ييومان مع علي عثمان في شمال كردفان
النائب الأول يحذر أدعياء الثورة.. وفاطمة الامام فيها شيء من «علي»
الطاهر وزاكي الدين يتبنيان قضية أولاد جادين وطه يعد خيراً
تمنيت أن تشمل الزيارة «أم روابة» لنقطع الشك باليقين
وصلتني الدعوة لزيارة ولاية شمال كردفان في رفقة النائب الأول لرئيس الجمهورية، وأمامي التزامات شتى عملية وأسرية، أدناها الترتيب لخطوبة ابنتي الصغري «يسرا»، والمشاركة في الإعداد لتأبين فقيد أسرتنا عميدها الراحل المقيم الأخ خالد عباس النور عنقرة، ولكن مثل هذه الزيارة لا ترد دعوتها.
فكردفان أمنا الحنون لها مكان خاص في النفس والقلب، وهي الأمل الباقي، وصمام أمان ما تبقى من السودان، لتمسك بهذا العقد النفيس دون أن ينفرط، ومنها ننتظر الدروس والعبر، والسفر في رفقه الأخ الشيخ علي عثمان لا يقاوم، فلو كان في السفر خمس فوائد، فإن فوائد السفر مع علي عثمان تصل العشر، وقد تزيد كثيراً، اما أن تأتي الدعوة من أخي وصديقي ناجى علي بشير مدير مكتب الإعلام في القصر الجمهوري، فهذه قصة، لأن ناجي نفسه قصة، وخلاصة هذه القصة أنه يقدم النموذج الأرقى لإدارة الشأن الإعلامي الحكومي والتواصل مع الإعلاميين، ويكفيه أنه صار صديقاً للجميع بلا إستثناء، وعرف كيف يجعل من جل الإعلاميين أصدقاء للقصر الجمهوري وللحكومة من خلال صداقته لهم، فتركت كل شيء وشددت الرحال إلى شمال كردفان في رفقة النائب الأول الأخ علي عثمان محمد طه، وكان من رفقائه من الدستوريين الأخ الصديق ابن كردفان الأستاذ أحمد ابراهيم الطاهر رئيس المجلس الوطني، والأخت الأستاذة أميرة الفاضل وزيرة الرعاية والضمان الإجتماعي، والمهندس الصادق وزير الدولة بوزارة السدود والكهرباء، والأخ البروفيسور الشيخ عبدالقادر الفادني الأمين العام لديوان الزكاة، ومن الزملاء الأخ الأستاذ الصادق الرزيقي رئيس تحرير صحيفة الإنتباهه، والأخ الصديق الأستاذ حسن البطري مدير تحرير صحيفة الصحافة والأخ الأستاذ محمد حمد النيل ممثلاً للإذاعة السودانية، والأخ الأستاذ أسامة الطيب ممثلاً لـ «سونا» وأخي وصديقي المصور الفنان كمال عمر.
المحطة الأولى بعد الاستقبال في مطار الأبيض بوفد رسمي وشعبي يتقدمه والي كردفان الأخ والزميل والقريب الأستاذ معتصم ميرغني حسين زاكي الدين، والوالي السابق شيخ العرب أخي وصديقي الأستاذ محمد أحمد الطاهر أبو كلابيش كانت قرية «المرة» في محلية غرب بارا، لإفتتاح مدرسة المرة أساس بعد تجديد بنائها مع سبعين مثلها على أحدث طراز للبناء والتشييد، ومدرسة المرة لها قصة، فلقد حدثني عنها كثيراً صديقنا الأستاذ عثمان مجذوب بابكر الذي كان أحد أفراد الدفعة الأولى من طلابها عام 1947م، عندما كانت مدرسة صغرى، والمدارس الصغرى معروفة في ذاك العهد، وهي كانت تؤهل الطلاب للمرحلة الأولية، فالدراسة فيها ثلاث سنوات يخضعون بعدها لامتحان موحد يؤهلهم للدخول إلى الصف الثالث في المدارس الأولية، ولقد انتقل المتأهلون من الدفعة الأولى في مدرسة المرة الصغرى إلى مدرسة «خور جادين» التي تأسست في ذاك الزمان لاستقبال طلاب منطقة بارا، وكان أول ناظر لمدرسة خور جادين هو المربي الكبير والمعلم القدير الأمدرماني العريق الأستاذ عوض عبدالماجد، وكان من أشهر معلميها الأستاذ الشريف الركابي، وكان أول ناظر للمرة هو الأستاذ أحمد محمد أحمد تميم، اما طلاب الدفعة الأولى ومنهم التقابي المعروف أحمد جاد الله الموجود حالياً في مدينة الرهد، وخالد عمر أحمد عمر نجل عمدة العريفية، ومحمد أحمد النور وأخوه عبدالمحمود، وكان من أشهر معلميها أستاذ التربية الإسلامية مولانا محمد السنوسي والد الأخ الأستاذ ابراهيم السنوسي القيادي الإسلامي المعروف، وأبرز قيادات المؤتمر الشعبي الآن والذي تولى في يوم من الأيام قيادة ولاية شمال كردفان.
