مهرجان اللومانتيه: مهرجان الانسانية والغد الوضئ!. .. تقرير:ـ حسن الجزولي

 


 

حسن الجزولي
1 October, 2018

 


* أثناء فترة راحة قصيرة داخل المحكمة العسكرية التي كانت تنظر في محاكمته، رد عبد الخالق على تحية من البعد لصحفي فرنسي وهو يبتسم، قائلاً له ممازحاً:ـ
:ـ كيف حال فرنسا؟.
فأجبه الصحفي الفرنسي جاداً:
:ـ هل تتوقع محاكمة عادلة ،، ميسيو عبد الخالق؟!.
فرد الشهيد مبتسماً:
:ـ أشك في ذلك!.
كان ذلك الصحفي هو (أريك رولو) الديبلوماسي والكاتب التقدمي بصحيفة (اللوموند) الفرنسية والذي جاء مندوباً عنها خصيصاً لتغطية المحاكمة العسكرية لصديقه عبد الخالق محجوب!.
***
* في العاصمة الفرنسية باريس، وحول معمارها الأنيق على مر التاريخ وعبقه، كاللوفر وكتدرائية نوتردام وحدائق لوكسومبيرج، وساحة الباستيل وقوس النصر وبرج إيفل إضافة لصدى الثورة الفرنسية ومجاهدات ثوار باريس ضد الفاشية النازية، بين كل هذا وذاك إنعقد المهرجان السنوي لصحيفة الحزب الشيوعي الفرنسي اللومانتيه أو (الإنسانية) بالفرنسية، وذلك في حدائق لوبورجيه، إحدى الضواحي الجميلة طرف العاصمة، حيث أم الفعالية جمهور غفير كالعادة من سكان باريس ومدنها فضلاً عن وفود الأحزاب الشيوعية والتقدمية والديمقراطية العالمية والصديقة للصحيفة الأممية وحزبها العريق، وكان ذلك في الفترة من 14 ـ 16/ سبتمبر/ 2018، الماضي.
* لقد ظلت حركة المهرجان للاحتفال بذكرى تأسيس صحيفة الشيوعيين الفرنسيين تقليداً حرصت عليه عضوية الحزب منذ تأسيس الحزب نفسه فترة صيرورته باسم الحزب الاشتراكي الفرنسي عام 1903 قبل التحول الذي شهده عام 1920 ليتكون بالأغلبية الحزب الشيوعي الفرنسي بينما تحتفظ الأقلية بالاسم القديم لها، ولم يتوقف الاحتفاء بذكرى تأسيسها قط إلا في سنوات الغزو الفاشي للنازية الألمانية وتحول الحزب للعمل السري ضد فاشية هتلر، وهكذا ظل الاحتفال بذكرى تأسيس الصحيفة الحزبية بمثابة كيمونة أممية ثقافية وفنية واجتماعية قبل أن تصير سياسية!. حتى تحولت المناسبة في أوساط قطاع واسع من مكونات الشعب الفرنسي وكأنه ضمن أعياد البلاد الوطنية!. وظلت الظاهرة تتطور وتتسع بتطور واتساع بنية التحولات العالمية للأحزاب والقوى التقديمة والديمقراطية والاجتماعية في فرنسا ومختلف دول العالم الأخرى، حيث أضحت تلك القوى تستعد ومنذ فترة مبكرة في التحضير الذي يستغرق شهوراً قبل حلول المناسبة في منتصف سبتمبر من كل عام!.
* حيث شهدت احتفالية هذا العام توسعاً من ناحية القوى السياسية والاجتماعية التي شاركت فيه من كافة بقاع الدنيا، أحزاباً ومنظمات ماركسية وديمقراطيات اجتماعية ومسيحية ودينية أخرى، من مجتمع مدني وحقوق إنسان وحيوان وبيئة، أحرار ومناضلون تاريخيون كانوا في أقبية المعتقلات والتنكيل قديماً وحديثاً!، فضلاً عن مثقفين وكتاب وأدباء وصحفيين، فرق فنية وموسيقية ومسرحية وسينمائية وجماعات تشكيلية وتجمعات ميديا حديثة.
