يتسولون في سلطنة عُمان

 


 

 

تأمُلات
. قبل سنوات انتشرت ظاهرة فتيات الليل القادمات من وطننا المكلوم ليتسكعن ويبحثن عن الزبائن في شوارع مسقط.

.وحين كتبت عن تلك الظاهرة المشينة وأجريت لقاءات مع بعضهن لمعرفة الطريقة التي يأتين بها أغضب ذلك البعض.

. وأول من أغضبه ذلك النشر كان رئيس مجلس الجالية وقتها.

. ففي اجتماع حضرته برفقة أعضاء ورئيس المجلس مع سفير السودان بالسلطنة وبعض أعضاء السفارة الآخرين (طاعن) رئيس مجلس الجالية حينذاك قائلاً أن أموراً كهذه لا يُفترض أن يُكتب عنها حتي لا نسيء لسمعتنا كسودانيين.

. وقد كان ردي حاسماً، حيث قلت له يا دكتور أنا من كتب وبإمكانك أن تخاطبني بهذا الحديث مباشرة، وإن أردتما أنت وسعادة السفير فليكن موعدنا مساءً بمكان حددته له ترتاده تلك الفئة من الساقطات لتناول الشيشة أمام الكل وأن الأمر ليس خافياً حتى تنشره كتاباتي.

. بدأت بهذه المقدمة لكي أدلف إلى تجدد معاناتنا كسودانيين (بالداخل والخارج) بسبب بعض وكلاء السفر اللصوص عديمي الأخلاق الذين يسعون للكسب المادي بأي شكل وأي ثمن.

. فهؤلاء الوكلاء يرسلون هذه الأيام أعداداً من بني وطننا بوعود كاذبة حول أعمال يظن هؤلاء البسطاء أنهم سوف يحصلون عليها بمجرد خروجهم من مطار مسقط الدولي.

. لكن الحقيقة غير ذلك تماماً، فالسلطنة بلد مغلق نسبياً، لا تستقبل كافة الشرائح بهذا الشكل العشوائي، كما أن الحصول على وظيفة فيها ليس بالأمر الهين.

. لذلك وبعد أن يدفع الواحد منهم مالاً كثيراً لبعض لصوص وكالات السفر يحط رحاله بالسلطنة فلا يجد العمل الذي وُعِد به، فينتهي به الأمر بالتسول في الطرقات وحول الدوارات (الصواني).

. وهذا أيضاً لم يعد أمراً خفياً حتى يتعرف عليه الناس هنا عبر مقال يخطه شخصي الضعيف.

. فقد طالعت العديد من التغريدات لعمانيين يتناولون هذه السلوكيات المرفوضة عندهم بشيء من الإستياء.

. ولأن العماني مهذب بطبعه فتجد الواحد منهم يكتب ( متسولون من بلد عربي أفريقي)، لكن الصور التي ترافق بعض الأخبار والتغريدات تكشف أصحابها بوضوح.

. منذ لحظات قرأت واحدة من هذه التغريدات، التي عقب عليها مغرد آخر بالقول أنه توقف بعربته قبل أيام لأحد هؤلاء ظناً منه أنه يريد من يوصله لوجهة محددة، مضيفاً أنه إعتقد أن الرجل (معلم)، لكن عندما ابتدر معه حواراً فهم منه أنه قدم للسلطنة للعمل في مجالي الرعي أو الزراعة، لكنه لم يجد عملاً وقد نفد ماله وصار يعتمد على أهل الخير في معاشه.

. وافتراض الأخ العماني بأن السوداني الذي وقف لتوصيله (معلم) يمنحك عزيزي القاريء صورة واضحة عن المكانة التي يضعنا فيها العمانيون وكيف أنهم تعودوا على أن السوداني لا يحضر لبلدهم إلا لأداء عمل محدد، لكن هذه الصورة صارت مُهددة إن لم تكن قد تشوهت أصلاً بسبب الفوضى الضاربة بأطنابها في بلدنا حالياً.

