“يبقى عندنا مسؤولية” زيادة الانتاج ومحاربة الفساد

 


 

 

إن واجبنا الوطني يحتم علينا الا ننحو إلى التمجيد ولا إلى التثبيط للحكومة المدنية بقيادة د. عبدالله حمدوك بل إلى تشجيع المجتهد على نجاحاته مع النقد البناء والتقويم المستمر لعثراته سعيا نحو تصحيح المسار. وبعد انتهاء الفترة الممنوحة لهذه الحكومة الانتقالية بعقد التعيين. نقوم جميعا بالجرد والتدقيق والمحاسبة لدور كل منا تنفيذيا كان أم تشريعيا أم "تنظيريا" إيجابيا كان أم دور سلبي.

فالمواطن مسؤول أمام ضميره و وطنيته عن أداء دوره الايجابي بكل إخلاص؛ والقيام بعمله بكل أمانة وعدم إضاعة وقت الوطن في إمور انصرافيه، فلا يمكن ان يقضي بل يمضي بعض الناس الكثير من أوقاتهم في لعب "الليدو" في الهاتف و التشاحن حوله؛ او يمضون زمنا في نقاشات عقيمة في الكرة و السياسة والمسائل الفقهية التي وسع فيها الشرع وضيق فيها الناس، او "يتسمرون" مع وسائل التواصل الاجتماعي نقاشا وتصفحا و"تجسسا"؛ مع إلقاء اللوم على الحكومة المدنية بأنها لم تعبر بهم الى شط الرفاهية.

نعم لدي إحساس بأن المواطن لا يستشعر دوره في الإصلاح والتعمير في الوطن؛ ويشعر بأنه ضيف، وأنه أبن الأكرمين فيجب على الدولة خدمته وتحقيق الوفرة له وهو جالس في الظل او على رصيف الانتظار.

الكل يعلم بانه لا يمكن ان ينصلح الاقتصاد ما لم يكن هناك انتاج محلي وانتاج فائض عن حاجة السوق المحلي. بالطبع هناك مدخلات للإنتاج وشروط لتهيئة البيئة للإنتاج وهذه كلها تحتاج رؤوس اموال. ولكن يبقى العنصر الاهم في العملية الانتاجية هو الانسان وليس الموارد او اموال الاستثمار. فمهما امتلأت الارض ذهبا ان لم يكن الانسان يعرف قيمة الذهب وطرق استخراجه فلن يستفيد شيئا.

بل ان معرفة الانسان الفردية والجماعية ان لم توضع في خطة تتضافر فيها الجهود مجتمعة ومتعاونة لن يحدث انتاج حقيقي؛ فما بالك إذا كانت الجهود والطاقات تهدر في التشاكس والصراعات الجانبية وتعطيل الاخر بمختلف الحجج كالاختلاف الاثني والحزبي والقبلي والجهوي والفكري وغيره. وهو ما تعارف عليه بهدم ما بناءه الاخر بحجة عدم قيمته ونية اعادة بنائه من جديد. في حين ان الهدم سهل ويبقى التحدي في صعوبة البناء او كما قيل (كلما صعد او اقترب واحد منهم من –النجاح- امسك البقية برجليه وسحبوه إلى الارض ومنعوه من الوصول للهدف)!!!

وجود المواطن المنتج الذي رزق العمل و"قلل" من الجدل أمر مهم ، وهو امر يقاس في الدول الحديثة بغرض تطويره؛ كمثال قام المعهد الوطني للإحصاء والمعلومات INSEE بفرنسا بنشر تقرير بمناسبة انتخابات البلدية والاقاليم الفرنسية التي جرت يوم الاحد الماضي جاء فيها، أن الناتج المحلي الإجمالي الفردي لسكان مدينة باريس وضواحيها هو "تقديرا" ضعف الناتج المحلي الإجمالي الفردي لسكان الأقاليم الأخرى. حيث يقدر ما ينتجه ساكن باريس وضواحيها ب (112.555 يورو) سنويا بينما يقدر ما ينتجه ساكن الأقاليم الأخرى (74.843 يورو) سنويا.

هذا جانب الانتاج؛ أما محاربة الفساد فتكون بتفعيل الاجهزة الامنية والعدلية وخاصة القضاء وبالأخص محكمة الحسابات لقدرتها التدقيقية في المنصرفات وكشف كل جوانب الفساد.
هذه الخطوات جد ضرورية لإعلام العالم بأن هناك مساع جادة لمحاربة الفساد. والا فمهما كانت نوايا الدول الصديقة وصناديق التمويل طيبة فلن يتم تمويل استثمار كبير في السودان إن لم نظهر جدية في محاربة الفساد.
فمثلا؛ كشفت منظمة النزاهة المالية العالمية عن فجوات كبيرة في النزاهة المالية في السودان حيث انه كان هنالك حوالي 30.9 مليار دولار مهدرة كفارق قيمة وهي تعادل 50% من اجمالي التجارة الدولية للسودان في الفترة ما بين 2012م-2018م.
كمثال للفساد الذي ظهر في الفترة الاخيرة؛ انه تم التصديق على كثير مما سمي سيارات "بوكو حرام" المهربة من ليبيا الى السودان؛ (أكد الرئيس الفلبيني رودريغو روا دوتيرتي على ضرورة تدمير المركبات المهربة لإرسال رسالة قوية مفادها أن الحكومة جادة في جهودها لمكافحة التهريب.) رغم ان قيمة تلك السيارات ملايين الدولارات وهي سيارات من عينة (ماكلارين 620 آر جديدة، وبنتلي 2007، وبورش 911 C2S، ومرسيدس بنز من MICP وميتسو بيشي).

لذلك لا يمكن لبلد مثل السودان يحتل موقع ضمن قائمة الدول ال 20 الاكثر فسادا في العالم من جملة 180 دولة؛ ويحلم بان تقوم الصناديق العالمية ومواعين التمويل في إعطاء قروض له او حتى الاستثمار في السودان.

أذن يجب ان يكون شعار المرحلة بل شعار كل مواطن هو زيادة الانتاج ومحاربة الفساد.

كتب أستاذنا بابكر عيسى أحمد
"ما نحتاجه جرعات من الوعي الحضاري... الأوطان العظيمة تبنيها الإرادات العظيمة ... نحن أكثر الناس معرفة بالقانون و مقتضياته و لكننا أقل الشعوب تمسكاً به و احتراماً له ....نحتاج حقاً إلى جرعات مكثفة من الوعي، و من الغيرة على المصلحة العامة و أن نراعي الله في أنفسنا و في أوطاننا و أن نكون صادقين في أعمالنا و أن نكون منتجين و مفيدين في أي موقع نتبوأه أو مكان نعمل فيه و نحرم على أنفسنا المال الحرام لأن تهتك الأخلاق يقود إلى دمار الأمم و تخريب الأوطان".

تغنى الفنان أبوعركي البخيت بقصيدة الشاعر إسحق الحلنقي في 1967م

"كل زول بحمل رسالة أمينة صادقة بعيد مداها
يعرف التاريخ بيحسب
كل خطواتو المشاها
والحدود الفاصلة هي
يبقي عندنا مسئولية
***
اسمعــوا مني الوصية
نحن لازم نبني نعمل لازم نبني نعمل
والعمل في حد زاتو للـ بيشعر
مسئولية مسئولية مسئولية
***
لي شعوب حرة وأبية
رافعة راية المسئولية".


wadrawda@hotmail.fr

 

آراء