النهب المسلح في نهار الخرطوم!

 


 

 

 

سأختار شعبا محبا وصلبًا وعذبا .. 

سأختار أصلحكم للبقاء . .
وأنجحكم في الدعاء لطول جلوسي فتيًا
لما فات من دول مزقتها الزوابع !
لقد ضقت ذرعًا بأمية الناس .
يا شعب .. شا شعبي " الحر فاحرس هوائي
من الفقراء...
وسرب الذباب وغيم الغبار.
ونظف دروب المدائن من كل حاف
وعار وجائع .

محمود درويش

(1)
كثيرا ما نسمع أحد من المجلس العسكري يتحدث عن الأمن وحفظ الأمن، وأنهم المسؤولون عن أمن المواطن والمواطنين. كأنهم بالفعل يقولون ما لا يفعلون. هذا المجلس لا يعمل على أمن الناس أو أمن الأحياء. فقد كانوا هم أعضاء اللجنة الأمنية. ورثوا الخطة ( ب). التي تعني ( الهبوط الناعم ) كأن لا شيء تغيّر، ولا ثورة اندلعت وفقعت وجه الظلام، ولا تم اغتيال الشباب في عمر العطاء.
نعلم أن الثورة لديها واجبات، وتحرسها أيدٍ أمينة، ولكن لم نتصور أن يخلق الإخوان المسلمين خيالات تلبس زياً عسكرياً مدججاً بأنجم الدبابير، كالدمام على الأكتاف، وتتحدث في كل شيء كأنهم يعلمون كل شيء!. لقد مضى الزمان أبطأ مما يجب. وشهدنا للكذب قرون، وللكذابين بسمات كالحة. قالوا في أول مؤتمر صحفي ( نحن لسنا سياسيين، وسوار الدهب هو قدوتنا ): وهم يعلمون أن اللواء "عثمان عبدالله "هو الذي كتب بيان قرأه" سوار الدهب"، وأن لجنة القيادة بعد ضغط صغار الضباط، هي التي قررت الانحياز لجماهير الانتفاضة في أبريل 1985.


(2)
قائد مليشيا (الجنجويد) الملتقطة من الصحراء الغربية: من تشاد ومالي والنيجر ونيجريا ، يتزعم بالمال المسروق من مرتبات المرتزقة، والمسروق من " جبل عامر". ويأخذ مال الاتحاد الأوروبي منعاً لتدفق اللاجئين عبر السودان الغربي. هذا الغنى المسروق الفاحش الذي يمكنه أن يهب بنك السودان مليار دولار، وهو يضحكّ!.
هذا القائد لم يتلق دراسة تذكر، وحدها مدرسة الحياة وسط قطعان الماشية، كوّن عصابة لاسترداد المنهوب فأصبح سارقاً، ثم استدرجته السلطة وأتبع لجهاز الأمن بعد رفض القوات المسلحة الانضمام لها، وأخيراً تم إتباعه لرئاسة الجمهورية التي ذهبت مقضياً عليها.


(3)
إن مباني القيادة العامة التي تم تحويلها بواسطة الإخوان المسلمين إلى مباني إدارية. وتم تفريغها من القيادات العسكرية بأسلحتها. وخرجت جميع الأسلحة من العاصمة. لذلك خلا المناخ لقائد المليشيا عندما استدعاه عمر البشير، للحضور والدفاع عنه. ووجد نفسه ضمن اللجنة الأمنية، وبعد أن طوقت الجماهير مباني القيادة العامة، انتقلت السلطة مؤقتاً للجنة الأمنية، ثم تحولت إلى مجلس عسكري انتقالي. أصبح قائد مليشيا (الجنجويد) نائباً لرئيس المجلس العسكري، بسبب وجود قواته في الخرطوم، وهي القوة الوحيدة بعد الأمن والمخابرات، التي تمتلك السيارات والجنود والسلاح والمال. لذا أصبح المهيمن على المجلس العسكري. لا سيما بعد إحالة عدد (8) بدرجة فريق أمن إلى التقاعد، وضمت كشوفات التقاعد عدد (90) ضابطاً منهم، إضافة على قبول استقالة رئيس جهاز الأمن والمخابرات.


