هؤلاء يحطّون من قدرنا
عمر العمر
2 February, 2019
2 February, 2019
كل الميادين حيث يتباهى النظام بتحقيق إنجاز فيها تعج باخفاقات فاضحة؛ النفط، الطرق، الجسور وما أسماه بالمشروع الحضاري. جذر الأزمة يكمن في تبني النظام القوة آلية وحيدة في جميع الميادين. حتى في هذا السياق لم يبرأ النظام من الفشل الزريع.عباقرة السلطة لم يستبينوا منذ البدء الفرق البيَن بين القوة والعنف. ذلك الفشل مرده إلى فقدان الوعي وتغييبه.
جوهر القوة يتجسد في الإرادة الغلابة غير القابلة للإنكسار أو الإستسلام للقهر ليس في العنف. تلك آلية تنمو بالوعي قناعة وبثاً حتى يصبح ثقافة عامة. الوعي في تعريفه البسيط هو إدراك الواقع بحقائقه المحيطة. من هذه الزاوية نستوعب تبني النظام العنف المفرط في مخاطبة الثورة السلمية العارمة. فكما لم يلتفت النظام لتدحرجه المتواصل طوال عقوده الثلاثة نحو الدرك الأسفل من الإفلاس العام لم يحاول إستقصاء الدوافع الحقيقية وراء الإنفجار الشبابي المباغت فانكفأ النظام داخل ثقافته السياسية المبنية على العنف.
الشباب أثبتوا أنهم أكثر من أهل السلطة وعياً. فهم لم يقنطوا فقط من الرهان على إصلاح الحال على يدي الإنقاذ بل قرروا إطاحة النظام من أجل مستقبل أفضل. كذلك أكدوا وعيهم النافذ بطبيعة النظام فتسلحوا بمنهج سلمي حد الإستشهاد عند الخروج لمنازلة النظام.
سقوط أهل السلطة لم يتوقف فقط عند مشاهدتهم تمرد جيل حسبوه إنتاجاهم مصدر التفاخر يهب رافضاً واقعاً حبسوه فيه عنوة. المباغتة الأليمة دفعت أركان النظام للتعامل مع الشبان الثائرين بوعي الأبوة القاصرة فاستخدموا العنف التقليدي في تأديب شبان متمردين في مرحلة المراهقة. بصيرتهم المعطوبة لا تنفذ إلى دوافع خروج الشباب من تحت مظلة أبوة الفساد المستبد النمصوبة فوق رؤوسهم منذ الطفولة. أبصارهم المعصوبة بتخمة الإمتيازات المزورة لاترى حسرة الشبان المكدسين في أزقة الفاقة والبطالة. هم يملكون من سندات التأهيل ما يتيح لهم حياة كريمة بينما شريحة أقل منهم قدرات تخرج من وسط محيطهم الإجتماعي إلى حيث المواقع المبطنة بالرفاهية والأموال المنهوبة.
نعم إغلاق الكافيهات كما صالات السينما وروافد الكتب مثل مصادرة حرية الإختيار في القراءة، المشاهدة، السمع واللبس ممارسات جائرة في حق الأجيال لكن ذلك ليس غير جعل مبسط من الأزمة. الشعب بأسره أمسى أسير الرهق اليومي يعايش المعاناة. الوطن برمته كأن الريح تحته يبيت لا يصبح إلا حال أكثرتردياً من ليلته.
السقوط المريع يتجسد في بقاء أهل السلطة والثروة يدورون في فلك العمى لا يرون في غير العنف مخرجا من الأزمة المستحكمة. من أجل النظام ليس من أجل الدولة دعواهم المفتراة في الذهاب بعيدا في العنف. في سبيل حماية مكتسباتهم المنتهبة ليس من أجل إنقاذ الشعب أو الوطن يتوغلون في العنف المفرط ضد الصبايا والصبية. بعيداً عن أخلاقيات الأمة وقيم الدين لا يكتفون بالأذى البدني بل ذهبوا إلى استباحة حرمات الأجساد، الأعراض والمنازل.
كالعادة مارس النظام الهروب من مجابهة الواقع إلى الخارج. الجديد هذه المرة عدم الإكتفاء بالقاء مسؤولية الحدث على أياد أجنبية تستهدف الأمن والإسستقرار الداخلي بل إصراره على البحث المضني عن حلول في الخارج. في المنعطفات الحادة تعتبر الحكومات نفسها في حالة إنعقاد دائم بحثاً عن مخارج آمنة. تحت عبء المسؤولية الوطنية يقدم رئيس الحكومة طوعاً أو كرهاً إلى تقديم استقالته تعبيراً عن الفشل أو إفساح المجال لكفاءات أفضل. أحيانا تأتي هذه الخطوة مسرحة سياسية بغية امتصاص الغضب أو سعياً لإختلاق ظروف للتهدئة.
في سياق المسرحة السياسية نفسها ترتفع ألسنة ممثلين بارعين في معسكر النظام تطالب بالمحاسبة وإزاحة رؤوس بعينها كباش فداء للإخفاق العام. كذلك تتوالى اجتماعات القيادة الحزبية من أجل المراجعة والمعالجة الفورية. هنا الكساد سيد الموقف ليس فقط لصورية المؤسسات بل لأن شاغليها يدركون الأزمة أفدح من الإحتواء. ليس ضمن المسرحة السياسية بل تعبيراً عن العجز الفادح تجاه ِالإنسداد المطبق تأتي الهرولة بين النيل والخليج.
مشاهد الضرب المتوحش من قبل أجهزة الدولة يمتهن كرامة المواطن ويحقّر صورته في المحيط الخارجي. السوداني فقد في ظل الإنقاذ الكثيرمن ميزات الإحترام المكتسية بثراء شخصيته أينما ذهب في فجاج الأرض. الهرولة بين النيل والخليج بحثا عن حلول متصوره للأزمة المستحكمة في الداخل لا تعبر فقط عن فقر النظام بل تحط من قدره للأزمة المستحكمة في الداخل إذ تضعه على رصيف التسول فيزيد ذلك في صورة المواطن تشويهاً. الجميع يدركون رغبة النظام في الحصول على جرعة نقدية تؤجل ربما مجابهة مصيره الحتمي لكنها لا تلغيه. فأياً كان حجم العطاء فهو ليس سوى حل جزئي لزمن مؤقت.