1 – جمهورية (حاو) الديمقراطية العظمى، وأخريات ..!!

 


 

 

drzoheirali@yahoo.com

www.facebook.com/zoheir.alsaraj

www.altaghyeer.info


* الموضة الجديدة فى الخرطوم ان تفعل الشئ ثم تنفيه تماما، بل يمكنك أن تقسم أغلظ الأيمان أمام المحكمة بقول الحق، كل الحق ولا شئ غير الحق ثم تشهد وانت مرتاح الضمير بأنك لم تفعله، رغم انك مستيقن بأنك فعلته، وان هنالك من رآك تفعله وشهد بذلك أمام نفس المحكمة التى أقسمت امامها وبراءة الأطفال فى عينيك بأنك لم تفعله، ثم لا يطرف لك جفن وانت تتجرأ باصدار بيان على الملأ بانك لم تفعله اعتمادا على حماية  مراكز القوى لك والتى تنتشر فى كل مؤسسات الدولة النظامية والتنفيذية والقانونية ..!!


* بدأت هذه الموضة بشكل علنى فى صحيفة (التيار) الغراء، وبما ان الشعب السودانى عُرف بين كل شعوب الأرض بأصالته وعدم تنكره لأصله القديم، وعشقه لجدوده القدماء الذين برعوا فى التقليد والمحاكاة، فقد انتشرت الموضة انتشار النار فى الهشيم وانتقلت بسرعة قياسية الى كل اجهزة النظام الحاكم، بل وأكثرها حساسية مثل جهاز الأمن والمخابرات الوطنى الذى صادر عدد الثلاثاء (8 أبريل، 2014)  من صحيفة (الميدان) الناطقة باسم الحزب الشيوعى السودانى من المطبعة .. (كغيره من الاعداد السابقة)، وحدث ذلك بعد مرور أقل من ثمان واربعين ساعة على حديث البشير أمام مؤتمر الحوار الوطنى عن تعزيز وتمكين الاعلام للقيام بدوره ... ثم أصدر بيانا للأمة السودانية ينقى فيه نفيا قاطعا انه صادر (الميدان) فى ذلك اليوم ولا يعرف شيئا عن هذا الموضوع ..!!


* ولم تلبث الموضة ان انتقلت الى طلاب حزب المؤتمر الوطنى بجامعة النيلين الذين اعتدوا بالسيخ والعصى والجنازيرعلى طلاب الحزب الاتحادى أثناء ندوة لهم بالجامعة وأصابوا عددا منهم إصابات بالغة، ثم ما لبثوا عندما توجهت اليهم اصابع الاتهام أن أصدروا بيانا ينفون فيه الواقعة نفيا قاطعا، بل ألقوا التهمة على من أسموها بجماعات تريد نشر الفتنة وتخريب العلاقة الطيبة بينهم وبين الاتحاديين .. وذكروا ان المؤتمر الوطنى بجامعة النيلين لم يصدر اى توجيه لأعضائه بالجامعة بالاعتداء على منبر الاتحاديين أو أى منبر آخر ..!!


* أخشى والله لو استمرت هذه الموضة ان يهل علينا يوم  يُصدر فيه الاخوان المسلمون (بكافة مسمياتهم السابقة والحالية) بيانا للشعب السودانى ينكرون فيه أنهم إنقلبوا على السلطة الشرعية فى السودان فى 30 يونيو عام 1989، أو حكموا السودان طيلة خمس وعشرين سنة دمروا فيها البلاد وعاثوا فسادا فى الأرض ونهبوا وسرقوا وقتلوا واغتصبوا وانتهكوا الحرمات ومزقوا البلاد، وانما من فعل ذلك أشباح أو شياطين تمثّلوا بهم ليفتنوا السودانيين الأتقياء فى دينهم ويفسدوا العلاقة بينهم وبين (الاخوان المسلمين) الأطهار الأخيار ... ولكن ارادة الله غالبة، فهاهم الاخوان المسلمون (المزيفون) قد انكشفوا وذهبوا الى الجحيم، ومكّن الله (الاخوان المسلمين) الحقيقيين من حكم اليلاد وكان فاتحة هذا الحكم المديد باذن الله الكريم مؤتمر الحوار الوطنى الذى سينعكس خيرا على العباد ويقضى على الفساد ويملأ الارض عدلا بعد أن ملئت جورا وظلما .. وهى لله،هى لله، لا للملك ولا للجاه ..!!


* والله، لم اكن اتخيل ان يصل النظام الحاكم الى مرحلة من التيه والسفه والغرور لدرجة ان يعتبر المواطنين مجرد حمير، بل أسوأ وأبلد وأتخن جلدا من الحمير .. ولكن العيب ليس فيه وانما فى الذين استكانوا وخنعوا ونافقوا وارتشوا واحنوا الظهور ليركب النظام على ظهر الشعب ويدلدل رجليه .. !!


2 – الكيزان .. أو الطوفان !!

