تخيلوا يا سادتي ونحن في ريعان الألفية الثالثة أن جامعة من جامعاتنا المعروفة والتي تحمل اسم إحدى دعامات هذا الوطن السامق، قد سمحت لنفسها أن تناقش أطروحة دكتوراه بعنوان: „الغازات الحميدة من الناحية الفقهية". إن ما حدث في حرم تلك الجامعة ليست اقصوصة أو طرفة أو ضرب من الأهازيج، بيد أنه عين الحقيقة، حيث اجتمع مجلس علميّ في شهر نوفمبر من العام المنصرم بغرض مناقشة أطروحة دكتوراه تحمل العنوان أعلاه، والتي يكمن في طياتها للعلم والعلماء والعالم أجمع حلولا ناجعة تُعنى بتفاعلات بعض من غازات تخرج من إحدى السبيلين. ولغة الاصطلاح هاهنا هو الفساء، الذي يندرج من الجذر الثلاثي "فسى" أي "غرّد"، أنتم تفهمون ما أقصد، ومفرده "فسوة" كما في العنوان. أخي الفاضل صدق أو لا تصدق إن الباحث الذي بذل جهدا جهيدا في هذه الأطروحة قد حاز على درجة الدكتوراه في كلية الشريعة والقانون بامتياز. والمحير في الأمر أن أعضاء اللجنة العلمية الذين تصدوا لهذه الأطروحة العلميّة الخارقة للعادة قد أشادوا بالبحث وذكروا في شأنها أنها حسمت جدالا طويلا ومضنيا حير العلماء لأكثر من ١٤٠٠ سنة سيما فيما يتعلق بصلاحية الوضوء خلال صلوات التهجد المطولة كالتراويح. وهذا المثال يا سادتي ليس هو الأوحد من بين الرسائل العلمية وبراءات الاختراع السامية التي أنجبها هؤلاء العلماء الأجلاء والذين تربعوا على عرش هيئة مريبة غريبة وعجيبة أطلقت على نفسها "هيئة علماء السودان"! على سبيل المثال لا الحصر فقد يجد الفرد منّا يا سادتي دكتوراه في نواقض الوضوء أو ماجستير في مسائل دم الحيض أو رسالة بكالوريوس في طول فترة النفاس ولا يفوتني ها هنا أن أذكر بأهم المواضيع التي يُعنى بها هؤلاء: الرسائل العلمية في مسائل الإيضاح في علم النكاح، أقصد فرض كل القيود والعقبات على الأنثى حتى تكون عبدة لهم وحتى يكتموا أنفاسها ويئدوا روحها، أليسها ناقصة عقل ودين؟! ويا ليت الأمر يبقى على هذا الحد، فخطورة هيئة فقه الفسوة وعلماء التراطيب (حقيقية المؤمن حلوي) أنها أغلب الظن تحيد عن صلاحياتها التي خولت إليها، ذلك في إطار قضايا ما يخرج من السبيلين، لتهب لنفسها صلاحيات استثنائية سيما في قضية انهاء العمل بعض فقرات قانون حماية الطفل المترتب عليه نتائج في غاية الخطورة منها فك الحظر عن ختان الطفلة والترويج الغث لقضايا الطهارة التي لا يوجد فيها حديث واحد صحيح والتي عُرفت على نطاق واسع في إفريقيا بالطهارة الفرعونية، إذ أنها لا تمت لأعراف الإسلام بأيّة صلة. وهؤلاء القوم ينادون فوق هذا وذاك يا سادتي بزواج القاصر، بنت التاسعة أو أقل لابن السبعين، فمالكم كيف تحكمون؟! وأنا أحيي من هذا المنبر الدكتور حمدوك رئيس الوزراء لأنه قام بخطوة أولى هامة، ألا وهي ضمّ علماء الفساء وأعضائها لسلطاته، والتي لقيت – بطبيعة الحال – الرفض من علماء هيئة ما يخرج من السبيلين جملة وتفصيلا. ورفضهم هذا لا يعنينا يا سادتي فليشربوا من ماء النيل الذلول هنيئا مرئيا. دعوني أطرح سؤالا: بركم لماذا يقبلون قرار السيد رئيس الوزراء بضمه لهم وقد أنعهم الله عليهم بمرتبات سخيّة وأماكن مرموقة وجاهه وصولجان، يصولون بدواوين الحكومة المختلفة وفي كل أرجاء الوطن وكأنها جُلّها ملك أمهاتهم، وفوق هذا وذاك كان قد أنعم عليهم بشتهم (بشيرهم) الذي علمهم السحر، والذي سخر لهم مخلوقات الأرض جميعا، بامتيازات خارقة للعادة ورفاهيات لا توصف من نعيم السيارات والمنازل ومراكز القرار الخ. كل هذا مقابل مهنتهم الجميلة ألا وهي الإجابة بلا أو نعم في كل ما أوكل إليهم إلى الآن من قضايا هامة ومصيرية، كالإفتاء في سفر الرئيس البشير وقد مسح بكعب جزمته فتواهم تلك، وشرب بول البعير وإرضاع الكبير. ورغم كل ذلك يا سادتي فإن خطورة هيئة علماء الحيض تكمن في حملهم للأحزمة الناسفة (حقيقة ومجازا)، يفجرونها بين أبناء الوطن الواحد، كشاكلة أحزمة كبيرهم عبد الحي والتي تفرقع سمّا نقوعا دون أن يخشى هذا الرجل في الله لومة لائم، هاتف بعد كل ذلك بنصرة الشريعة والشرع. حان الوقت يا سادتي أن يخلع أعضاء هيئة علماء الفسوة الستمائة ونيف أثواب الدمامة والرئاء والتملق، وحان الحين أن يمتلك نواصي هذا البلد رجال عاهدوا الله على حبه وأقسموا أن يكرسوا حيواتهم للأمّة التي أذلها هؤلاء طوال ثلاثة عقود. كفي فقد بلغ السيل الزبى.