تحالف «قوى الحرية والتغيير»، هو القيادة الموحدة للهبة الجماهيرية المندلعة في السودان منذ ثلاثة شهور، ويضم «تجمع المهنيين السودانيين» والقوى المعارضة الأخرى، السياسية والمدنية والحركات الإجتماعية والشبابية والنسائية. وبتاريخ 5 آذار/مارس 2019، شكّل التحالف ثلاث لجان لبناء مستقبل الوطن، تشمل لجنة تطوير إعلان الحرية والتغيير والترتيبات الانتقالية، ولجنة صياغة الدستور الانتقالي، ولجنة السياسات البديلة والبرنامج الإسعافي. وأكد التحالف أن عمل هذه اللجان مفتوح لكل أبناء الشعب، داعيا الجميع للمساهمة في توجيه وإثراء هذا العمل. وإستجابة لهذه الدعوة، نبتدر اليوم مساهمتنا حول قضايا بناء مستقبل الوطن، بالمقالة الأولى ضمن سلسلة من المقالات.
استعادة الدولة المخطوفة من براثن حزب المؤتمر الوطني، ليست مجردعملية إجرائية، كما أنها لا تعتمد التدابير الأمنية والبوليسية، بقدر ما هي عملية سياسية صرفة، تنفذ في إطار القانون. وهي ليست مجرد رد فعل عكسي لإجراءات الفصل التعسفي التي نفذتها الإنقاذ بدرجة غير مسبوقة في تاريخ السودان الحديث، وإنما هي فعل جديد لإعلاء شأن الكفاءة والنزاهة ومفهوم القومية في كل أجهزة وهياكل الدولة، المدنية والعسكرية. ولأجل تنفيذ كل ذلك، نقترح التوافق على إعتماد ثلاث مجموعات من المفوضيات، القومية، تشكل جزءا لا يتجزأ من الهيكل الدستوري الإنتقالي، ويراعى في عضويتها الكفاءة والخبرة والتمثيل القومي والجهوي والسياسي، على أن تتخذ قراراتها بالإجماع والتوافق، وألا تخضع هذه القرارات لأي مراجعة أو إعادة نظر، وإنما تسري فورا. ومجموعات المفوضيات الثلاث هي:
المجموعة الأولى: وتتكون من خمس مفوضيات، مهمتها إعادة بناء أجهزة الدولة على أساس قومي بعيدا عن الإنتماءات السياسية والمذهبية، وهي:
المفوضية القومية لإعادة تنظيم السلطة القضائية والمؤسسات العدلية، بما يكفل استقلالها وحيدتها ونزاهتها.
المفوضية القومية لإعادة تنظيم الخدمة المدنية على أسس قومية، بعيدا عن الولاء الحزبي أو الجهوي أو القبلي.
المفوضية القومية لمراجعة تأهيل القوات المسلحة على أسس قومية وحيادية بعيدة عن التمكين الحزبي والرؤى الشمولية.
المفوضية القومية لمراجعة تأهيل أجهزة الأمن والشرطة والقوات النظامية الأخرى، أيضا على أسس قومية وحيادية بعيدة عن التمكين الحزبي والرؤى الشمولية.
المفوضية القومية لتطبيق الإجراءات الخاصة بحل ونزع سلاح كل الميليشيات المسلحة في البلد، وتوفير سبل الحياة الكريمة لأفرادها، والعمل على تجميع كل الأسلحة الموجودة خارج نطاق القوات النظامية للدولة، وحصر حمل السلاح في القوات النظامية فقط.
أي برنامج لإصلاح البناء الهيكلي في الدولة السودانية، لا بد أن يكون في مقدمة أولوياته أيضا، إجراء تقويم ومراجعة شاملة لتجربة الحكم الاتحادي الحالية في البلاد
المجموعة الثانية: وتضم ثلاث مفوضيات، هي:
المفوضية القومية لرد المظالم ودفع الضرر، ومهمتها النظر في الاتهامات المتعلقة بانتهاكات حقوق الانسان وتظلمات الأفراد أو الجماعات وحسمها أمام القضاء، أو بالتصالح إذا رغب المتظلم (العدالة الإنتقالية)، وتحقيق مصالحة وطنية تقوم على رفع المظالم ودفع الضرر.