وفي منطقة «المرة» أعلن النائب الأول إنطلاق الحملة للقضاء على مدارس القش في السودان نهائياً، ولقد عجبت كيف أن مدرسة بتاريخ مدرسة «المرة» تظل على حالها القديم بـ «القش» لأكثر من ستين عاماً، مع تعاقب عدد من الحكومات الوطنية الحزبية والعسكرية والانتقالية، كما جدد طه التزام الرئيس المشير عمر حسن أحمد البشير لأهل شمال كردفان في زيارته السابقة بالقضاء على «نشل» المياه بـ «الدلو» من الآبار السطحية، وهو مشروع يرعاه والي الولاية الأخ معتصم زاكي الدين، ويقوده وزير الموارد المائية والكهرباء بالولاية ابن عمنا المهندس خالد معروف وهو ما يسمى بمشروع «طي الرشا»، ولقد ابتدع معروف فكرة عبقرية لانفاذ هذا المشروع تقوم على تحفيز الناس لعمل الخيرات والسبق به، فحشد له أهل الخير ودعاهم له وحببه في نفوسهم وحببهم إلى أهله، وتلك دعوة نوصلها إلى أهل كردفان في كل مكان، وإلى المحسنين من أهل الخير من الذين يتعشمون في دعوة أهل كردفان أهل القران لهم بالخير والبركات وليت منظمات كردفان التطوعية في العاصمة القومية وفي خارج البلاد تنشط في هذا المشروع المبروك.
ولما بدت معالم قرية «أم كريدم» محطتنا الثانية بعد «المرة» من الجو تداعت إلى ذهني ذكريات أيام خلت مر عليها نحو من خمسين عاماً عندما كنا في «عروس النيم» التي هي الآن محلية أم روابة، وقديماً غنى مطربنا مشينا أجمل رحلة لعروس النيم، .. أم روابة بلدنا شوقي ليك عظيم.. فمرت على الذهن صور قرانا القديمة، الجوغان ، الردبسات، أم قناص ، أم جزيرة ، الكدادة، رادونا، دلق التوب وغيرها، وعندما رأيت سيدة تمتطي حماراً تذكرت خالتي أم كلتوم بت الجدع عليها رحمة الله، وتذكرت حمارتها التي كانت «حامل» يوم ختاننا، فاهدتني في كشف الوليمة «بطن الحمارة» فبينما كانت النساء يكتبن مواجبات لوالدتنا التومة بت جبارة عليها رحمة الله ابوخمسة وابوعشرة والريال ابوعشرين، أصرت خالتنا بت الجدع على كتابة «بطن الحمارة»، فلما أنجبت الحمارة أنثى صارت من نصيبي، وظللت أتمتع بعائد بيع نتاج بطن الحمارة حتى تخرجت في الجامعة، فيا لها من «خالة» ويا لها من «بطن» ويا لها من «حمارة» ويا له من زمن جميل، وتذكرت دعوة والي الخرطوم الأخ عبدالرحمن الخضر للذين لا يقدرون على حياة العاصمة ليعودوا إلى الاقاليم، فلو أعادوا لنا ذلك الزمن الجميل لعدنا إلى كردفان، رغم جذرونا الراسخة في أمدرمان، ولعاد عبدالرحمن الخضر إلى كسلا، أو إلى أراضي الأجداد في الشمالية، ولعاد الشيخ همام «شيخ الدين» إلى دارفور، وعاد إلى رعاية الأبقار والزراعة، ولعدنا إلى الجراري والمردوم والصقيرية، ولو أن طريق أم درمان بارا الأبيض الذي أعلن السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية إكتمال تمويله قد نفذ، ولو أن الدراسات التي تجرى لطريق الذهب الأبيض - المزروب - سودري قد قادت إلى تنفيذ هذا الطريق لعاد كثيرون من أهل كردفان في العاصمة وغيرها وفي بلاد المهجر العديدة، وليت نيران الفتنة التي اشتعلت في جنوب كردفان تخمد، ويتحقق معها السلام الشامل في دارفور ليعود «الغرب» إلى مكانه الطبيعي خيراً وذخراً للسودان، ولغير السودان ايضاً ومعلوم الخير الذي خرج من غرب السودان ووصل إلى كثير من أرجاء المعمورة، وسقى الله السلطان علي دينار من ماء الكوثر بما سقاه لحجاج بيت الله الذين شربوا من آباره «آبار علي».
