٧ أبريل وليلة السكاكين الطويلة في كيغالى: ما اكثر العبر
عبد المحمود عبد الحليم
16 April, 2023
16 April, 2023
…. قبل أن يغادر جناحه الرئاسى بمقر استضافته متوجها الى المطار فى رحلة العودة الى بلاده قال رجال التشريفات التنزانيون أنه اجرى محادثة هاتفية ,وتحدث مع بعض اعضاء وفده ، كما شوهد وهو يقف أمام مرآة بالبهو لاحكام ربطة عنقه تحرك موكبه بعدها الى المطار ليصعد لطائرة الفالكون- ٥٠ الرئاسية التى كان طياروها الفرنسيين قد فرغوا من وضع خطة مسار الرحلة واحداثياتها الى رواندا بعد انتهاء قمة اقليمية كرست لبحث قضايا السلام والاستقرار فى تلك البقعة الملتهبة…كان الإقلاع جيدا والطائرة ترتفع رويدا فوق اجواء مدينة دار السلام بينما ينفض تحتها سامر مودعى الوفد….فى كيغالى على الجانب الآخر بدأت تنشط مظاهر استقبال الوفد الرئاسى ويتوافد كبار مسؤوليها لمطارها ويزداد إيقاع الحركة كلما اقترب موعد هبوط الطائرة التى كانت تسمع ترددات صوت قائدها وبرج المراقبة ….كانت الطائرة تحلق بانخفاض فوق محيط القصر الرئاسى متجهة الى نقطة الهبوط عندما انشقت الارض عن صاروخ فاتك استهدف واسقط طائرة الرئيس الرواندى جوفينال هباريمانا ورصيفه البوروندى سيبريان نتارميرا الذى صحبه فى تلك الرحلة فلقيا حتفهما مع جمع من كبار المسؤولين المرافقين وطاقم الطائرة…وبمثلما تناثرت اشلاء الضحايا وحطام الطائرة تناثرت على امتداد ذلك القطر المكنى ‘ببلاد الالف تل’ أهوال دامية غيرت والى الابد وجه التاريخ فى تلك المنطقة ,فلم تكد تمضى ساعة من زمان اسقاط الطائرة فى السادس من ابريل ١٩٩٤ حتى بدأت اكبر مذابح القرن للابادة ألجماعية بتنفيذ من مليشيات الهوتو المتطرفة و ” الانترهاموى” -شباب الحزب الحاكم ” الحركةالوطنية الجمهورية من أجل الديمقراطية والتنمية ”
والقوات الخاصة لحكومة الأزمة التى تسلمت الاعباء بعد مصرع الرئيس ضد اقلية التوتسى بل و ضد الهوتو المعتدلين الذين كان رئيس الوزراء اغات اولنجيانا فى صدارة من تمت تصفيته منهم وسط اجواء مسمومة بخطاب كراهية عنيف سخرت له وسائل الإعلام ، واستقطاب عرقى وقتل على الهوية حتى أن الرجل يجبر على قتل زوجته التوتسية والا ناله القتل …ومحظوظ ذاك الذى يدفع ثمن الطلقة فيقتل بها بدلا عن ذبحه…. يقول الجنرال الكندى روميو دالمير قائد بعثة الأمم المتحدة لمساعدة رواندا (يونامير) , والتى كانت تعمل دون نجاح لتنفيذ اتفاقية اروشا لتقاسم السلطة قبل المذابح , فى مذكراته….” ..كنت أثناء تجوالى فى كيغالى أغوص الى ركبتى وسط الجثث المتراكمةبعضها فوق البعض ، ومن حولها الوف المحتضرين الذين يقطع أنينهم نياط القلوب ، وألوف الاطفال الذين تتدفق الدماء من جراحهم ، وهم ايضا فى طريقهم الى الموت ..كنت أسير خلال القرى التى ليس فيها من علامات الحياة الا دجاجة او عنز تسعى او طائر ،او كلب يتجول لينهش لحم الموتى ..”….وقد امتد اوان المذابح لمائة يوم قتل خلالها ثمانمائة الف رواندى حتى منتصف يوليو ١٩٩٤ عندما تمكنت “الجبهة الوطنية الرواندية” بقيادة الرئيس الحألى بول كاقامى من أكمال سيطرتها على البلاد وتولى الحكم فى تلك البلاد واستعادة سلطة التوتسى فيها… ليستعيد التاريخ ايضا حركته الدائرية بهروب الآلاف من الهوتو هذه المرة لدول الجوار وخاصة للكونغو الديمقراطية بمتوالية هندسية جديدة من عدم الاستقرار والمطاردات الساخنة لحركات المعارضة المسلحة والمليشيات…ولتصبح مجاذر رواندا عبرة لمن يريد الاعتبار…..