(4)
كيف يستقيم أمن المواطنين بعد أن صارت قوات المرتزقة تحوم في أزقة العاصمة، وقد بُني لها مظلة كبرى في منطقة معرض الخرطوم الدولي. وباتت تتجول في الأحياء. وتنهب البقالات ومحلات بيع الخضر والفاكهة واللحوم ، بل تعدت على الأفران تنهب الخبز بلا ثمن. بل تعدى الأمر أن بعض عربات التاتشر التي تحمل السلاح والمرتزقة، تلاحق سيارات المناسبات وتصادر العشاء المُعد للضيوف!!.
*
النهب المسلح يمارس نهاراً جهاراً، في كل مناطق وأحياء العاصمة المثلثة. وبعد ذلك نسمع الناطق الرسمي الكذوب للمجلس العسكري، يتقوّل علينا بأنهم يراعون الأمن ولا يفرطون في شيء!؟. وتشهد العاصمة السودانية تفريطاً ليس بعده تفريط، في أمن المواطنين في الأحياء. واستيلاء النظاميين المسلحين بالرشاشات والسيارات الناقلة بدون أرقام على رزق العامة بلا ثمن. وسيارات مجهزة بالسلاح والأفراد الذين يرتدون أزياء نظامية، ينتشرون في كل أحياء العاصمة المثلثة.


(5)
كل ما يحدث تكشف ضعف المجلس العسكري، وعدم قدرته في السيطرة على الأعداد المنتشرة من أفراد المرتزقة المدججين بالسلاح. هؤلاء يدهم مطلقة، يغتالون وينهبون منْ يشاءون، بلا رقيب أو حسيب. وهي فوضى في أوضح معانيها. تمت مصادرة الأسلحة من جنود القوات المسلحة كي لا يعترضوا، في حين تستمتع القوات التابعة لقيادات الإخوان المسلمين والمليشيات السرية وكتائب الظل، بنعيمها، من توفر الأفراد والسيارات الناقلة والمال والسلاح.
*
الفوضى (بالإنجليزية: Disorder) هو أي فقدان للنظام والترابط بين أجزاء مجموعة أو جملة أجسام، سواء كانت جملة فيزيائية أو مجتمع إنساني أو اضطرابات قبلية أو سياسية، مثل فقدان الأمن في منطقة معينة. في اللغات اللاتينية تستخدم أيضا كلمة Chaos لوصف حالة الفوضى والاضطرابات غير المتحكم بها، أو نقص مريع في التنظيم أو النظام وسيادة القانون. وهي حالة فوضوية تعود بالمجتمع إلى غرائزه الدفينة القاتمة. فهؤلاء الذين نعتبرهم قوات نظامية، هي في الواقع قوات مليشيا لا يحد سلطاتها حدود. فقد شهدنا عند طلب الحرية والتغيير الاضراب عن العمل، مع وجود العاملين في مواقعهم: شهدنا تجمع قوات ترتدي أزياء " الدعم السريع " تدخل مباني فرع بنك السودان بالخرطوم، وأجبروا العاملين على تسليمهم النقود بواسطة بطش السلاح والسيارات.
*
للمجلس العسكري أن يقوم بحماية أمن المواطنين، ووقف هذه الفوضى، قبل أن يطلب مفاوضة الآخرين. لأن تلك من أوجب واجباته، وهي التي يدفع لهم الشعب السوداني أجورهم ثمناً لها. لا نريد للسودان أن يكون كالصومال، الذي ما كاد يذهب " سياد بري " عن الحكم، إلا سادت المليشيات.

عبدالله الشقليني
28 يونيو 2019

alshiglini@gmail.com

 

آراء