يوميات الاحتلال (17): السودانيين وشعاعات الأمل والعالم

 


 

جبير بولاد
7 January, 2022

 

.. لو رأيتهم لظننتهم يخرجون من احدي الأساطير الإغريقية.. نحاف الاجساد و ضلوعهم بارزة .. و قلوبهم احمي من مركز الارض، هولاء هم كنداكات و ثوار السودان في معركتهم الباسلة ضد كل قوانين الإحتلال .. الإحتلال الذي أوكل أحط أبناء الشعب و أختارهم بعناية و كأنهم مخلوطين من عصارة نجاسات كل القرون السودانية و مدهم بكل أدوات القتل اليومي لتصفية معني السودان دولة و تاريخ و أنسان .
.. أحيانا المرء يتسأل هل تبقي في هذا العالم أحرار؟
الثورة السودانية الآن في تغافل العالم عنها و مرة تآمره المضمر تمثل آخر الشعوب التي تقاتل بشرف ضد استعبادها، و أنا مدرك تماما أنني عندما أكتب هذا الكلام، كثيرون لا يدرون أن هذا العالم يمضي و يشتغل بجد علي اكبر مرحلة لترويض و تطويع بني البشر، أعلم تمام العلم أن كثيرون لا يصل مستوي فزعهم الي هذه التصورات التي اكتبها هنا في مقال يتيم يقرأه لربما قليلون او كثيرون، ثم يعبرونه كفيلم رعب يشاهده المرء قبل نومه، و لكن لكم أن تعلموا و لتتذكروا اذا أسعفكم التذكير حينها، أننا نكتب عن أسوأ مراحل التاريخ البشري و السودان هو آخر معاقل مناهضة هذا السوء، حتي جيراننا من الشعوب سيأتي يوم و يتحسرون من أنهم كانوا متفرجين علي مقتل آخر القيم الانسانية و لربما يصبح يوما الحديث عن الحرية كأنه الحديث عن فردوس مفقود ! .
.. اجتمعت قوي الشر التاريخية و توزعت العالم و هنالك أحرار في العالم الأول الآن يناهضون عهد جبري قادم و لكننا كبني بشر تم اغراقنا في تفاهات هذا العصر حتي تحولنا الي متفرجين كما تتفرج البهائم علي ذبح قرائنها ثم تواصل مضغ الحياة في إنتظار يوم آخر يكون فيها اختيارها حتمي .
.. دوما في معارك التاريخ يكون الأسوأ من العدو نفسه هو المخذل الذي يكون في خندقك و لكنه يعمل علي تثبيط عزمك كل يوم، و يتوعدك بالهزيمة أو المساومة كلما رأي جحافل العدو و في نهاية المطاف يكون علي إستعداد للتعاون مع العدو بعد أنتهاء المعركة و لنا شواهد كثيرة الآن تغرق المشهد بطفح فضلاتها، لكنهم ما دروا أو لم يتخيلوا في أحلامهم أن الذين يقودون معركة التغيير الآن في السودان هم فتية آمنوا بربهم و بوطنهم ثم لم يأوا الي كهف و لكنهم خرجوا في الطرقات و الشوراع و المدن و الأرياف السودانية ليقولون لا في وجه من قالوا نعم من ساسة و سماسرة و متردية و نطيحة و ما أكل الدود الي حد التعفن . فتية كما وصفتهم أعلاه، تظنهم ضعاف و صغار و مغلوبي حيلة و لكنك واهم و أعشي بصر لو لم تري هذه الجذوة المضرمة في دواخلهم و القادرة علي تذويب كل ثلوج العالم .
.. اليوم خرجوا و استبسلوا و لسوف يخرجون كل يوم ليحرجوا حزب برهان المسلح و محلليه و اخرين خارج الحدود عقولهم اصغر من حبة سمسمة و كلهم يجمعهم أمر واحد فقط و هو انه خلقتهم الصدفة المحضة .
.. أهازيج أطفال السودان تغيرت و أصبح لديهم ألعابهم المتشكلة من مرحلة في التاريخ هم _ علي صغرهم _ يشاركون الآن في صنعها و خيال الأطفال مرتبط بواقعهم، و اتذكر في بدايات الألفية كنت قد زرت جنوب السودان قبل إتفاقية نيفاشا و مما لاحظته و كتبت عنه في حينها هو أن معظم لعب الأطفال كانت في ذلك الوقت هي اسلحة خشبية من صنع اياديهم الصغيرة و كانت دقيقة في الشكل و تعجبت لكيفية تأثير الواقع علي مخيال الأطفال و طريقة تعبيرهم عنه حتي لو كان هذا الواقع هو واقع الحرب!
.. الفارق الآن في تجربة أطفال السودان في خضم هذه الثورة العظيمة هو تشربهم لغة الهتافات و الصمود و الجسارة الخرافيين و إكليل من السلمية يغطي كل ذلك المشهد .
.. الذين لا يرون كل تلك التفاصيل بهذا الوضوح نقول لهم :
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
و ينكر الفم طعم الماء من سقم .
.. سيتواصل مد كنداكاتنا الجميلات المشرئبات كآلهة اغريقية و سوف يتعالي عنفوان الثوار بلون أجسادهم العارية اللامعة تحت ضوء الشمس و سوف تسجل جدران المدينة الهتافات المدوية و سوف يسجل الزمان انضر و اروع تفاصيل ثورة في التاريخ الحديث .
.. من يستطيع اقتلاع الاشجار من العالم ؟ .. من يستطيع ان يخمد ضياء النجوم البعيدة؟ لا أحد مهما عظمت قوته.
الثورة وعي و بناء و فعل مستمر .
jebeerb@yahoo.com
/////////////////////////

 

آراء