والبعضُ عابوا على الشيوعي ظهورَهُ الضعيف

 


 

 

كُنّا نَجلِس في الإجتماعات. الهَيئاتُ والسِحَنُ تُحَدّثُ عن أصحابِها في غيرِ ما موارَبَه. هؤلاء الناس لم يأكُلوا أموال اليتامى والضُعفاء والمُعْوِزين. لم يُعَذّبوا أحَداً حتى المَوت ولم يَرْقَ الثراء الحرام الى اهتماماتهم ولم يكن لديهم فارهاتٍ يقفنَ على استحياءٍ خارجَ مَقَار الإجتماعات. لم يسألوا أحدًا كي يُقَرّب لهم المسافات من مواقع الاجتماعات الى بيوتِهِم بل تجدهُم يسيرون لا يللون على شيئ حتى تسألهُم .. جبره الصحافات كرري الجريف.
زُرتُ صديقاً بعد فصلي في العام ٨٩ كان ضابطاً في سلاح الطيران وكان يسكن العباسيه وكانَ بينَ مَنْزِلَهُ وبين المدرسه الأوليه زُقاقٌ ضيّق. في اليومِ التالي نقلَ لي أحدُهُم تقرير جهاز الأمن نتاج يوم أمس بلسان تيم المراقبه المُكَلّف بي " وبَعدَها حَضَرَ إجتماعاً للحزب الشيوعي بمدرَسة العباسيه الأوليه ".
بعد وقوفنا في وجهِ الإنقاذ في اوجِ مَجدِها وصولجانِها تمّ فصلنا وقالوا عنّا شيوعيين. كُنّا دائماً نقولُ إنّهُ شَرَفٌ لم نَحُزهُ بحكمِ نشأتِنا الشرطيه التي تقتضي القوميه وعدم الإنتِماء ومضينا في نضالِنا.
بعد مسيرةٍ جبّاره لعِقْنَا من خِلالِها الحنظل على مدى سنوات الإنقاذ وما لانت عريكتنا ولم يجد الاحباط سبيلاً الى نفوسنا المتعطّشه دوما للحريه أتت سنوات الإنتقال لتسرق ما تبقّى من آمالٍ وتُطيحُ بها لنجد أنفُسِنا مرّةً تحت رحمتها وسوء تقديرها ومرّةً تحت رحمة الإنقلاب ، نتاج سياساتِها ، وما استتبعه من قهر وقتل ومليشيات وسلاحٍ يجوسُ حامِلوهُ خلال الديار بلا مُساءله و إنهار كلّ شيئ.
بيدَ أنّ الانهيار الأدهى أتى في الدعوه لِلَّمٍّ أعمى للشَّمل من الكثيرين ومن الاجسام السياسيه والمنظمات التي وضعنا أيدينا فوق ايديها ذات يومٍ وانطلق الجميع ينحون ذلك المنحَى بِدَعوى إنقاذ البلاد مما هي مُقْدِمةٌ عليه ومما يلوحُ في الأُفُق من حربٍ أهليه وتقسيم .. الخ.
إنّ للعَمَل أدَوات وللأدوات سواعِد وللسواعِد مواصَفَات كلُّ ذلك ظللنا نتجاهلَهُ منذُ عقود بدأت منذ الإستقلال وذهبت بنا إلى ما نحنُ فيه الان. ( لاؤنا ) وقَفَت خازوقاً في حلقِ الإنقاذ منذ عام ولادَتِها ولم تتبدّل حتى الان وكان الثمَنُ باهِظاً دفعناهُ عن إيمان ودَفَعَهُ الوطن للأسَف. وضعنا أيدينا على أيدي الكثيرين إيماناً منا بالتغيير الذي لا رجعَةَ من بَعدِهِ مستندينَ على ثورةِ وعيٍّ قادها الشباب وقدّموا بيان بالعمل فما ارعَوَت النفوس المُتَرَدّدَه وظلّت تدعو لاتفاقاتٍ كيفَما اتّفَق لتحتفظ بالجيش في موقعٍ مؤثّر مهما اختلفت المُسَمّيات ( مجلس أعلا او سيادي ) ولتأتي باتفاقية جوبا والمليشيات والمساندين للإنقلاب.
جلسنا ثلاثة عشر كياناً .. ثلاثة عشر مقعداً في نِدّيّةٍ كامله لم يكن الحزب الشيوعي يتقدّم أيٍّ من كياناتنا ولو بِشَعره. كلَّ آرائنا وضعناها على الطاوِلَه فتوافَقَت لاءاتُنا واهدافُنا وتمخضت عن ضرورة التغيير الجذري بعيداً عن المهادنات والمحاصصات والولاءات والتمادي مع القوى الإقليميه والخارجيه والتوافق مع وجود الجيش في السلطه وتكرار الفشل وتدوير الوجوه البعيده عن الإحترافيه.
لم يحترم الكثيرون لجان المقاومه التي ضحّت وقامت بالعبء الاكبر وما زالت مُبقيةً جذوة الثوره في عُمق النار. لم يحترم الكثيرون المفصولين من الخدمه المدنيه والجيش والشرطه ولم يقدروا تضحياتهم طيلة فترتي الإنقاذ و الانتقال وبذلك سلبوا الوطن خيرة ابنائه. ولم نسلم من أولي القربي فقد تنكّروا لنا حتى في خيارنا وخيار الوطن الأخير وعابَ البعض على الحزب الشيوعي الظهور ( الضعيف ) يقصِدون مَن شكّلوا مَعَهُ التحالُف. غابَ عنهُم أنّ هذه الاجسام الضخمه لم تفعَل سوى القعود بالوطن عبر ستين عاماً.
إيمانُنا لن يتزعزع بهذا الوطن وبالثوره. لن يهدأ لنا بال حتى نصِلَ الى غاياتِها ونورِها الذي هو في نهايةِ النّفَق. وسيولَدُ على أيدينا معاً سودانٌ جديد.

melsayigh@gmail.com
//////////////////////////

 

آراء