. نقدر تماماً الظروف التي يمر بها وطننا وضنك العيش الذي بلغ مستويات غير مسبوقة أثرت على غالبيتنا سواءً داخل الوطن أم خارجه.

. لكن ذلك لا يبرر اطلاقاً تصديرنا لأسوأ ما عندنا للآخرين.

. وبالطبع لن نخاطب السلطات لأن القائمين على البلد حالياً أنفسهم يمارسون التسول على موائد الشيوخ والأمراء ولا تهمهم سمعة الوطن وأهله.

. لكن لابد من تنبيه أهلنا إلى ضرورة توخي الحذر في تعاملهم مع وكالات السفر وعدم صرف أموالهم على قلتها تحت وعود كاذبة تنتهي بهم بإهدار كرامتهم والإساءة لأنفسهم ولبلدهم.

. حافظ على ما لديك من مال قليل وانتظر الفرج كسائر أهلك الذين انهكتهم المعاناة فهذا أفضل وأكرم لك من أن تتسول الناس في بلدانهم.

. حاول السودانيون هنا بكافة فئاتهم وكياناتهم مساعدة هؤلاء الذين تتقطع بهم سبل العيش، لكن لابد لأمر كهذا أن يخرج عن السيطرة مع تزايد الأعداد كل يوم.

. ولأننا ننتمي لوطن بلا سلطة قادرة على ضبط عمل وكالات السفر ومنع بعضها عن ممارسة هذا الاحتيال على البسطاء المعدمين، فليس أمامنا من سلاح سوى نشر الوعي بين هؤلاء البسطاء وتذكيرهم بأنه من الصعب، بل المستحيل الحصول على العمل بهذه الطريقة في بلد مثل السلطنة.

. ما لم يكن هناك تواصل مباشر بينك عزيزي المواطن و بين جهة العمل أو المُخدم العماني وترتيبات واضحة تسبق قدومك للسلطنة فلا تتعشم في الحصول على عمل أياً كانت طبيعته.

. صحيح أن هناك من يأتون بتأشيرة زيارة للبحث عن النصيب، لكن حتى هذه غالباً ما تتم عبر سودانيين مقيمين هنا يرتبط بهم القادم الجديد بعلاقة ما تضمن له السكن والأكل والشراب لحين الحصول على عمل.

. أما وعود بعض وكالات السفر فكانت وستظل كاذبة من واقع ما نعايشه هنا، فإياكم واهدار أموالكم ومنحها لقمة سائغة لهؤلاء المحتالين لتزيدوا على أنفسكم المعاناة في آخر الأمر.

. في اللحظة التي انهيت فيها هذا المقال وقبل ارساله وصلتني رسالة صوتية يحذر فيها أحد العمانيين من أعداد لسودانيين يوقفون أصحاب المركبات بمختلف طرق مدينة صلالة ومن ثم يبدأون في ترهيبهم لمنحهم المال ( يعني التسول تحول لنهب وقلع).

. وقد ذكر صاحب الرسالة الصوتية أن الظاهرة الغريبة بدأت عندهم بمحافظة ظفار (جنوب السلطنة) منذ شهر تقريباً وأضاف معقب آخر أنه أُبلِغ بأن عدد السودانيين الذين قدموا للسلطنة بهذه الطريقة مؤخراً بلغ ألفاً.

. وبهذا يصبح الموضوع أكثر تعقيداً ومما لاشك فيه أن الأمر سينتهي بهؤلاء وراء قضبان بعض سجون السلطنة لأن العمانيين لا يسمحون بتهديد أمنهم وسلمهم الاجتماعي.

. وبالطبع أصبح تدخل مجلس الجالية وناديي الجالية السودانية الاجتماعيين بمسقط وصلالة ضرورياً للضغط والتنسيق مع السفارة لحسم هذه الظواهر السالبة قبل أن تستفحل أكثر.

kamalalhidai@hotmail.com
///////////////////////

 

آراء