ولما نزلنا المحطة الثالثة في الزيارة «المزروب» استغربت أول الأمر كيف نزور ثلاث قرى في محلية واحدة من محليات شمال كردفان التي تفوق العشر ولا نزور محليات أخرى، وأصابني حزن كبير عندما حسيت ذلك أول الأمر مجاملة لعضو الوفد ابن محلية غرب بارا رئيس المجلس الوطني الأخ الأستاذ أحمد ابراهيم الطاهر، ورغم أني تأكدت من ارتباط الزيارات الثلاث بالاخ الطاهر، لكن زال الحزن وتحول إلى فرح وتساؤل، فرحت لبر أحمد ابراهيم لأهله ومشاركته في كل قضاياهم ومشروعاتهم الأساسية من حر ماله، وهنا جاء التساؤل لماذا لم يفعل ذلك كل نواب الولاية، وأبناؤها الذين قدمتهم إلى المركز سياسيين ووجهاء، ولماذا يفعل الاخ أحمد ذلك من ماله الخاص، وغيره يسهمون في تنمية مناطقهم بتوجيه المال العام إليها، ولو فعل أحمد ابراهيم الطاهر ذلك لما لامه أحد لأنه يوجهه إلى مستحقين، ولأن القرش الذي يقع في كردفان الغراء أم خيراً بره وجوه لا يقع في «الواطة»، فخيره يعود مضاعفاً على أهلها، وعلى أهل السودان جميعاً، وأقول لأخي أحمد ما لا يقوله له آخرون أن أهلك في كردفان يرون عفتك غير الموضوعية ضارة بهم، وكذلك قوميتك «الفايتة الحد» ، وأنا أعلم أكثر من غيري نزاهتك وتجردك لأنني أعرفك منذ عشرات السنين، ويعرف أهلك كلهم عنك ذلك، ولكنهم يرون في طريقتك المتفردة سلبية ضارة بهم، فأجعل مالك الخاص لأهلك الأقربين، وأجعل خير سلطانك يعود لأهلك في كردفان، وما قدمته للوطن لا تجد له جزاء مواف إلا عند صاحب الخزائن التى لا تنفذ.
وبذكر أبناء كردفان البارين بأهلهم لابد أن نذكر أخانا أحمد محمد هارون أكثر أبنائنا الدستوريين عطاءً لأهله، ولقد بر به أهل شمال كردفان اخوانهم في جنوب الاقليم، ولقد كان عند حسن الظن به، ولكنني أرى أن تحديات المنطقة تستوجب غير الذي كان قديماً، فأهل شمال كردفان يحتاجون أن يأتيهم ابنهم البار بأعجل ما تيسر، وفي أقرب فرصة ممكنة عملياً ودستورياً، وأبناء جنوب كردفان جديرون بحكم ولايتهم، ولا أحسب أن المؤتمر الوطني كان موفقاً عندما لم يختر في كل فرصة والياً للولاية من أبناء النوبه الذين تسمى بهم المنطقة، وليتنا نصحح أوضاعنا في تلك الولاية، وليت اخونا مكي علي بلايل يصحح أوضاعه ايضاً وتقبل الله فقيدنا الشهيد موسى علي سليمان، ولد «الغلفان» الذي اختاره الرحمن إلى جواره، وأصطفاه شهيداً من أجل الوحدة والسلام والإسلام.