….على الجانب الآخر من الاطلنطى فى مدينة نيويورك كانت شمس ابريل قد تمددت باشعة ساطعة فوق النهر الشرقى عندما بدا يوم عمل جديد بمبنى الامم المتحدة بمانهاتن…كانت حصيلة الساعات الاولى من الابادة الرواندية قد وردت من البعثة ألاممية هناك الى ادارة حفظ السلام التى كان يقودها كوفى عنان وعبرها للطابق الثامن والثلاثين لمكتب الامين العام بطرس غالى الذى تيقن وقتها واشباح الموتى تغزو مكتبه انه قد دخل بالفعل الى ” عش الدبابير” حسبما اورد فى كتابه ” خمسة أعوام فى بيت من زجاج ” ….كانت التقارير تنهمر على مكتبه من قائد قوة حفظ السلام ضعيفة العدة والعتاد والاثر فى رواندا الكندى روميو دالير و غالى يحدق بنظارته السميكة عبر نافذة المبنى لعله يستذكر فشل سابق للامم المتحدة فى الصومال ثم فشل فى التعامل مع تحذيرات بوميض نار وكارثة فى طور التشكل فى رواندا بعث بها دالير من كيغالى قبل بدء حرب الابادة , وفشل لاحق لمجلس الامن فى التعامل مع الخيارات التى رفعها غالى حيث كان قرار المجلس التخفيض الكبير للبعثة بدلا عن دعمها للاستجابة لما كان يجرى على الارض من فظائع…يقول غالى ان الدول الكبرى تلجأ دائما لطيب الكلآم ومعسوله عندما تدلهم الخطوب
ثم تترك الامم المتحدة بلا سند او اسناد فذلك تحكمه مصالحها فقط…..فى العشاء الأخير الذى جمعه مع مادلين اولبرايت وهو يجمع اوراقه للرحيل عن ذلك البيت الزجاجى بعد فيتو امريكى رافض للتجديد له كأمين عام تمنعت الوزيرة الامريكية عن الاجابة على استفساره حول اسباب الموقف الامريكى منه ..فلعلها تركته لتقديره…..لم يخلد غالى الى النوم طوال تلك الرحلة الطويلة عبر الاطلنطى التى عادت به الى القاهرة ..فأشجان نيويورك مؤرقة حقا…….أما كوفى عنان فقد كرس سنوات عمله اللاحقة للافلات مما عدها مراقبون “لعنة التاريخ” وهو القيم على ادارة حفظ السلام ابان تلك المذابح حيث كانت “مسؤولية الحماية ” احدى المشاريع التى سعى لتكريسها عندما خلف غالى كامين عام …اذا كان الجنرال دالير قد تحسرعلىماأسماه بلامبالاة مجلس الأمن وانعدام الأهميةالأستراتيجية لرواندا كمبرر محتمل لذلك فان عنان قد أقر بدوره بضعف بل فشل دور الامم المتحدة فى رواندا ،وانه كان يمكنها التصدى او الحد من حرب الابادة هناك، ووضح كذلك ان العديد من التقارير المحذرة لم ترفع للامين العام ربما لمعرفته سلفا بماكان يردده غالى من ان البعثات الدولية تلجأ عادة للاثارة فى تقاريرها …يقول عنان ان من بين اسباب الموقف الامريكى من بطرس غالى تردده فى الموافقة على عمليات قصف حلف الأطلسى للبوسنة..هذا بخلاف اعتبارات أخرىمن بينهاحاجةالأدارة الامريكية وقتها لرفع شعبيتها ،واعتبارات شرق اوسطيةأخرى…وبينما يرى صوماليون ان غالى لعب دورا سالبا فى تعقيد مشكلة الصومال كفشل آخر للأمم المتحدة بسبب معاملته لعايديد وكأن بينهما ثأرا فان المناخ السائد فى المنظمة الدولية بحسب متابعين لم يكن متحمسا لتجربة أخرى فى رواندا وفى البال سحل جندى امريكى قبل عدة اشهر منها فى شوارع مقديشو …..