* في هذه الذكرى خاطب التظاهرات والندوات السياسية عدد من قادة الأحزاب المشار إليها، إضافة لمشاركات بعض وفود من الأحزاب الشيوعية في المنطقة، كاللبناني والفلسطيني والمغربي والتونسي، فضلاً عن الحزب الشيوعي العراقي المشارك الدائم منذ خمسين سنة في تظاهرة اللومانتيه، حيث كانت خيمته الأكثر بروزاً في أوساط خيم فعاليات مختلف القوى والأحزاب والتنظيمات المشاركة، فحين تدلف إليها تستقبلك أهازيج الموسيقى والرقص والغناء العراقي ممتزجاً بروائح الأطعمة الشعبية العراقية التي تقدم للجمهور لقاء أسعار رمزية، إلا أنها ظلت تشكل مورد دعم مالي كبير لخزينة الحزب الشيوعي العراقي سنوياً!، وما هو ملفت للنظر أن أبرز قادة حزبهم كانوا يشاركون في تجهيز ذلك الطعام، حيث شوهدوا وهم يجلسون القرفصاء يقطعون البصل وينظفون (باقات) الثوم ويجهزون أشهر الأكلات العراقية (الكبة والصمون والتشريب والتيبت وزنود الست)!، ولقد كان من أميز الفعاليات التي شهدتها خيمتهم هي زيارة (بيير لوران) سكرتير الحزب الشيوعي الفرنسي والطواف على أجنحتهم المختلفة وتذوق أطعمتهم ثم الحوار الذي أجرته معه صحيفة (طريق الشعب) صحيفة الحزب الشيوعي العراقي مؤكداً فيه تضامن الشيوعيين الفرنسيين مع الشيوعيين العراقيين وشعبهم، وهو الحوار الصحفي الذي نشر في كل من الصحيفتين.
* عكس الاهتمام المتزايد في احتفالية هذا العام اتساع القوى الخيرة والمحبة للسلام والوئام والأحلام، وبعالم خالي من الاضطهاد السياسي والديني والاجتماعي والمتطلع لأفاق العدالة الاجتماعية والحريات العامة والشخصية وبإيمان جديد بالأوطان والشعوب التي تصنع المستحيل، كما يعبر اتساع رقعة المشاركة في مهرجان هذا العام، عن الأركان الضيقة التي بدأت فيها قوى الخير والسلام العالمي تضع فيها منسوبي الشر والتطرف السياسي والديني وتلحق بهم الهزائم والخسائر التي ترغمهم على التراجع والانزواء في نهاية الأمر، مهما علا ضجيجهم!.
***
* لقد أمكن لصحيفتنا الميدان أن تستلهم مآثرة الشيوعيين الفرنسيين وتحذو خذوهم باحتفال متواضع إلا أنه جاء فخماً وعظيم الشأن في معاني إحياء ذكرى التأسيس للصحف التقدمية، حين احتفلت العام الماضي بذكرى تأسيسها في شخص أطفال قراء الميدان وأثبتت التجربة نجاحاً فاق التصورت!، وفي هذه السنة نوعت الميدان من شكل الاحتفال عن طريق إصدار كتاب (تحت الطبع) يحوي جميع المقالات والكتابات التي نشرتها عن ذكرى 19 يوليو المجيدة، فلتكن بداية نعززها بترقية وتطوير الاحتفاء بذكرى التأسيس أيضاً سنوياً داخل حزبنا !.