وفي المساء كانت الندوة السياسية الكبرى التي تجلى فيها الأخ علي عثمان كما لم يتجل من قبل، وكان مغموراً بالسعادة والفرح، فتحملا عنه تعب الرحلة ورهقها، ولعلها فرصة لشكر الله سبحانه وتعالى بأن عبر بنا بسلام أكبر جسور الفتنة التي واجهتنا في الحركة الإسلامية وفي المؤتمر الوطني.
وليس صحيحاً ما يراه البعض من سبب لسعادة علي عثمان من عودة لموقعه القديم نائباً أولاً لرئيس الجمهورية، فالعودة للمنصب مظهر وليست جوهر القضية، وعلي عثمان لا تسعده المواقع والمناصب لأنها لا تعود عليه بشيء يشتهيه، وشهوات علي عثمان في الدنيا قليلة.. إن وجدت.. ولكن الفتنة انطلقت عندما حاول بعض المرجفين من إدعياء الإنتماء للحركة الإسلامية أن يربطوا بين انفصال الجنوب وبين علي عثمان، ولو أنهم كانوا صادقين حقاً لشكروا علي عثمان لأن الاتفاق الذي وقعه نيابة عن الحكومة في نيفاشا أفضى إلى فصل الجنوب الذي سعوا له بالحق والباطل قبل الحق، ولكن مثل هؤلاء الذين «لا خير فيهم» كما يقول أهل السودان، لا يرجى منهم خيراً، ثم أن الجنوب لم تفصله اتفاقية نيفاشا، وإنما فصله السلوك المتشاكس للشريكين، ولقد كان علي عثمان أكثر الساعين لإخماد نار هذه الفتن التي كان يشعلها الذين «لا خير فيهم».
والفتنة الثانية كانت محاولة هؤلاء الذين «لا خير فيهم» الإيقاع بين ثلاثي قيادة الثورة والحركة البشير وطه ونافع بإدعاء خلاف بين البشير وعلي عثمان، وصراع بين طه ونافع، ولقد سبق الأخ الدكتور نافع علي نافع بتجرده وإخلاصه وصدقه وقطع طرف حبل الفتنة عندما أعلن أنه، وعلى عثمان جنديان في الحركة الاسلامية، وانهما يحملان دفتين لقيادة السفينة، ولا يحمل أحد منهما معولاً لهد المعبد، واعترف بسبق كسب علي عثمان التنفيذي والسياسي، وأحقيته بالتقدم في صف القيادة، وقطع الرئيس البشير طرف الحبل الثاني وأعاد علي عثمان إلى موقعه الطبيعي نائباً أولاً لرئيس الجمهورية.
وفي مطار الأبيض كانت السيدة فاطمة الامام قد عقدت مؤتمراً صحفياً بصفتها رئيسة لمنظمة البر والتواصل، وليس بصفتها الأخرى «حرم النائب الأول»، فالزيارة كانت بالصفة الأولى، ولذلك عندما انتهى إفتتاح المستشفى الذي أنشأته المنظمة للطفولة والأمومة في «أم كريدم» عادت إلى الخرطوم ولم تنتظر بقية الرحلة التي ليس لها دور فيها بصفتها التي أتت بها ضمن الوفد، وعاد معها وفدها المرافق.
هذه الجلسة في المؤتمر الصحفي، كانت الأولى عن قرب مع السيدة فاطمة الامام، وبمجرد أن بدأت الحديث تذكرت المقولة التي تقول إن كل زوجة فيها شيء من زوجها، والناس دائماً يركزون في البحث عن هذا الشيء في الشكل الخارجي، ولكن الذي ظهر منذ أول وهلة مما يجمع بين بت الامام وود طه الإشارة الناطقة، والنظر الثاقب، والكلمة البليغة، ولا أدري إن كان هذا هو الذي جمعهما أو أنه تكون بينهما بعشرة السنين.