….خلال الاسبوع الماضي انشغلت الاوساط الدبلوماسية والاعلامية بمشروع قرار راتب
ظل يقدم للجمعية العامة للامم بشأن “مسؤولية الحماية” منذ عام ٢٠٠٩ فى اعقاب اعتمادها فى قمة رؤساء الدول والحكومات عام٢٠٠٥ بنيويورك…….كانت التجارب السابقة ذات الصلة ماثلة خلال تلك الحوارات ، ووضح رغم القراءة الكلية لنتائج التصويت القدر الكبير من عدم الثقة التى لاتزال تحيط بالمشروع ليس فقط بسبب فشل ورعونة الحالات الماضية مثل تجربة التدخل فى ليبيا على سبيل المثال التى انحرفت عن مسار حماية المدنيين مستهدفة تغيير النظام ومثيرة لمخاوف من بوسعهم قبول هدية حصان طروادة الخشبى بل لأن مناقشات المشروع صادفت أيضا ماتشهده غزة من فظائع تحت الاحتلال لاتعدها القوى الغربية الكبرى الداعمة لمسؤولية الحماية مستوجبة لها…… المجموعة الافريقية التى كان قادتها قد ادرجوا مسؤولية الحماية ضمن النظام الأساسي للاتحاد الافريقى تباينت مواقفها التصويتية بين مؤيد ورافض وممتنع عن التصويت أوغائب عن المشاركة…الى حين اشعار آخر وزمن قد يطول يبدو ان تعامل المجتمع الدولى مع “مسؤولية الحماية “سيظل انتقائيا تلونه المصالح السياسية مما يصعب ان لم يجعل من المستحيل تحقيق شروط توبة الامم المتحدة السياسية لجهة الاقلاع عن ذنب الانتقائية وعدم العودة لانحرافات التطبيق وان تظاهرت بالندم على مامضى.. ..فواقع الامرعند الناقدين والرافضين يؤكد ان “مسؤولية الحماية ” نبيذ قديم فى اقنية جديدة ، و مفهوم يعيد نفسه على امتداد الحقب السياسية المختلفة لشرعنة التدخلات العسكرية فى شئون الدول الأخرى تحت ستار حماية الانسان وصون حقوقه ، ومحاولات اضفاء صفة اخلاقية وسياسية على تلك التدخلات من خلال مسميات متجددة عبر عنها فى السابق مفهوم “الحرب العادلة” عند القديس اوغسطين(453- 430م ) وحق ” التدخل الانسانى ” الذى كان ينادى به كوشنير … ويبقى هاما كمدخلات ضرورية فى مقابل ذلك الالتزام بتشجيع الحلول السلمية للمنازعات وعدم ربط الحماية بالتدخل العسكرى بالضرورة واحترام ثوابت ميثاق الامم المتحدة بمافى ذلك الحالات المتوافق عليها بشان دور مجلس الامن…ينبغى مراعاة كل ذلك فى الجهود الجارية لاصلاح وتعزيز دور المنظمة الدولية ،
فلاتزال ادبيات الامم المتحدة تحمل تصنيفات بالية عفا عليها الزمن كما فى المادة ٣٨ من النظام الأساسي الحالى لمحكمة العدل الدولية حول ادواتها لحل المنازعات حيث تشير فى الفقرة (ج) لما اسمته بمبادىء القانون العامة “التى اقرتها الامم المتمدنة ” ‘civilized nations ‘
وبهذا فهى تعضد مفاهيم ذات ظلال استعمارية بشأن دول متمدنة واخرى همجية …وهو المفهوم الذى كان يستغل لغزو الشعوب والتدخل فى شئونها واخضاعها…
…عند وصوله الى مطار نيويورك فى اوائل خمسينات القرن الماضى لتسلم اعباء موقعه خلفا للنرويجى تريغفى لى كان السكرتير العام الأسبق للأمم المتحدة داج همرشولد يجيب على اسئلة الصحفيين حول كيفية نطق اسمه….وجدها فرصة لالقاء الضوء على رؤيته لادارة المنظمة فأجابهم ” انها تحتاج الى ‘ همر’ وهو ‘المطرقة ‘ و’ شيلد’ ‘الدرع ‘
……ربما يأتى مستقبلا من يملأ ارض الأمم المتحدة عدلا بعد ان ملئت جورا كما توخى همرشولد , والذى قضى نحبه ايضا فى حادث تحطم طائرة في سماوات افريقيا المكفهرة…..مثل هباريمانا.