* زادت حدة الصراعات القبلية واتسع نطاقها وارتفعت وتيرتها فى الفترة الأخيرة  بشكل لم يحدث فى تاريخ السودان الحديث، كما غابت تماما جهود الوساطة والصلح التى كانت تعتمد فى السابق على (الجودية) وجبر الضرر بالطرق التقليدية بدون اللجوء الى الأشكال القانونية العادية التى تصب المزيد من الزيت فوق النار ..

* كانت الحكومة على أرفع المستويات حاضرة بشكل دائم فى جهود الوساطة والصلح سابقا، غير أنها غابت تماما فى السنوات الأخيرة وتعمدت الغياب، بل صارت جزءا من الصراع القبلى بانحيازها لاطراف ضد اطراف أخرى .. إما لنشر الفرقة اعتمادا على السياسة الاستعمارية القديمة (فرّق تسد)، أو بغرض التطهير العرقى لقبائل معينة تعارض النظام بسبب سياساته العنصرية العدائية تجاهها ومحاولاته للقضاء عليها ..!!

* وما يزيد الطين بلة، ان حدود السودان، خاصة الغربية صارت مفتوحة بالكامل، تحت سمع وبصر النظام، لقبائل من الدول المجاورة للهجرة بكامل عدتها وعتادها العسكرى الى السودان، والمشاركة فى النزاعات الدائرة بتشجيع ووعود من النظام بتحقيق مكاسب، معتقدا ان ذلك يُسهّل عليه حل مشكلة التمرد بالقضاء عليه .. وهو ما قد يحدث فى بادئ الأمر ولكنه حل مؤقت وغالبا ما ينتهى بتمرد هذه القبائل نفسها على النظام إذا لم يتحقق النصر أو لم تحصل القبائل على المكاسب التى وُعدت  بها أو كانت المكاسب دون الطموح المطلوب .. وهو ما حدث بالفعل خلال العام الماضى الذى شاركت فيه قبائل من أفريقيا الوسطى وتشاد فى الحرب ضد قوات الجبهة الثورية ولكنها هُزمت فتحولت الى عصابات تهاجم المدنيين وتنهب ممتلكاتهم ومواشيهم فساهمت فى نشر الفوضى والاقتتال على نطاق واسع بدلا من تحقيق الامن الذى سعت اليه الحكومة ..


* أو ما حدث من تمرد، يعرفه الجميع، لمجموعات من الجنجويد بقيادة موسى هلال عندما أخلفت الحكومة وعودها لهم فصارت مهددا حقيقيا للأمن بإقليم دارفور وللنظام نفسه، أكبر من التهديد الذى يسببه التمرد وأعادت مشكلة دارفور الى دائرة الضوء الدولية التى غابت طويلا، وهو نفس المصير الذى ينتظر النظام إذا عجزعن الايفاء بالمستحقات الضخمة للقبائل التى يستعين بها فى مكافحة التمرد أو السيطرة على الأمن، سواء فى ولايات دارفور وكردفان أو ما يسمى بقوات حرس الحدود وقوات الدعم السريع، أو فى العاصمة والمدن الكبرى حيث تتمركز القوات الأمنية الخاصة التى يقدر عدد أفرادها بين 20 – 30 ألف مقاتل الذين يحصلون على امتيازات ضخمة أصبحت عبئا ضخما على كاهل الحكومة مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تواجهها البلاد ..!!


* غير ان الأسوأ من ذلك هو اتساع نطاق الصراعات القبلية، كما أسلفت، حتى بين أبناء العرق الواحد مثل الرزيقات والمعاليا، والمسيرية والرزيقات .. إلخ، وهى صراعات قديمة، كما نعرف، ولكن الخطورة انها صارت أسرع وتيرة وأكثر حدة وأوسع نطاقا وأعظم ضررا، مع انعدام مجهودات الصلح الأمر الذى ينبئ بدخول البلاد فى مرحلة حرب أهلية واسعة النطاق يستحيل السيطرة عليها وهى اول مظاهر (الصوملة) التى تكون فيها الكلمة للوردات الحرب وتجار السلاح والتدخل الدولى المشروع وغير المشروع.


* عندما زرت الولايات المتحدة الأمريكية بدعوة من وزارة الخارجية الامريكية إبان أزمة دارفور فى عام 2005 باعتبارى أحد الصحفيين القلائل الذين زاروا كل ولايات الأقليم فى اوج الحرب وكتبوا عنها الكثير من المقالات، إلتقيت فى مقر مجموعة الأزمات الدولية بمجموعة من الخبراء فى شؤون أفريقيا والسودان، وظللنا خلال اللقاء الذى امتد لاكثر من ثلاث ساعات نتناقش حول احتمال تطور الأزمة الى حرب أهلية شاملة، وخلصنا الى وجود مؤشرات عديدة إذا اجتمعت سويا فان الحرب الأهلية واقعة لا محالة، وهاهى  البلاد فى طريقها نحو الحرب الأهلية بسبب السياسات والممارسات الخاطئة للانقاذ التى كان أحد أهم الشعارات التى رفعتها وعملت بقوة من أجل تحقيقها هو (أنا أو الطوفان) ..!!

