ويا لها من ذكرياتٍ

 


 

 

ويا لها من ذكرياتٍ
طرفة رواها أستاذنا عبد الخالق محجوب عن قمر الدين علي قرنبع
عبد الله علي إبراهيم
حامد فضل الله \ برلين
العزيز البروفيسور عبد الله علي إبراهيم
سبقني العزيز قمرالدين علي قرنبع بفصلٍ دراسي في كُتّاب المسلميّة وبسنة في جامعة الخرطوم، وغادرت جامعة الخرطوم مفصولاً مع أخرين (ما بليد براي، يازول الفضائح لزومها شنو) ).
حصلت على بعثة من وزارة المعارف (التربية والتعليم حالياً) التي كونت مكتباً خاصاً للبعثات الخارجية غير الحكومة وبإشراف المربي الفاضل متوكل أحمد أمين. اتخذ المسؤولون عن البعثات قراراً حكيماً، بإعطاء الأولوية للطلاب المفصولين من جامعة الخرطوم، لخبرتهم في الدراسة الجامعية، مما يساعدهم أكثر في تحمل الصعوبات التي تواجههم بالخارج، وكما كانت تعلم اللجنة، بأن الفصل من الجامعة وقتها يتم أحياناً تعسفياً. وهكذا وصلت إلى مدينة لايبزج الجميلة بألمانيا الديمقراطية مع بعض الذين تم فصلهم. وقد سبقنا هناك الصحفي الشهير سيّد أحمد نقد الله، والطبيب الاِنساني عبد القادر مشعال "قمّة في التواضع" والتيجاني محمد الأمين (بطل الغرب كما كنّا نسميه) وأصبح واحداً من ألمع علمائنا في مجال الزراعة وعلم الحشرات، والصائم محمد إبراهيم، الذي كان يحضر لشهادة الدكتوراه في القانون بجامعة هومبولت \ برلين الشرقية). وكنا نسمع بالزيارات المعلنة أو الخفية لكبار قادة الحزب الشيوعي السوداني، مثل عبد الخالق محجوب وعبد الرحمن عبد الرحيم الوسيلة، وحسن الطاهر زروق، وأحمد سليمان، ومن النقابين، الشفيع أحمد الشيخ وإبراهيم زكريا، ومحمود بابكر جعفر.
وبعد فترةٍ وجيزةٍ هلّ علينا الصديق العزيز قمر الدين علي قرنبع، بعد أن لحق بقطار المفصولين، وكان قرنبع مشهورٌ بنشاطه الأدبي في جامعة الخرطوم، وكان يشترك مع مجموعة من الطلاب يقدمون مسرحيات بعضها معرّب عن المسرح الاِنجليزي بإشراف العلامة عبد الله الطيب وكانت تقدّم للجمهور عن طريق إذاعة (هنا أم درمان). جاء قرنبع إلى ألمانيا الشرقيّة مبعوثاً من اتحاد الطلاب العالمي، ، وقتها برئاسة الطيب أبو جديري (براغ)، وبتذكية من الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم.IUS
عندما وصل قرنبع مدينة لايبزج راح يصرخ علي السبكي ــ ابن السبكي المشهور بالسمك وحديقة الموردة ــ
(ووب، ووب تاني ما في قراية) وبالفعل دبّ النشاط في حياتنا الثقافية والفنية وليالي السمر البريئ فالصديق كان فكهاً، حلو الحديث، رخيم الصوت وخاصّة عندما يصدح بأغاني الحقيبة الخالدة.
لم تتحقق نبوءة علي السبكي، فقد نال شهادة الصيدلة وأكملت أنا دراسة الطبّ، وحصل قرنبع على شهادة الدكتوراه في التربية، وأكمل كذلك كلّ الذين حضروا معي تأهيلهم الجامعي.
سبقنا قرنبع إلى الوطن، و كنتُ ألتقي به في زياراتي النادرة إلى الخرطوم في معهد الدراسات الاِضافية أو في جامعة أم درمان الأهلية. وفي زيارتي الأخيرة، كان مقعداً وطريح الفراش، ولكن لم تفارقه روحه المرحة وذاكرته الحديدية وتعليقاته الذكية، وبشاشته، فلا تصدق بأنّه يعاني.
وإذا كان يقال بأن المستحيلات ثلاث (الغول والعنقاء والخلّ الوفي) فالمستحيل الرابع: أن تعادي أو تخاصم قرنبع، هذه الشخصية الأسطورية.
العزيز البروفيسور عبد الله، لك عظيم الشكر، ونتمنّى أن لا تحرمنا من مثل هذه اللقطات الرشيقة، والذكريات الحميمة، ونحن نعيش في هذا الزمن الرديء، فأنت مخزن معلومات لا ينضب.
تحياتي لك وإلى الأعزاء في الحوش العابديني.
حامد البرليني
3 مارس 2024
حاشية:
أثناء كتابتي لهذه السطور، اتصل بي من الدوحة مهندس الاتصالات واهب الابن الأكبر لقرنبع والمولود في برلين، ليوصلني مباشرة بوالده في القاهرة، فيا له من تزامنٍ عجيب ومفاجأة سارّة.

hamidfadlalla1936@gmail.com

 

آراء