*مندوب السودان السابق في الأمم المتحدة
////////////////////////////////
والقوات الخاصة لحكومة الأزمة التى تسلمت الاعباء بعد مصرع الرئيس ضد اقلية التوتسى بل و ضد الهوتو المعتدلين الذين كان رئيس الوزراء اغات اولنجيانا فى صدارة من تمت تصفيته منهم وسط اجواء مسمومة بخطاب كراهية عنيف سخرت له وسائل الإعلام ، واستقطاب عرقى وقتل على الهوية حتى أن الرجل يجبر على قتل زوجته التوتسية والا ناله القتل …ومحظوظ ذاك الذى يدفع ثمن الطلقة فيقتل بها بدلا عن ذبحه…. يقول الجنرال الكندى روميو دالمير قائد بعثة الأمم المتحدة لمساعدة رواندا (يونامير) , والتى كانت تعمل دون نجاح لتنفيذ اتفاقية اروشا لتقاسم السلطة قبل المذابح , فى مذكراته….” ..كنت أثناء تجوالى فى كيغالى أغوص الى ركبتى وسط الجثث المتراكمةبعضها فوق البعض ، ومن حولها الوف المحتضرين الذين يقطع أنينهم نياط القلوب ، وألوف الاطفال الذين تتدفق الدماء من جراحهم ، وهم ايضا فى طريقهم الى الموت ..كنت أسير خلال القرى التى ليس فيها من علامات الحياة الا دجاجة او عنز تسعى او طائر ،او كلب يتجول لينهش لحم الموتى ..”….وقد امتد اوان المذابح لمائة يوم قتل خلالها ثمانمائة الف رواندى حتى منتصف يوليو ١٩٩٤ عندما تمكنت “الجبهة الوطنية الرواندية” بقيادة الرئيس الحألى بول كاقامى من أكمال سيطرتها على البلاد وتولى الحكم فى تلك البلاد واستعادة سلطة التوتسى فيها… ليستعيد التاريخ ايضا حركته الدائرية بهروب الآلاف من الهوتو هذه المرة لدول الجوار وخاصة للكونغو الديمقراطية بمتوالية هندسية جديدة من عدم الاستقرار والمطاردات الساخنة لحركات المعارضة المسلحة والمليشيات…ولتصبح مجاذر رواندا عبرة لمن يريد الاعتبار…..