3 - القرار الجمهورى لتعليب وتسفيه الأحزاب  ..!!


* جاء القرار الجمهورى الأخير بتنظيم النشاط السياسى للاحزاب ليؤكد أن الرئيس البشير هو  الدولة والقانون وكل شئ فى البلاد، وما عداه من قوانين ومؤسسات وأفراد مجرد خيالات مآتة لا اكثر من ذلك.


* لو أخذنا هذا القرار من حيث الشكل (بدون التعرض للمضمون) لاكتشفنا بسرعة انه يؤكد سلطة البشير المطلقة وانه هو الذى يمنح او يمنع الحريات او اى شئ آخر فى السودان، وليس القانون .. والدليل هو تنظيم النشاط السياسى بقرار جمهورى وليس بقانون تصدره الهيئة التشريعية كما جرى العرف والقانون ..!!


* ولو تناولنا مضمون القرار، لاكتشفنا من الوهلة الأولى انه يفرض على الاحزاب ارادته بالكامل ويجردها من ابسط حقوقها، والدليل هو الآتى:


* أولا، المادة (2، هـ) من القرارالتى تنص على: "يجب أن ينحصر النقد الذي توجهه الأحزاب السياسية في سياق الحراك السياسي على السياسات والبرامج الحالية والمستقبلية على ان لا يمس ذلك الجوانب الشخصية لقيادات الأحزاب أو رموزها بأي حال من الأحوال "


*هذا المادة وحدها كافية لتؤكد مصادرة النظام للعمل الحزبى تماما، وتعليبه فى اطار معين لا يتجاوزه ابدا وهو (انحصار النقد على البرامج والسياسات المستقبلية)، وعلى هذا فلا  يمكن للأحزاب أن تنتقد حتى السياسات والبرامج التى حدثت قبل صدور القرار، دعك من توجيه النقد لممارسات الفساد على مستوى الدولة او الأشخاص سواء فى الماضى أو الحاضر أو المستقبل .. أى ان القرار  يحرم الاحزاب من أهم واجباتها وهو تحقيق الاصلاح باستخدام اليات المراقبة للعمل العام وكشف مواقع القصور والفساد .. الأمر الذى يجعلنا نتساءل ما هو فائدة العمل الحزبى إذا لم يتضمن تصحيح المسار وتحقيق الاصلاح المنشود .. ثم كيف يتدخل القرار الجمهورى أو (رئيس الجمهورية) فى تحديد عمل الاحزاب وبرامجها وماذا تعمل او لا تعمل وكيف تعمل .. إلا إذا كان رئيس الجمهورية هو هذه الاحزاب كلها، فما الداعى إذن لوجود هذه الأحزاب ولماذا تجهد نفسها فى ممارسة العمل الحزبى ولا تتركه لرئيس الجمهورية يقوم به وحده ويفعل فيه وبه ما يشاء؟!


* ثانيا، المادة (3 ) التى ترهن ممارسة الاحزاب لنشاطها حتى داخل دورها بالحصول على تصديق رسمى من الجهات المختصة، وهى المسخرة التى ظلت قائمة منذ سماح النظام بقيام احزاب سياسية، حيث ظلت تعانى فى الحصول على التصديقات بممارسة أنشطتها السياسية الجماهيرية فى الاماكن المغلقة دعك من الميادين العامة، وكان من النادر جدا ان يُمنح التصديق، وحتى عندما يُمنح (كما حدث مؤخرا بالنسبة لندوة حركة الاصلاح الآن فى الجامعة الأهلية بام درمان) فان جهاز الأمن يمنع قيام النشاط الذى مُنح التصديق، ندوة كانت ام اجتماعا ام موكبا ..إلخ، وجاء القرار الجمهورى الان ليؤكد هذه المسخرة ويمنع الاحزاب حتى من ممارسة انشطتها حتى داخل دورها إلا باذن السلطات ..!!


* ثم المهزلة التى نصت عليها المادة (8، 2 ) بمنع استخدام مكبرات الصوت فى الأنشطة الجماهيرية قرب دور العبادة والمستشفيات ..إلخ، بدون ان تحدد مدى هذا القرب .. وبما ان دور العبادة تنتشر فى كل ركن فى البلد فمعنى ذلك ان الحزب لا يستطيع ان يقيم نشاطا جماهيريا تُستخدم فيه مكبرات الصوت الا فى الخلاء، أو يستخدم المتحدثون لغة الاشارة وإلا فإن أى شرطى يستطيع (حسب القانون) أن يعطل ممارسة هذا النشاط  بحجة وجود مسجد على مقربة من المكان ..!!


* هذا هو القرار الجمهورى الأخير للسيد رئيس الجمهورية حول تنظيم النشاط الحزبى، ورغم ذلك يتهافت المتهافتون على المشاركة والتطبيل لقرارات النظام الذى لا يفتأ يهزا بهم كل حين ويمسح بهم الأرض وهم راضون قانعون ..!!

 

آراء