11 مايو 2024 اليوم الصحي للجالية السودانية في قطر.. حيث تنادينا خِفافاً

 


 

 

انطباعات عن اليوم الصحي بقلم د. أمجد إبراهيم سلمان

السبت 18 مايو 2024

فكرة الأيام الصحية فكرة متجذّرة في أضابير رابطة الأطباء السودانيين في قطر حيث أقيمت أيام صحية متكررة خلال السنوات الماضية ولكن حالت ظروف انتشار جائحة الكورونا في السنوات الماضية دون تنفيذها للعديد من الضوابط الصحية في البلاد ، و في نهايات شهر إبريل الماضي تم النقاش حول الفكرة بين مجموعة من الأطباء و اللجنة التنفيذية لرابطة الأطباء السودانيين في قطر، و قد أخذت المجموعة المبادرة في الاعتبار عقب توافُد أعداد كبيرة من السودانيين في زيارات أسرية أو إقامات حرّة بسبب الحرب ، و قد تبين من المتابعة العامة للعديد منهم أنهم يواجهون إشكالات صحية و انقطاع عن المتابعة العلاجية خاصة من يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري و ارتفاع ضغط الدم و أمراض القلب و الكلى و غيرها ، وبطبيعة الحال فإن الكثير من تلك الأعباء المرضية كانت تُحل عبر الأطباء السودانيين العاملين في دولة قطر بصورة شخصية و تمر غير منظورة بالنسبة لعامة الناس لأن الكثير من الأطباء كانوا يقومون بخدمات صحية مهمة و بصورة يومية و في وقتهم الخاص ، و بالطبع فإن الزملاء من الأطباء و المهن الأخرى حول العالم و في السودان يقومون بمجهودات مماثلة و قد يكون القدر الأكبر من هذه المساهمات في السودان حيث يعمل زملاء لنا هناك في مجالات عديدة تطوعاً و من دون مرتبات بسبب الحرب و في ظروف عمل صعبة في العديد من المدن و لشهور طويلة، و قد أسهبت في هذا الأمر في مقال سابق بعنوان الطب في زمن الحرب بتاريخ 8 إبريل 2024.

و لأن "عمل الخير ربنا بتمو" كما نقول في بلادنا الحبيبة فحالما طرحنا الفكرة على الروابط الصحية الأخرى و هي رابطة الصيادلة و رابطة تقنيي المختبرات الطبية ، حتى توافد كل الزملاء زرافات و وحدانا استجابة لهذا النداء الإنساني محققين المقولة الشعرية الخالدة للدكتور مبارك بشير و التي تغني بها الفنّان المبدع الراحل محمد وردي

نلتقيك اليوم يا وطني .. لقاء الأوفياء

قد تنادينا خِفافاً

كطيورالريح في جوف العتامير تنادينا

لكِ يا أرض البطولات و ميراث الحضارات... تنادينا!!

هكذا كان لسان حال الزملاء خاصة بعد إنشاء مجموعة اليوم الصحي في الواتساب في صباح يوم الإثنين 29 إبريل 2024 لتنسيق الجهود بين أعضاء لجنة التنظيم من الروابط الثلاثة ، الأطباء ، الصيادلة و تقنيي المختبرات الطبية ، لتسهيل انسياب المعلومات و المراسلات.

بعد نقاش مطول استقر الرأي على أن المكان الأفضل لإقامة اليوم الصحي هو المدرسة السودانية لكبر مساحتها و رمزيتها الكبيرة في أفئدة أعضاء الجالية ، و هنا يجب أن نتقدم بكل الشكر و التقدير للسادة عمر المختار إبراهيم زروق رئيس مجلس الأمناء , و الأستاذ سيف الدين عثمان إبراهيم مدير المدرسة على سرعة استجابتهما و ترحيبها بإقامة اليوم الصحي بالمدرسة السودانية ، و نقدم شكراً خاصاً جداً للأستاذ يوسف الماحي الذي واظب و لساعات طويلة في الطواف على الفصول و مراجعة تقسيم العيادات مع لجنة التنظيم خلال الأيام التي سبقت اليوم المشهود.