….على الجانب الآخر من الاطلنطى فى مدينة نيويورك كانت شمس ابريل قد تمددت باشعة ساطعة فوق النهر الشرقى عندما بدا يوم عمل جديد بمبنى الامم المتحدة بمانهاتن…كانت حصيلة الساعات الاولى من الابادة الرواندية قد وردت من البعثة ألاممية هناك الى ادارة حفظ السلام التى كان يقودها كوفى عنان وعبرها للطابق الثامن والثلاثين لمكتب الامين العام بطرس غالى الذى تيقن وقتها واشباح الموتى تغزو مكتبه انه قد دخل بالفعل الى ” عش الدبابير” حسبما اورد فى كتابه ” خمسة أعوام فى بيت من زجاج ” ….كانت التقارير تنهمر على مكتبه من قائد قوة حفظ السلام ضعيفة العدة والعتاد والاثر فى رواندا الكندى روميو دالير و غالى يحدق بنظارته السميكة عبر نافذة المبنى لعله يستذكر فشل سابق للامم المتحدة فى الصومال ثم فشل فى التعامل مع تحذيرات بوميض نار وكارثة فى طور التشكل فى رواندا بعث بها دالير من كيغالى قبل بدء حرب الابادة , وفشل لاحق لمجلس الامن فى التعامل مع الخيارات التى رفعها غالى حيث كان قرار المجلس التخفيض الكبير للبعثة بدلا عن دعمها للاستجابة لما كان يجرى على الارض من فظائع…يقول غالى ان الدول الكبرى تلجأ دائما لطيب الكلآم ومعسوله عندما تدلهم الخطوب
ثم تترك الامم المتحدة بلا سند او اسناد فذلك تحكمه مصالحها فقط…..فى العشاء الأخير الذى جمعه مع مادلين اولبرايت وهو يجمع اوراقه للرحيل عن ذلك البيت الزجاجى بعد فيتو امريكى رافض للتجديد له كأمين عام تمنعت الوزيرة الامريكية عن الاجابة على استفساره حول اسباب الموقف الامريكى منه ..فلعلها تركته لتقديره…..لم يخلد غالى الى النوم طوال تلك الرحلة الطويلة عبر الاطلنطى التى عادت به الى القاهرة ..فأشجان نيويورك مؤرقة حقا…….أما كوفى عنان فقد كرس سنوات عمله اللاحقة للافلات مما عدها مراقبون “لعنة التاريخ” وهو القيم على ادارة حفظ السلام ابان تلك المذابح حيث كانت “مسؤولية الحماية ” احدى المشاريع التى سعى لتكريسها عندما خلف غالى كامين عام …اذا كان الجنرال دالير قد تحسرعلىماأسماه بلامبالاة مجلس الأمن وانعدام الأهميةالأستراتيجية لرواندا كمبرر محتمل لذلك فان عنان قد أقر بدوره بضعف بل فشل دور الامم المتحدة فى رواندا ،وانه كان يمكنها التصدى او الحد من حرب الابادة هناك، ووضح كذلك ان العديد من التقارير المحذرة لم ترفع للامين العام ربما لمعرفته سلفا بماكان يردده غالى من ان البعثات الدولية تلجأ عادة للاثارة فى تقاريرها …يقول عنان ان من بين اسباب الموقف الامريكى من بطرس غالى تردده فى الموافقة على عمليات قصف حلف الأطلسى للبوسنة..هذا بخلاف اعتبارات أخرىمن بينهاحاجةالأدارة الامريكية وقتها لرفع شعبيتها ،واعتبارات شرق اوسطيةأخرى…وبينما يرى صوماليون ان غالى لعب دورا سالبا فى تعقيد مشكلة الصومال كفشل آخر للأمم المتحدة بسبب معاملته لعايديد وكأن بينهما ثأرا فان المناخ السائد فى المنظمة الدولية بحسب متابعين لم يكن متحمسا لتجربة أخرى فى رواندا وفى البال سحل جندى امريكى قبل عدة اشهر منها فى شوارع مقديشو …..