المفوضية القومية لمكافحة الفساد، ومهمتها تقصي الحقائق حول الاتهامات بالفساد ونهب المال العام وسوء استخدام السلطة، وتقديم المتورطين للعدالة، واسترداد المال العام والخاص ورد الاعتبار والتعويض.
المفوضية القومية لتسوية أوضاع المفصولين تعسفيا وللصالح العام، مع التشديد على رد الاعتبار لكل المفصولين تعسفياً من الخدمة، المدنية والعسكرية، وتوفيق أوضاعهم بحيث يعاد للخدمة الراغبون ممن لديهم التأهيل والخبرات والقدرة على العطاء، وتعويض الآخرين عن الضرر مع تحسين معاشاتهم التقاعدية.
المجموعة الثالثة: وتشمل عددا من المفوضيات أو اللجان القومية الأخرى مثل: المفوضية القومية للانتخابات، المفوضية القومية للتعداد السكاني، المفوضية القومية لإعادة توطين النازحين والمهاجرين، إضافة إلى عدد من اللجان المتخصصة لبحث إعادة بناء وتأهيل القطاعات المختلفة على أسس قومية، والتحضير لمؤتمرات قومية متخصصة لتحقيق هذا الهدف، مثل المؤتمر القومي الاقتصادي، المؤتمر القومي لإصلاح التعليم، المؤتمر القومي لإصلاح الخدمات الصحية، المؤتمر القومي لإصلاح الجهاز المصرفي، إعادة النظر في الخصخصة، الإعلام، السياسة الخارجية…الخ.
وأعتقد أن أي برنامج لإصلاح البناء الهيكلي في الدولة السودانية، لا بد أن يكون في مقدمة أولوياته أيضا، إجراء تقويم ومراجعة شاملة لتجربة الحكم الاتحادي الحالية في البلاد، وذلك بالإستناد على جملة من المبادئ الأساسية، منها:
1 ـ إقرار الحكم اللامركزي القائم على تمتع الأطراف بأوسع صلاحيات ممكنة على حساب المركز، إضافة إلى التزام المركز بأداء واجباته حيال هذه الأطراف.
2 ـ التقيد بمبدأ ديمقراطية الحكم اللامركزي القائمة على إزالة المظالم ومراعاة عدالة توزيع الثروة، وعلى تلمس رغبات السكان بصورة ديمقراطية عند إجراء أي تقسيم إداري، وعلى مراعاة مسائل الهوية وإحترام الثقافات المحلية والمساواة بينها جميعا.
3 ـ وضع اعتبار خاص للمناطق المتأثرة بالحرب، والنظر في إمكانية إعتماد الحكم الذاتي الإقليمي لهذه المناطق.
4 ـ إعادة تقسيم البلاد إلى خمسة أقاليم فدرالية، هي: إقليم كردفان، إقليم دارفور، الإقليم الأوسط، الإقليم الشرقي، والإقليم الشمالي، على أن يتضمن كل إقليم عددا من الولايات أو المحافظات، إضافة إلى العاصمة القومية، الخرطوم، والتي يجب أن تتميز بوضع خاص كمركز ذي مسافة واحدة من كل الأقاليم الخمس.
من زاوية أخرى، فإن واقع التعدد والتنوع في السودان، وكذلك واقع الحرب الأهلية والتوترات القومية المتعددة، يستوجب التوافق على تأسيس هيكل دستوري إنتقالي، على أساس جمهورية برلمانية، يضطلع بمهام رأس الدولة فيها مجلس من عدة أعضاء يتم اختيارهم بمراعاة توازن التعدد السياسي والقومي والجهوي وتمثيل الأقاليم، وتكون له سلطات سيادية تعبيرا عن وحدة السودان. وأن يتولى التشريع ومراقبة أداء الحكومة الانتقالية برلمان إنتقالي يضم كل القوى السياسية وتنظيمات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة، وتتولى السلطة التنفيذية حكومة كفاءات قومية انتقالية متوازنة التشكيل وشاملة التمثيل، وذلك وفق نسب تتفق عليها كل الأطراف، على أن تضع كل أجهزة الدولة المعنية في صدر أولوياتها، معالجة قضايا المعيشة وتدهور الخدمات.
نقلا عن القدس العربي
/////////////////