شمّر الجميع عن سواعد الجد ، فبادر أعضاء الرابطة في الوزارة بتذليل الصعوبات و استصدار الأذونات الرسمية ، و قام أعضاء اللجنة التنفيذية لرابطة الأطباء بكتابة المخاطبات الرسمية للمسئولين في مؤسسة حمد الطبية بعد الحوار الشفاهي معهم حول الخطوات اللازمة ، و جاءت الاستجابة سريعة و مذهلة خاصة من مكتب الدكتور عبد الله الأنصاري استشاري أول المسالك البولية و رئيس الإدارة الطبية بمؤسسة حمد الطبية ، حيث تمت الموافقة على الخطابات و توفير كل المعينات العملية مثل أسِرّة الفحص و الكراسي المتحركة لنقل المرضى، مروراً بمعينات المختبرات الطبية مثل شرائح فحص مستوى السكري في الدم (المكلفة نسبياً) و أجهزة فحص القياسات الحيوية مثل الضغط و الحرارة و الوزن ، كما تم مد اليوم بأجهزة رسم قلب و أجهزة موجات صوتية محمولة و غيرها من المعينات.

وفي صباح السبت 11 مايو كان الموعد المضروب لافتتاح اليوم الصحي هو الساعة التاسعة صباحاً و إلى السادسة مساء ، لكن المتطوعين و المهنيين المعنيين توافدوا على المكان منذ الساعة السابعة صباحاً لاستكمال تنظيم و تنظيف العيادات الذي بدأ منذ مساء الخميس و مروراً بيوم الجمعة.

في تمام الساعة الثامنة و 55 دقيقة تجمّعت اللجنة المنظمة لعمل الطواف الصباحي و الذي شرّفه بالحضور سيادة الدكتور عبد الله الأنصاري رئيس الإدارة الطبية بمؤسسة حمد الطبية ، و قد ذكرّنا ذلك التفقد اليومي للمرضى في العنابر و هو تقليد طبي عريق في كل مستشفيات العالم ، حيث يمرّ كبار الأطباء و شبابهم و طلابهم على عنابر المستشفى حسب تخصصاتهم في تراتبية معرفية محببة للنفوس لنقاش الحالات و تبادل الخبرات العلاجية. و من اللافت للنظر أنه و مع ساعات الصباح الباكر فإن عدد المرضى المسجلين كان قد تجاوز السبعين مريضاً تقريباً حينذاك. شمل المرور على عيادات الباطنية و الغدد الصمّاء و الجراحة و القلب و الجهاز الهضمي و النساء و التوليد و الأطفال و العيون و طب الأسرة و التخصصات الفرعية الأخرى في الباطنية و الجراحة مثل تخصص أمراض الدم و أمراض العظام والمفاصل بالإضافة لعيادة صحة الفم والأسنان و غيرها.

في المجموع كان في المدرسة حوالي 24 عيادة مختلفة و عيادة أسنان في الطابق العلوي ، و خلال اليوم حضر حوالي 85 طبيباً من مختلف التخصصات في مناوبتين صباحية من الساعة 9 صباحاً إلى 1 عصراً و من 1 عصراً إلى 5 و النصف عصراً و بنفس التوقيت حضر حوالي 29 طبيباً صيدلياً و 22 فني مختبرات طبية في تغطيات مختلفة كل حسب وقته المتاح ، كما تواجد زخم كبير من المتطوعين من التخصصات الأخرى و هنا لا بد من توجيه صوت شكر و إشادة بالدور الكبير لرابطة تقنيي المعلومات التي ساهمت بدقة في عملية تسجيل المرضى في نظام جمع معلومات دقيق (داتا بيز) لمتابعتهم لاحقاً. كما لا يمكننا إغفال الدور المتميز للأستاذة سلمى البشير في تصميم استمارات التقييم لكل المرضى ، كما تواجد عدد كبير من المتطوعين من مختلف اطياف المجتمع و بعض طلاب الطب ممن ساهموا في تنظيم المرضى و إيصالهم للعيادات المنتشرة في المدرسة. و من الأشياء الإيجابية في ذلك اليوم المشهود تبرع أحد السودانيين ممن يديرون شركة مايكروباص إسمها شركة لافيرا لتوصيل المرضى مجاناً لأقرب محطة باصات و مترو لبعد المدرسة نسبياً من أقرب محطة مترو ، كما تبرعت شركة لافيرا أيضاً بمياه و قطع كيك للمرضى في صالة الانتظار الرئيسية حدث ذلك تلقائياً دون حتى تنسيق مسبق مع لجنة التنظيم.

