضية مفتوحة، وهو أمر من وجهة نظري من مسؤولية جامعة الخرطوم، فكيف تحظر النشاط؟. ولماذا يعاقب الطلاب بالسجن، وبالغرامات المالية بسبب "لوائح أو قرارت ، أو حتى توجيهات صدرت من جهات شمولية بغرض التضييق على النشاط الطلابي؟. وهو ما يؤكد توجه الانقاذ القديم بالمضي في مخططهم ضد جامعة الخرطوم، حين كانوا يهتفون " جامعة الخرطوم ،صنم جاثم على صدر الثورة أما آن لهذا الصنم أن يتكسر؟!".
وبالتالي ليس غريباً أن تسمع عن قصة عميد احدى الكليات ، وتفكيره في تحويل الكلية المرموقة، والمسأولة عن احقاق الحق، والديمقراطية، وحقوق الانسان إلى " اقطاعية، أو مدرسة خاصة له"، وهي ليست بعيدة عن قصة " مسؤول يرفض تنفيذ نقله بأمر "المدام" لأنها تكره "المكان الجديد"!.، أو تلك الجامعة التي تغطي " عجزها المالي"، أو ربما فسادها؛ بفاتورة مالية تقدر بحوالي أربعة مليارات كثمن لغزلان أربعة اشترتها تلك الجامعة!.
جميعهم " شجعان" لأنهم لا يخافون.. ذلك الذي يضطر امرأة شابة بترك الرحلة والنزول من "حافلة الوفد"، وذلك الذي يصادر النشاط الطلابي، ولا يهمه سرقة كراسي، ودخول طلاب جامعته السجن لأسباب "مالية"، أو من ذلك الذي يريد أن يحول الجامعة إلى "أقطاعية خاصة"، فجميعهم متفقون على "سحق الناس وجذرنة الشعب ، عبر "الكتائب الاستراتيجية"، والهدف في نهاية الأمر هو العمل على تمكين أركان الشمولية، عبر تكميم الأفواه، وانتشار الظلام والظلم، واستشراء الفساد، واستمتاع القطط السمان بخيرات هذه البلاد، حقاً هم لا يخافون....
Faiz Alsilaik [faizalsilaik@yahoo.com]