ولما سألت السيدة فاطمة عن السر الذي تساءل عنه السيد النائب الأول، عما يجمع بين منظمة البر والتواصل وأهل شمال كردفان، الذين يفوزون بإهتمام المنظمة الأكبر، قالت إن السر في أهل كردفان المبادرين السباقين بالخيرات، وفكرة مشروعات المنظمة تقوم على إكمال الناقص، فمن حضر «الثوار أتت له المنظمة بـ «العجين» وعاسته له، وأعطته له خبزاً جاهزاً.
فمن أراد «البر» فليجهز «الثوار» أو «الرواب» أو «يخت عدله».
ولما زرنا محلية الرهد الوليدة وجدنا أن معتمدها ابن الخال الأخ التوم الفاضل قد وفق في بناء رئاسة للمحلية على مستوى عالٍ من الجمال والأناقة والسعة، ونظم حشداً جماهيرياً ضخماً لم تشهده المحلية حتى قبل تقسيمها إلى ثلاث محليات، وكانت لفتة بارعة من الوزيرة الهمامة أميرة الفاضل وروح العمل الإجتماعي في السودان الأمين العام لديوان الزكاة الأخ البوفيسور عبدالقادر الفادني أن يتخذان من الرهد أبودكنة مسكين ما سكنه بداية لإنطلاق مشروعهم لتنمية المرأة الريفية .. عبر مشروع المسرة لتمليك أغنام للأسر وهو يستهدف خمسة آلاف أسرة في مائة قرية من قرى شمال كردفان، فالرهد هي «درة» كردفان كما قال الأخ النائب الأول، ولو أن الأسر فيها وجدت حظاً من الرعاية والتنمية لعادت الحياة فيها إلى أحسن مما كانت عليه من قبل.
ولقد استوقفتني بعض الملاحظات فعدم وضع أم روابة في الزيارة قد يكون لأسباب موضوعية، ولكنني كنت أتمنى أن نزور أم روابة، ويتجاوز الإحساس الشخصي إذا انها مسقط رأسي ومرتع طفولتي، ولكنني كنت أريدها لقطع شكوك حول اتهامات يقدمها بعض أهلنا في أم روابة، ويستشهدون عليها بأقوال منقولة عن الوالي يزعمون فيها أن معتصم «يعاكس» اخواته في أم روابة لأنه لا يريدهم أن يكون لهم شأناً يدعمون به أخاه فيصل حسن ابراهيم في الانتخابات القادمة، وقلت لهؤلاء إن مثل هذا الفهم لا يشبه الأخ معتصم الذي أعرفه منذ أربعة عقود من الزمان، فمعتصم منذ أن عرفته طيباً وخلوقاً وصافياً، وكان على هذه الصفات قبل أن يصير إسلامياً، وقبل أن يتقدم في هذا الصف، وهذه السمات عنده موروثة، ومعلوم أن الطبع يغلب التطبع، فصحيح أن بعض اخواننا قد تطبعوا بأخلاق غير معهودة، بعد أن فتح الله عليهم بالسطان والمال، ولكن هؤلاء أتى أكثرهم من حيث لا يعلم أحد، ولكن معتصم أتى من بيت «زاكي الدين» وهذا وحده عاصم بعد «الدين» ومع ذلك كنت أتمنى زيارة أم روابة وإفتتاح مشروعات تنموية فيها لتقطع الشك باليقين.
والملاحظة الثانية أني لم أجدهم قد أنزلوا أخانا أمير امارة الجوامعة الأستاذ الجامعي والطبيب الماهر الدكتور هارون الطيب هارون المنزل الذي يستحقه، فأجلسوه في أطراف الصفوف، وأرجو أن يكون ذلك من أخطاء البرتوكول التي أجلست أهم رجلاً في الحشد في مكان قصي هو شيخنا وشيخ المشايخ، الشيخ أبوعزة، وأذكر عندما حدثت الأخ حسن البطري عن الشيخ أبوعزة تحرك فوراً وذهبإلى الأخ اللواء ابراهيم الخواض مدير مكتب النائب الأول فأخبره بوجود الشيخ أبوعزه، فنهض الخواض وهب مسرعاً نحو شيخنا العظيم وتحرك به نحو المجلس الرئاسي، فما أن راه علي عثمان حتى تحرك أسرع إليه وحيّاه بتقدير العارفين، وكذا فعل الأخوان احمد ابراهيم الطاهر ومعتصم ميرغني، وترك أحمد ابراهيم مقعده لشيخه، ولما نهض الطاهر للحديث أول من حياه الشيخ أبوعزه، وشكر اليوم الذي أتاح له أن يجلس بجوار شيخ مشائخ القران في السودان.