من الساعة الثانية ظهراً قدّم العديد من الاستشاريين محاضرات توعوية حول الصحة العامة و الصحة النفسية و التعامل مع الأمراض المزمنة ، كما واصل الأطباء علاج المرضى و تقييمهم حسب درجة خطورة المرض ، و الملفت للنظر تحويل بعضهم لخدمات الطواري عبر خدمة الإسعاف (الذي جرى اخطار القائمين على تنظيم خدماته مسبقاً لكي يكون مستعداً في حالات الحوجة إليه) حيث جرى تحويل مريضين إلى مستشفى حمد العام بسبب تداعيات مرض الربو الصدري و مريضة نسبة لإكتشاف معدلات عالية من السكر في دمها.

يعكف أعضاء لجنة اليوم الصحي حالياً على رصد كل المعلومات و التجارب المستقاة من الإحصائيات للتوثيق و لعمل كتيب معلوماتي عن تنظيم الأيام الصحية يكون بمثابة مرشد لخطوات تنظيم أي يوم مشابه مستقبلاً ، و قد أوكلت لجنة التحضير هذه المهمة لعضويتين منها تشرفان على جمع المعلومات و المراسلات لتوثيقها و تبويبها في ذلك الكتيب (الإرشادي) ، هذا و قد وضحت التقارير أن عدد المستفيدين من الخدمات العلاجية و الطبية في ذلك اليوم كان 721 مريضاً .

إننا في لجنة التحضير نعبّر عن عظيم الإمتنان و التقدير لدولة قطر أميراً و حكومة و شعباً على كرم الضيافة في بلدهم المعطاء ، كما نعبّر بشكل خاص عن شكرنا و تقديرنا لكل من ساهم في إنجاح هذا اليوم و هم كثيرون و لا يتسع المجال لذكرهم ، لكن يجب ذكر تشريف سيادة قنصل جمهورية السودان السيد حسن شريف لليوم الصحي للسودانيين ، كما يجب شكر أعضاء اللجنة التنفيذية لرابطة الأطباء السودانيين في قطر لمتابعتهم اللصيقة للتصاريح الرسمية و لتبرعهم المالي السخي لتوفير الوجبات و المياه و المشروبات الساخنة و الباردة للمتطوعين خلال هذا اليوم الملحمي و الذي وضّح بجلاء قدرتنا كمجتمع مدني على تجاوز الصعاب عندما يكون الهدف هو الإنسان السوداني و رفاهة عيشه و علاجه.

اليوم الصحي وضح لنا جميعاً الحوجة الكبيرة للخدمات الصحية و العلاجية لأفراد مجتمعنا السوداني في قطر خاصة كبار السن مما جعلنا نفكر بصورة جادة لتثبيت عيادات تطوعية راتبة في المستقبل القريب في أماكن مناسبة نتمنى أن ترى النور قريباً ، يقيننا أنه بتعاضد كل الحادبين على تطوير الرعاية الصحية للسودانيين في قطر أو في السودان أن هذه التجربة الرائدة يمكن التعلّم منها و تجويدها و ربما تطبيقها أيضاً في المدن الآمنة في بلادنا خاصة بوجود كوادر صحية متعددة مهاجرة يمكن توظيفها لأداء ذلك إذا توفرت الأمكانيات المالية اللازمة لذلك.

تظل الجملة الأبلغ تأثيراً في شخصياً هي مقولة أحد المتطوعين الشباب وهو الأخ مازن صلاح والذي حضر من السودان قبل أسبوعين من اليوم الصحي و شارك في بفعالية كمتطوع لتنظيم حركة المرضى ، حيث قال لأحد أقربائه "شكراً لهم جميعاً لقد أخرجوني من حالة العجز التي سيطرت علي خلال شهور الحرب الماضية إلى إحساس عميق جداً بالقدرة على الفعل الإيجابي "... ثم أردف قائلاً .. " إنني فعلاً شديد الإمتنان".

بقلم د. أمجد إبراهيم سلمان
استشاري طب الأسرة
و عضو لجنة تنظيم اليوم الصحي للجالية السودانية في قطر

السبت 18 مايو 2024

amjadnl@yahoo.com
whatsapp 0031642427913

 

آراء