وزيرة الخارجية .. ما أصعب الطواف حول الكرملين !!

 


 

 

في ذلك المؤتمر الصحفي الذي جمع بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق، بدا سيرغي لافروف ذو ملامح جليدية باردة تخفي من ورائها لغة الجسد الديبلوماسي التي تقترب من الامتعاض، فهو يكاد ان يصبح ديبلوماسي (بالميلاد) كما تقول اوراقه الثبوتية فمنذ تخرجه من معهد موسكو للعلاقات الدولية في العام 1972 فإن مهنته (ديبلوماسي ) وهو الحائز علي نيشان (نمر الثلوج) العام الماضي 2020 وقد أجمعت العديد من وكالات الأنباء ان سيرجي لافروف قد تحدث عن كل شيء في ذلك المؤتمر ،عدا سد النهضة. وَيَا للهول .
ولسخرية الموقف فإن كل ما قاله بشأن السودان (ان روسيا تؤكد لنظيرتها ضرورة رفع العقوبات المفروضة علي السودان )!! متحدثا عن العقوبات التي اقرها مجلس الأمن عام 2004 بشأن حظر السلاح وتجميد ارصدة الضالعين في جرائم حرب في دارفور وليست تلك اللحظة الملتبسة التي تشغل بال (الضيفة).
وزيرة الخارجية السودانية اندفعت نحو المنصة أكثر غبطة من ذلك الدب الروسي وذكرت في خلاصة قولها (ان روسيا تستطيع إقناع اثيوبيا بمراعاة حقوق مصر والسودان فيما يتعلق بسد النهضة).
ثم صرحت لوكالة (سبوتينك الروسية) أن موضوع مركز الدعم اللوجستي هو جزء في تلك الاتفاقية السودانية الروسية التي وقع عليها المجلس العسكري عام 2019 ولكن لم تتم المصادقة عليها من المجلس التشريعي ولكن وفي غياب المجلس التشريعي فيجري الان ممارسة ذلك الدور عن طريق مجلس السيادة ومجلس الوزراء ،ثم زادت نحن نروج لاستقدام المزيد من الشركات والبنوك الروسية
للسودان) .
كان الزهد الروسي يبدو واضحا عن ممارسة أي دور يتعلق بسد النهضة ،خاصة ان الذاكرة الروسية لم تزل تختزن رحيل البوارج الروسية من بورتسودان منذ بضعة أسابيع عقب تعليق اتفاقية القاعدة اللوجستية علي البحر الأحمر حيث كان ذلك الجلاء يقترب من (الاستقلال) و كان مصحوبا باحتفالات رمزية جرت علي متن سفن عسكرية سودانية.
فهل كانت وزيرة الخارجية تبيع الطير في الهواء !!
خلف ذلك المشهد الدبلوماسي كانت تجري علي نار هادئة محادثات عسكرية أثيوبية روسية واختتمت أعمالها في اليوم التالي لتخرج بإتفاقية تعاون عسكري شملت العديد من المجالات ابرزها التعاون التقني والتدريب وتكاد تقترب من الدفاع المشترك في تلك الأجواء المحمومة التي تشهدها الهضبة الإثيوبية .
وهكذا حملت مريم ملف سد النهضة عندما وصلت الي موسكو قادمة من واشنطون بعد ذلك الحشد
الذي حاولت جاهدة ان يصبح ذلك الملف قضية سياسية وقومية التوجه خاصة ان مؤتمر وزراء الخارجية العرب بالدوحة قد أكسب قضية سد النهضة إشارات التكتلات (القومية) في مواجهة الاخر، والسيدة الوزيرة هي القائلة (عرب أفارقة وأفارقة) في أعقد المنعطفات الدبلوماسية ! وفي أكثر من مناسبة ربما دون دراية كانت تحاول التمترس بالبعد (القومي) مما أضفي علي ذلك الصراع طابعا قوميا لا تخطئه قرون الاستشعار السياسي. وقد دفعت بتونس تحديدا وليس غيرها العضو المؤقت بمجلس الأمن بأن تضع ذلك الملف علي طاولة مجلس الأمن ،والذي أعاد الملف وتعقيداته الي البيت الأفريقي (الاتحاد الأفريقي). وتري اثيوبيا في ذلك انتصارا لموقفها وهي التي ظلت تنادي دائما ان يحسم ملف سد النهضة في اروقة الاتحاد الأفريقي .
إذن فإن (موسكو) وكذلك (نيويورك) وتحديدا (مجلس الأمن) يمثلان خيبة لدي وزيرة الخارجية التي ابتدرت حياتها الدبلوماسية ب 22 رحلة خارجية في خلال ستة اشهر من 11فبراير 2021وحتي 11 يوليو 2021 يفوق ثلاث رحلات في الشهر وهي تتأبط ملف سد النهضة ولا شيء سواه.
تاركة خلفها وزارة تعج بالمشكلات بدء بالترهل في بعض السفارات ، وضعف التمويل الذي يعيق نشاط بعثاتنا بالخارج التي يعاني بعضها من الشلل الإداري في هياكلها، وآثار الدولة العميقة وغياب الدور السوداني في المحافل الإقليمية ،وتعدد المنابر التي وسمت العمل الديبلوماسي ،وتضارب التصريحات ، والدور الذي تلعبه المحاور الإقليمية اصبح سيد الموقف في بلد لا تنقصه الهشاشة المرتبطة بإشكاليات الانتقال .
ولم تزل الخارجية عاجزة عن تلبية تطلعات ثورة ديسمبر وهي التي استحالت علي مدي ثلاثين عاما وكرا للأجهزة الامنية ، ومنافذ عبور لأدوار مشبوهة تمس براءة ونقاء الديبلوماسية السودانية التي عرفت به منذ فجر الاستقلال .
والآن ...... ماذا بعد ذلك الفتور الروسي ؟ وخيبة مساعي التدويل في نيويورك ؟
وهل سيعود السودان قلب افريقيا النابض ؟ ام انه سيظل سادرا في متاهات الدبلوماسية وبلا دليل !

musahak@hotmail.com

 

آراء