ولما خاطب طه حشد أهل الرهد وجه رسالة وضاحة وقوية وبليغة لادعياء الثورة الذين لا يتخلقون باخلاقهم . وقال طه: إن من اخلاق الانقاذيين أن يخفوا عند الفزع ويكفوا عند الطمع ومن يفعل غير ذلك فليس منهم.
ولقد أنقذنا الخواض من كارثة أخلاقية قبل أن تكون مراسمية بإدراك الشيخ أبوعزه قبل انفضاض الجمع والخواض «حافظ لوحه» وهو مثال يحتذى لمديري المكاتب العليا، وهو بخلاف كثيرين، اختزلوا هذه المواقع لإرتقاء شخصي، أو لمنافع خاصة أو انهم صاروا حائلاً بين المسؤولين وبين مواطنيهم، ولكن الخواض في حالة حضور دائم.. وإيقاع منتظم، وهو واحد من أسباب فعالية مكتب النائب الأول الذي هو مؤسسة بحالها، وهنا لابد أن نذكر ضابط ايقاع هذه المؤسسة التي هي مكتب النائب الأول الأخ السفير عثمان الدرديري، والفضل من بعد الله تعالى للأخ علي عثمان الذي ينتقي الأكفاء أصحاب القدرات الكبيرة، الذين يستطيعون مجاراة إيقاعه، وليت الآخرين من المسؤولين يفطنون لذلك، فيأتوا بأمثال هؤلاء، أو حتى قريبين منهم، بدلاً من «الشُتر» الذين يخلون بالإيقاع.
وفي منطقة «الكبرة» ريفي النهود كان الإفتتاح الحدث ، للحدث الكبير مخيم الثروة الحيوانية الذي أنشأته وزارة السدود والكهرباء والمخيم يستهدف استضافة مليون رأس من الأنعام من الضأن الحمري ومن أبقار فوجا، وزراعة مليون فدان، فيا له من مشروع واعد.
ونحن نهم بالعودة إلى الخرطوم في مطار الأبيض اتصل بي الأخ الشيخ الكابتن أحمد جادين «أحمدو» حارس مرمى الأهلي والذي لا زال وأهله يعانون من القرار غير الموضوعي الذي اعتبرهم غير سودانيين لمجرد أن جذورهم القديمة جداً تمتد بالصلة إلى قبيلة الدينكا، رغم أنهم موجودين في أم درمان منذ مئات السنين، وهاجر بعضهم إلى الابيض قبل نحو مائة عام تقريباً، وبالتحديد في العام 1920م ومع ذلك اعتبروا غير سودانيين وتم فصل بعض أبنائهم من الخدمة العامة، فأخبرني انه كتب مذكرة حول قضيتهم هذه للسيد النائب الأول لرئيس الجمهورية، وقال لي إن الأخ الأمير الزين ميرغني حسين زاكي الدين أمير البديرية الذي يقود مجموعة أبناء الابيض لنصرة أولاد جادين قد أخبره أن السيدين احمد ابراهيم الطاهر وميرغني زاكي الدين، قد تبنيا قضيتهم، وتحدثا حولها مع النائب الأول الذي وعدهم خيراً.
ولقد أعادت هذه البشارة الطمأنينة لنا أهل كردفان عموماً، وأهل الأبيض بصفة خاصة، وأولاد جادين يعتبرون بعض أركان المدينة مثلهم مثل «أبوصفية» و«دليل» و«قبة اسماعيل الولي» و«سوق أبوجهل» و«فولة الحلب» لا ينفصلون عنها ولا تنفصل عنهم، وما زاد من اطمئناننا أن الملف صار بيد النائب الأول علي عثمان محمد طه، وعلي عثمان قد وعد خيراً، وعلي عهدنا به إذا وعد لم يخلف.
Gamal Angara [gamalangara@hotmail.com]