حراك الشعوب وأصل التغييرِ القادم
جمال محمد ابراهيم
21 November, 2019
21 November, 2019
(1)
فيما تشتعل أطرافٌ عديدةٌ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بتحوّلات جذرية كاسحة، وتغييرات بالغة الأثر، فإنّ الإدارة الأمريكية في الولايات المتحدة، تنظر إلى تلك التحوّلات وتلكم التغييرات من الزاوية التي تقف عليها ، ومن منظور مصالحها المباشرة، وليس من منظور شعوب تلك الأطراف. أميلُ إلى الحديث عن أطراف في المنطقة، ولا أوجّه حديثي إلى دولٍ أو بلدان، ذلك لأن تقديرنا أنّ التاريخ كما الجغرافيا في تلك المنطقة، يشهدان إعادة قراءات ثمّ صياغات جديدة ، تتجاوزان عبرها مصالح تلكم الشعوب، بل تتعمّـدان تجاهلها تماما . أمّا الزّعامات ونخبها فقد تكلستْ عبر العقود الطويلة التي رسمت فيها قوى أجنبية وغريبة عن المنطقة وشعوبها، شرقا أوسطاً وشمالا أفريقياً، وفق مصالح وأجندات ضيقة خاصة بتلك القوى . لم تكن خرائط المنطقة بأيدي تلك النخب، بل كانت منحا وعطايا من الغرباء والأجانب الأقوى للأطراف الأضعف.
(2)
لنا أن ننظر بعينِ الإدارة الأمريكية ، لا بأعيننا المغمضة عن ذلك الواقع المزري الذي أحاط بالمنطقة التي أحدثك عنها دون مواربة.
فيما انهار الاتحاد السوفيتي بعد أن كان القطب المنافس للولايات المتحدة، في بداية العقد الأخير من القرن العشرين، فقد وقع الاختلال وتعاقبت خلاله إدارات أمريكية أخذت تعزّز دورها دولياً كقطبٍ ٍ رئيسي يسعى لأن تكون له الكلمة الأولى على المستوى الدولي. الذهنية العاقلة نسبياً للإدارات الأمريكية السابقة، بما فيها الإدارات التي جاء بها الحزب الجمهوري الذي يحكم بإسمه الآن رئيس إسمه دونالد ترامب ، ضاعت سماتها من يد رئيس لا يرى أبعد من مصالح الولايات المتحدة. "أمريكا أولاً" كان ذلك قوله وشعاره المفضّل . لقد بلغ استخفاف ذلك الرئيس الأمريكي بجميع الأطراف. الدولية الأخرى ، بما فيها هيئة الأمم المتحدة وهيئاتها ووكالاتها المتخصصة وبقية التوافقات الملزمة دولياً، مبلغاً يكاد- إذا تواصل بهذه الوتيرة- أن يحيل الهيئة الأممية إلى حالة أشبه بالحالة الشبحية التي قضت على "عصبة الأمم" القديمة قبيل الحرب العالمية الثانية. .
(3)
يدرك "ترامب" أن فرصه في الفوز بفترة رئاسية ثانية، تتهددها ظروف قاتلة أسهم هو في تردّيها بأدائه الغريب وغير المسبوق. إنّ الحزب الديمقراطي وبقراءة أعمق، هو الجزب القادم بقوة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستجرى في عام 2020م. اضطراب سياسات الرجل الخارجية بادية لعيون المجتمع الدولي، خاصة في تعمده إقصاء الدبلوماسية المؤسسية قي الخارجية الأمريكية. فشل هو في مواجهاته مع روســيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، إضافة لارتباك سياساته تجاه كوريا وكندا والصين وإيران، واهتزاز علاقاته مع أوروبا بكاملها.
