وأين برنامج معالجة الأزمة الاقتصادية ؟

 


 

 

 

بعد طول انتظار وترقب، أعلن السيد رئيس جمهورية السودان، تفاصيل خطته للتعامل مع الأزمة الاقتصادية الخانقة، والاحتقان السياسي المصاحب لها، فجاءت خطة رئيس الجمهورية معتمدة على تعديل وزاري لم يطل الوزارة الاتحادية فحسب، بل طال رئاسة الجمهورية والحكومات الولائية، في بادرة قُصد منها أن تعطي مؤشراً على سياسة تقشف يعتزم النظام إنفاذها، في إطار محاولته لمعالجة الأزمة الاقتصادية.


التغيير أدى إلى تقليص عدد الوزارات بمقدار الثلث، إذ هبط بها من اثنتين وثلاثين وزارة اتحادية إلى إحدى وعشرين وزارة، مع وعد بتخفيض عدد وزراء الدولة بما يعادل النصف، وتخفيض حكومات الولايات من 8 وزارات إلى 5، وإجراء تعديل محدود في رئاسة الجمهورية أدى إلى تعيين نائب ثانٍ جديد، وفك الارتباط بين منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، مما أتاح الفرصة لتعيين رئيس وزراء جديد.

كان رد الفعل الأولي لكل من استمع إلى الخطاب والقرارات التي تبعته، هو تساؤل ما زال قائماً: وأين المعالجات المرتقبة للأزمة الاقتصادية؟؟

فما من أحد من السامعين على قناعة بأن مجرد تغيير الأسماء سيعالج أزمة السودان الاقتصادية الحادة، التي تحاصر المواطن السوداني ليلاً ونهاراً.

نعم الوزارة السابقة كانت مترهلة وضعيفة وغير قادرة، ونعم هي جاءت نتيجة ترضيات سياسية ومحاصصات قبلية ! ونعم هي خلقت وظائف وهمية وأنشأت إدارات محلية إرضاء لمجموعات سكانية وشراء لولائها السياسي، لكن كل ذلك لن يقنع أحداً أن مجرد تسريح هذه الحكومة، وتعيين أخرى أكثر رشاقة، سيحل المشاكل !!

المطلوب مخاطبة جذور الأزمة، والمطلوب تغيير الأوضاع التي أنتجت الأزمة، وليس المطلوب الطعن في ظل فيل الأزمة !

الأزمة أساسها سياسي، وتجلياتها اقتصادية، وتحتاج إلى حل على الصعيدين السياسي والاقتصادي - حل يشكّل تغييراً جذرياً للنظام القائم، وأي شيء سوى ذلك لا تنتج عنه سوى مسكّنات وقتية لا تحل مشكلة، ولا تعالج خللاً، وستظل الأزمة قائمة رغم كل عمليات التجميل والترميم التي تتم،

الحكومة تعرف أبعاد الأزمة الحقيقية، ولكنها ليست مستعدة لسداد فاتورتها، وهي تعلم أن الوضع الراهن وصل مرحلة فوق طاقة الصبر التي تحلى بها المواطنون، وأن الحياة تحت الظروف الحالية غدت مستحيلة، وإذا كانت الحكومة تريد إعادة الأمل - كما قال خطابها - فالأمل لن يعود بمجرد تكرار الوعود السابقة،

والحكومة الجديدة لا تملك عصا سحرية، وليس أمامها برنامج تفصيلي لحلول محتملة، وكل الذي أمامها رصد للتحديات، ومجرد تمنيات بتجاوز تلك التحديات بخطاب أغرق في التفاؤل، وخلا تماماً من تفاصيل وعناصر خطة إسعافية قابلة للتنفيذ،

ولا معالم خطة بعيدة المدى تعيد الأمل لجموع شعبية فقدت الأمل في الحلول الجذرية، بعد أن طحنها الغلاء طحناً.

إن الوضع الراهن هو أخطر وضع اقتصادي يعيشه السودان منذ قيام دولته المستقلة قبل أكثر من 60 عاماً، ولن ينقذ السودان من وهدته الحالية إلا عمل جماعي، يشارك في صناعته كل أهل السودان، ويتبنون بموجبه مشروعاً وطنياً قومياً جامعاً، يصوغه أهل السودان بإرادتهم الحرة، ولا تفرضه عليهم سلطة عليا، أو تنزله عليهم جماعة تستبد بالأمر دونهم،

لقد ذهبت الحكومة السابقة وتأتي الحكومة الجديدة، وربما احتوت على بعض الأسماء الجديدة، وعلى عدد من الوزراء السابقين، ولن يغيّر ذلك من الواقع شيئاً، ولن تعدو أن تكون خمراً قديمة في قنانٍ جديدة،

وسيحدث ذلك في وقت لم يعد في مقدور المواطنين أن يتحملوا مزيداً من التجارب، بينما معاشهم يتدهور من يوم ليوم، وحبل صبرهم قد وصل نهايته !!

القضايا المستعصية تحتاج إلى قرارات صعبة، وإرادة غلابة،

وكلاهما مفقود اليوم.

 

آراء