….خلال الاسبوع الماضي انشغلت الاوساط الدبلوماسية والاعلامية بمشروع قرار راتب
ظل يقدم للجمعية العامة للامم بشأن “مسؤولية الحماية” منذ عام ٢٠٠٩ فى اعقاب اعتمادها فى قمة رؤساء الدول والحكومات عام٢٠٠٥ بنيويورك…….كانت التجارب السابقة ذات الصلة ماثلة خلال تلك الحوارات ، ووضح رغم القراءة الكلية لنتائج التصويت القدر الكبير من عدم الثقة التى لاتزال تحيط بالمشروع ليس فقط بسبب فشل ورعونة الحالات الماضية مثل تجربة التدخل فى ليبيا على سبيل المثال التى انحرفت عن مسار حماية المدنيين مستهدفة تغيير النظام ومثيرة لمخاوف من بوسعهم قبول هدية حصان طروادة الخشبى بل لأن مناقشات المشروع صادفت أيضا ماتشهده غزة من فظائع تحت الاحتلال لاتعدها القوى الغربية الكبرى الداعمة لمسؤولية الحماية مستوجبة لها…… المجموعة الافريقية التى كان قادتها قد ادرجوا مسؤولية الحماية ضمن النظام الأساسي للاتحاد الافريقى تباينت مواقفها التصويتية بين مؤيد ورافض وممتنع عن التصويت أوغائب عن المشاركة…الى حين اشعار آخر وزمن قد يطول يبدو ان تعامل المجتمع الدولى مع “مسؤولية الحماية “سيظل انتقائيا تلونه المصالح السياسية مما يصعب ان لم يجعل من المستحيل تحقيق شروط توبة الامم المتحدة السياسية لجهة الاقلاع عن ذنب الانتقائية وعدم العودة لانحرافات التطبيق وان تظاهرت بالندم على مامضى.. ..فواقع الامرعند الناقدين والرافضين يؤكد ان “مسؤولية الحماية ” نبيذ قديم فى اقنية جديدة ، و مفهوم يعيد نفسه على امتداد الحقب السياسية المختلفة لشرعنة التدخلات العسكرية فى شئون الدول الأخرى تحت ستار حماية الانسان وصون حقوقه ، ومحاولات اضفاء صفة اخلاقية وسياسية على تلك التدخلات من خلال مسميات متجددة عبر عنها فى السابق مفهوم “الحرب العادلة” عند القديس اوغسطين(453- 430م ) وحق ” التدخل الانسانى ” الذى كان ينادى به كوشنير … ويبقى هاما كمدخلات ضرورية فى مقابل ذلك الالتزام بتشجيع الحلول السلمية للمنازعات وعدم ربط الحماية بالتدخل العسكرى بالضرورة واحترام ثوابت ميثاق الامم المتحدة بمافى ذلك الحالات المتوافق عليها بشان دور مجلس الامن…ينبغى مراعاة كل ذلك فى الجهود الجارية لاصلاح وتعزيز دور المنظمة الدولية ،
فلاتزال ادبيات الامم المتحدة تحمل تصنيفات بالية عفا عليها الزمن كما فى المادة ٣٨ من النظام الأساسي الحالى لمحكمة العدل الدولية حول ادواتها لحل المنازعات حيث تشير فى الفقرة (ج) لما اسمته بمبادىء القانون العامة “التى اقرتها الامم المتمدنة ” ‘civilized nations ‘
وبهذا فهى تعضد مفاهيم ذات ظلال استعمارية بشأن دول متمدنة واخرى همجية …وهو المفهوم الذى كان يستغل لغزو الشعوب والتدخل فى شئونها واخضاعها…
…عند وصوله الى مطار نيويورك فى اوائل خمسينات القرن الماضى لتسلم اعباء موقعه خلفا للنرويجى تريغفى لى كان السكرتير العام الأسبق للأمم المتحدة داج همرشولد يجيب على اسئلة الصحفيين حول كيفية نطق اسمه….وجدها فرصة لالقاء الضوء على رؤيته لادارة المنظمة فأجابهم ” انها تحتاج الى ‘ همر’ وهو ‘المطرقة ‘ و’ شيلد’ ‘الدرع ‘
……ربما يأتى مستقبلا من يملأ ارض الأمم المتحدة عدلا بعد ان ملئت جورا كما توخى همرشولد , والذى قضى نحبه ايضا فى حادث تحطم طائرة في سماوات افريقيا المكفهرة…..مثل هباريمانا.
*مندوب السودان السابق في الأمم المتحدة
////////////////////////////////