* ومن جانب آخر لمً لا نرقي من أشكال مشاركاتنا كحزب في مهرجان اللومانتيه السنوي باستصحاب القوى الديمقراطية وأصدقاء الحزب وأعضائه داخل وخارج السودان، ليتم بهم تكوين لجنة تحضيرية برئاسة أحد أعضاء المكتب السياسي وتكون أضلاع التحضير الأساسية كل من مكتب الاعلام المركزي ومكتب الشيوعيين المبدعين إضافة لصحيفة الميدان ومكتب فروع الخارج، وهكذا نطلق نفيراً للتحضير بمشاركة أوسع فئات صديقة لنا في أوساط المثقفين والكتاب والصحفيين الوطنيين النابهين، المطربين والتشكيليين والموسيقيين والمسرحيين والسينمائيين، ومصممي الرقصات والأزياء التراثية وصناع الوجبات الشعبية و(قوالب الدوم والنبق والقنفليز والسمسمية والقضيم والمدمس)!، وفد يتبنى الاشراف الخارجي عليه فرع حزبنا بفرنسا مستقبلاً للوفود، وبدعم (لوجيستي) من بقية فروعنا في أوربا وبقية العالم!، مستفيدين من ما تجمع لدينا من خبرات خلال المهرجانات الثورية العالمية التي أسهمنا فيما مضى فيها!، تجهيز هذه الوفود والأفراد لحثهم على التوجه نحو باريس ،، كل بما ملكت قدراته خارج البلاد وكل بمن استطاع إليها سبيلاً من داخل البلاد، ثم ومن كل هؤلاء وأولئك، نصنع منهم خيمة سودانية ضخمة للتعاضد مع اللومنتيه من ناحية ثم ترقية التضامن مع شعبنا من الناحية الأخرى!، فإنها لفرصة عظيمة لنا وللقوى السياسية من حولنا أن نعمق من أواصر التضامن الأممي مع قضايا شعبنا الحية والتعريف بأصول الصراع السياسي في بلادنا والذي ظل محتدماً منذ أن غادرت رجل آخر جندي مستعمر بلادنا!.
***
* لنرد الدين للشعب الفرنسي الصديق!.
* فحين نُصبت المشانق وتم تعبئة خزائن الجند بالرصاص لتصفية الشيوعيين والديمقراطيين السودانيين، منذ يوم 22 يوليو من عام 1971، كانت ماكينات الصحف الفرنسية بما فيها صحيفة (اللومانتيه) تنقل للعالم عبر صفحاتها الأولى وبالمانشيتات العراض أنباء تلك المجازر البشعة!. والتي لعب فيها الديبلوماسي والصحفي (أريك رولو) دوراً بارزاً في نقل وقائع تلك الأحداث للشعب الفرنسي الذي انفعل بها، على المستوى الشخصي فقد تلقيت نبأ وفاته بأسف عميق حينما تم الاعلان عن رحيله عام 2014 عن عمر يناهز التاسعة والثمانين عاماً، فقد تعاون معي وأنا أنجز كتاب (عنف البادية) مقدماً إفادات هامة عززت من قيمة عملي المتواضع، كان رولو صديقاً وفياً للعديد من الأحزاب والشخصيات والقوى التقدمية في العالم والمنطقة، بما فيها الشهيد عبد الخالق محجوب.
* وأفاد الأستاذ علي أبو سن ضمن مذكراته أنه في عشية إعدام النميري وطغمته المتآمرة للشهيد عبد الخالق محجوب، شهد واقعة إدانة الحزب الشيوعي الفرنسي لهذه التصفية الجسدية بواسطة مسيرة جماهيرية ضخمة شارك فيها، وقال أنه ظل يطوف في تلك الساحة الرئيسية وسط باريس والتي تجمع فيها أكثر من مائة الف مواطن فرنسي، وقد علقوا لوحة ضخمة جداً لصورة عبد الخالق وهو يتوجه بخطى خلابة وساحرة وثابته نحو الاعدام، وكتبوا تحتها بخط بارز ،، (هكذا يموت الشيوعيون الأبطال) ،، وقال أنه لم يشهد باريس تحتفي قط بأجنبي كما اليوم، وقتها قال أبو سن أنه أحس بفخر وإعزاز وإباء ،، كونه ينتمي للشعب السوداني!.
* التحية للشيوعيين الفرنسيين ولصحيفتهم الغراء وحزبهم وشعبهم المجيد.
ـــــــــــــــ
نشرت بصحيفة الميدان.

 


helgizuli@gmail.com

 

آراء