وهل بقيت للترابي مكرمة تُذكر ؟؟!! تعليقاً على مقال د. الطيب النقر

 


 

 

أن نترحم على من مات – مهما عظم ذنبه – ونسأل الله له المغفرة، فشيء يحمد للمسلم وغير المسلم. فكل ابن آدم خطَّاء، حتى ولو لم يكن من أخيارهم التوابين. أما أن نحاول تجميل سيرة من استطار شره وفساده وإفساده وتبرير آثامه، ورسم صورة معاكسة نقيض صورته الحقيقية، لنجعل منه قدوة تقتدى وأيقونة ومنارة تُهتدى. فشيء آخر تماماً. يناقض تعاليم الأديان، سماوية وغير سماوية، ويجافي الفضيلة والأخلاق الكريمة، بل هو نقيض للفطرة السليمة التي خلق الله الإنسان عليها.
وما لم نتحلى بالشجاعة الأخلاقية لنسمي الأشياء بأسمائها، ونشهد بالحق ولا نخشى فيه لومة لائم، ونتحرى الصدق مع أنفسنا، لن يستقيم لنا أمر وينصلح لنا حال أو تقوم لنا قائمة (ليوم الدين).
نقول هذا وندرك أن كثيراً من تقاليدنا الموروثة وأعرافنا التي نُلبسها ثوب الدين والشرع زيفاً، تفرض علينا أن نزكي الناس عند الله، ونحن منهوون حتى عن تزكية أنفسنا. ورغم ذلك يجري بيننا المثل مجرى الفرض الديني لنذكر "محاسن موتانا".
ولكني – والعقل يفرض ذلك – على قناعة بأن هذا القول لا ينبغي أن يُرسل على إطلاقه، وعلى عواهنه هكذا مطلقاً من كل قيد. وإنما يجب تقييده بحسابات الربح والخسارة، وبنتائجه، – سلباً أو إيجاباً – على وأمن وسلامة ومصالح المجتمع والدولة، وأن يقيَّد بضوابط وقوانين تتحرى قيَّم العدالة، والحرية، والمساواة في الحقوق والواجبات بين الناس. و"لا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا، أعدلوا، هو أقرب للتقوى" (المائدة: 8).

(2)
صحيح قد يتعاطى خفير باب المستشفى جريمة الارتشاء، فيسمح بدخول من يدفع له – في غير مواعيد الزيارة – لمعاودة مريضه، ويحرم منها من لا يرشوَّه.
إلا أن أضرار جرمه لا تبلغ ما يبلغه فساد مسؤول كبير أو وزير يقوم بتعيين من لا يستحق في منصب حساس أو مفصلي في الدولة لصلة قرابة دم أو انتماء حزبي أو قبلي، ويحرم الأكفأ المستحق ليغمط حقه في التعيين، ويحرم الدولة أو الموقع الوظيفي من الكفاءة الجديرة به. والتي تحتاجها الدولة ودولاب العمل، فيلحق الضرر بالدولة ومن يحتاجون لخدمات مؤسساتها. كما يحرم بذات الوقت المواطن وأهله من حق مستحق، تعب وبذل جهده وأفنى زهرة شبابه ليتأهل لهذا الاستحقاق.
ويعظم الأذى ويبلغ الضرر أقصى مستوياته حين يكون مصدر الفساد والشرور من يتبوأ أعلى منصب في قمة هرم الدولة. لأن شر فساده وأضراره سيعم الكل، ويستشري أثر أضراره مثل السم أو المرض الخبيث في مفاصل الدولة والمجتمع ويفسدهما معاً.

(3)
لقد ارتكب الشيخ الدكتور حسن عبد الله الترابي أكبر جريمة بحق بلاده وتاريخها وبحق شعبه ومجتمعاته المختلفة، أعظم وأبشع وأشنع الضرر والأذى. وليس فقط على مدى سنوات حكم تنظيمه وتطبيق أفكاره ومنهجه، الذي امتد لثلاث عقود، وإنما قبل ذلك منذ الستينات وهو يؤسس لتنظيمه ويدعو لفكرته، وليمتد أثر الفساد والإفساد والتدمير والتخريب بعد سقوط تنظيمه، وموته هو، إلى اليوم ...وما بعده في الغد.
فتدمير الدولة وتخريب مؤسساتها، وتمزيق نسيج مجتمع شعوبها، وإفساد ضمائر وأخلاق كثير من أهلها. وما تم من إزهاق الآلاف من أرواح شبابها ونسائها، وما تم نهبه من موارد وأموال الدولة. وتفريط في أراضيها لصالح دول ذات أطماع تتربص بها وبمواردها وتناصبها العداء.
هل يحتاج ما عليه حال السودان والسودانيين اليوم إلى شرح ؟!!.
إصلاح كل هذا التدمير والتخريب الممنهج على مدى عقود، مهمة يستعصي على جيل واحد إنجازها وقد يمتد لعقود تتوقف فيها الفتنة بين القبائل وتندمل الجراح ويتعافى فيها الناس ويأخذ إصلاح النفوس مجراه.