فضائح أحاطت بأدائه الضعيف، أفدحها سعيه لرشوة بلدٍ أجنبي هو أوكرانيا، يحث رئيسها على لعب دور في إضعاف منافسه الديمقراطي المحتمل السيد "بايدن" في الانتخابات الرئاسية القادمة بعد أشهر قليلة. تتهدّده حالياً وإثر ذلك، مساعي البرلمان الأمريكي الذي يسيطر عليه الحزب الديمقراطي، لسحب الثقة منه وإزاحته من كرسي رئاسة لولايات المتحدة . أحدث الرجل شرخاً في المجتمع الأمريكي فانقسم إلى شطرين واحد معه وواحد ضده . .
(4)
يعلو صوت العالم ليدين نظاماً ملوكياً في الشرق الأوسط عمد على اغتيال تم بخسّةٍ لصحفيٍّ معأرض لذلك النظام ، فلا نرى لــ"ترامب" قدرة تحمله على إدانة ذلك الاغتيال الخسيس. لك أن تنظر جولات الحوار مع كوريا الشمالية وزعيمها "الذي أحبه" "ترامب"، والذي انتهى به الأمر بعد تلك الجولات إلى صمت بلا قيمة. تحت قدميه وإلى الجنوب منه في أمريكا اللاتينية، تشتعل فينزويلا وتشيلي وبوليفيا. . فصار للعجز الأمريكي عنوانٌ كبيرٌ إسمه "دونالد ترامب". . أما الشرق الأوسط فنحن نرى "صفقة القرن" التي رؤّج لها الرئيس الأمريكي "ترامب" وقد طواها النسيان. التحوّلات الكاسحة التي طالت أطرافاً رئيسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واضحة في "مواسم الحراك الشعبي" في السودان والجزائر والعراق ولبنان، إضافة إلى الحرائق في سوريا وليبيا واليمن. . تغييرات كانت رغائب تتمناها الإداراتة الأمريكية وتُحيك الإدارات الأمريكية ما تُحيك من خطط لرسم خرائط جديدة في تلكم المنطقة. هاهي شعوب المنطقة وقد هبّتْ هناك لتخلخل- عبر ما أتاحته العولمة من محدثات - أنظمة تربّعت في دست حكمها لعقود طويلة، تراها زرقاء اليمامة وقد صارت الآن أشبه بجال النبي سليمان الذي لم يعرف الجن بموته إلا بعد أن أكلت الأرضة منسأته. .
(5)
ماذا بقي لـ"ترامب" إذن من أوراق بيده، فيما يحاصره الديمقراطيون في البرلمان الأمريكي حصاراً محكماً، بما قد يؤدي لطرده من البيت الأبيض. . ؟.
بقي بيد الرجل كرت وحيد ، هو مغازلة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وعبر التودّد الداعم لإسرائيل، ومسانداً صديقه "نتنياهو" الذي أخذت قبضته تخفّ داخل إسرائيل. بقي له ابتلاع ما حاك من صفقة سمّاها زوراً "صفقة القرن"، مُدعياً في توهّمه، أنها المعادلة السحرية التي ستحلّ ذلك الصراع التاريخي بين العرب وإسرائيل. وحتى يضمن أصوات حلفاء حزبه الجمهوري في اللوبي اليهودي ، صاحب الكلمة العليا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، أوهم إسرائيل أنها تملك الحقّ في أراض عربية في الضفة الغربية لفاسطين، احتلتها وبنت مستوطنات عليها، مستخفاً بذلك بمسلمات االقانون الدولى. .
(6)
الذي لم يخطر ببال المتغطرس الأمريكي، أنّ شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قد أعياها التفرّج الذي طال ، على مغامرات لعبة المصالح من أطراف القوى الكبرى. ضاقت الشعوب ذرعاً باستغلال الأقوياء للنخب الضعيفة المهيمنة على أوضاع بلدانها، لتحقيق أجنداتها الجائرة.
الكلمة الأخيرة الآن هي للشعوب ، وليس للمتحكمين المستضعفين في الأطراف العربية ، بل ولا للمتحكمين المستضعفين في الطرف الإسرائلي أيضاً، وإنْ كان منهم من اسمه "نتنياهو". .