(4)
رجل واحد هو من قام بغرس هذه البذرة الخبيثة في أرض السودان وسهر على سقيها ورعايتها حتى استوت شجرة ترمي ثمارها السامة للجميع.
وأما من اصطفاهم أعواناً وأدوات وسخرهم لإنزال هذه الرؤى الشيطانية على أرض السودان، فكان الأحرى به، لو أن به ذرة عقل أو ضمير، أن يأخذهم إلى مصحات الأمراض العقلية وعيادات الأمراض النفسية، أو مقيدون، إلى مراكز إيواء المجانين كحلٍّ أخير لمن لا يرجى شفاءه.
فمن يلوم لسان حال السودان إذا جرى باللعنة ؟!.
ما المكرمة التي بقيت للترابي وحال السودان والشعب السوداني حاله اليوم؟.
يقول أتباعه والمغيب وعيهم أنه كان ذكياً نجيباً في الفصول الدراسية التي عبرها هرولة بذكائه الحاد.
فهل الذكاء وحده محمدة ومكرمة ؟
إذا كان الذكاء وحده، مجرداً من القيم الإنسانية والأخلاقية، وخادم قائم على نشر الخير والفضيلة والمحبة. مسخراً هذا الذكاء للتخريب والفساد والإفساد، والأنانية والاستغراق في إشباع شهوتي البطن والفرج. فإبليس أجدر بالحمد والثناء على ذكائه وسعة دهائه.
هل العلم وحده يظل هو مكرمة الترابي الباقية ؟.
هل خرج للناس هذا العلم بتجديد إسلامي يعيد للدين بعض ما ناله من تشويه على يد الدواعش، أم أنه أوغل في تشويه صورة الإسلام أبعد من داعش وأخواتها ؟!.
إن مخرجات علم وعمل الترابي تجسدها الدولة القائمة الآن وهي تترنح على شفا هاوية التفكك والانهيار !!.
وقد أجاب المسيح ابن مريم عليه السلام على سؤال حول الأنبياء الكذبة قائلاً: بثمارهم، تعرفون الأنبياء الكذبة.
نبينا الكريم – والذي يرفع الترابي ورهطه لافتته – استعاذ بالله من "علم لا ينفع". فما بالك بعلم ضار بصاحبه وبقومه وبالإنسانية جمعاء، ومع ذلك لا يسعى حامله لنشره بالتي هي أحسن، بل بالتي هي أسوأ؟؟!!.

(5)
خلاصة الأمر:
من الورع وحُسن التدين والتحلي بكريم الأخلاق أن لا يدعي المرء بشرّ الدعاء على من مات وآل أمره إلى الله.
ولكنك لا تستطيع أن تمنع أو تلوم زوجة فقدت زوجها، أو أبوين فقدا إبنهما وهو يستعد للامتحان، أو أطفال يتمتهم يد الغدر الحكومية دون وجه حق فحرموا من راعيهم. من يمنع دموع صبية أو إمرأة حرة شريفة تم اغتصابها من قبل الذين يفترض فيهم صون شرفها وكرامتها، إذا جرى على ألسنتهم الدعاء بشر العقاب على من أجرم في حقهم ؟.
أما أن يحاول أحد من الناس مهما بلغ مستوى تولهه، ومهما بلغت درجة محبته أو إعجابه، بمن يرتكب كل هذه الجرائم والمخازي والآثام والشرور، ليخرج على الناس، مغلفاً حبه أو إعجابه بثوب (مهلهل) لا يغطي عري ولا يستر عورة محاولاً أن يرفعه للناس قدوة وأيقونة ومنارة يُهتدى بنورها، فأمر آخر، لا يعيد طرح السؤال عن شخصية هذا "القدوة" المقترح من قبل أحدهم.
ولكنه يطرح السؤال الأكبر حول دوافع من يفعل ذلك، ومحاولته تحويل الفسيخ إلى شربات حلو المذاق.
نسأل الله الرحمة للترابي، وأن يغفر له، وهو بين يديه تعالى.
فبهذا نحن مأمورون.

هوامش
(*) د. الطيب النقر، الدكتور النور حمد وتجريد المفكر الترابي من كل مكرمة، موقع صحيفة سودانايل الرقمية، بتاريخ 17 يوليو, 2022

izzeddin9@gmail.com
/////////////////////////////

 

آراء