حتى لا نقع مرة اخرى في ذات المطب

 


 

 

 

توقفت قليلا عند عبارة "اسلام الكيزان" التي ظل يرددها البعض مؤخراً، فالذي يهمنا هو تحديد موقع الدين مِن الدولة - الامر الذي لن تقوم نهضة من دونه.

هل وظيفة الدين روحية أخلاقية أم إنها سياسية أيديولوجية؟ وفق اَي آلية يمكن ان يحسم هذا التدافع (دستوريا ام عسكريا) ووفق اَي غاية وجودية (التذلل لرب البريات ام التمكين وقهر العباد)؟

في تقديري ان عبارات مثل العلمانية او الدولة المدنية هو محاولة كسولة لا يود دعاتها التعرض بالفحص لأليات ومنهجيات الحكم. فالعلمنة مثلها مثل الأسلمة هي اجراء وليس مُسَلّمة يمكن ان نعمل على اسقاطها. فالمجتمع المسلم قد تعلمن ومن لم يدرك أهمية الفصل الوظيفي بين السلطات لن يسعفه ادراج مصطلح "علماني" في الدستور.

الأخطر، ان هذه الدعوات تسهل مهمة الاستقطاب وتقلل من فرص المضى نحو الغاية الاساسية من التدافع: الإصلاح. ما الذي يعنيه كل ذلك بالنسبة لمعاش الناس وكيف يؤثر على مقدرتهم للإسهام في بعث حيواتهم بطريقة أكثر إنسانية؟

إن الجلوس في حوار مع أدعياء الفضيلة هو إغراء أو محض افتراء يعين ذات المجموعة (أعني القوة الظلامية التي جسمت على صدر الشعب وآذت وجدانه اكثر من زهاء القرن) استدعاء المجتمع الي خانة قدسية يستحيل معها الحديث عن الحقوق والواجبات، وتقنن بها شرعية الصفوية الدينية.

واذا كان هذا العبث قد تسبب في فصل الجنوب، فإن المناداة بانتخابات مبكرة فيه إساءة تُضاف الى الجرح الذي سبّبه مكوث ما لا يقل عن أربعة ملايين سوداني في أماكن النزوح لمدة تجاوزت ال ١٦ عاما.

إن محاولة البعض النيل من حكومة حمدوك متهمين إيّاها "بارتكاب اخطاء فادحة" لا يعدو كونه إفكا الغرض منه إجهاض الفترة الانتقالية حتى لا يتم تفكيك المنظومة ولا يتم محاسبة المفسدين والقتلة والمجرمين.

حمدوك لم يفعل شيئا حتى يوصف بأنه فادح، واذا كان ثمة شئ قد فعله فهو إحسانه الظن بأناس كان دأبهم دوما خذلان المواطن وتجيير ارادته لصالح منفعة شخصية.

لقد قلنا مرارا بأن من واجبنا إنجاح حمدوك وليس إفشاله بتوضيح المسارات له وتجنب مداهنته تمشيا مع مهنيته وحسن سجيته، الأهم حساسية المرحلة.

واذا كان ثمة مأخذ فهو على التوجهات وليس الإنجازات لأن حكومته دوبك تجاوزت المئة يوم.

أما مغازلة العسكر في هذا الظرف التاريخي الحرج فهو يرقى الى مصاف الخيانة العظمى التي ستورّط العسكر قبل غيرهم، وربما ادخلت الوطن في أتون حرب أهلية لا سمح الله. حينها لن يجد المغرضين ساحة يفترشونها ولن يجدوا وطنا يرتزقون باسمه.

لقد وعى الإسلاميون (الأخلاقيون منهم) ان تبرئة ساحتهم من الإفك تقتضي محاكمة المفسدين، امّا المرافعة والدفاع بالباطل عن تلك الفئة فمرده الى خسار لأنه يعيق امكانية الداعية على أداء مهمته الاجتماعية ويحرمه فرصة التواصل الحيوي مع الجمهور. عليه فانا نناشد من كانت له همة او يخشى عاقبة التواطؤ مع الطاغوت ان لا يتحايل على الاجراء الجنائي او يبحث عن حيل سياسية لتجاوزه بالحديث عن حوار وطني شامل لان ذلك يدعى له النبهاء ومن عرف عنهم يقظة الحس الوطني وبداهة الضمير الاجتماعي.

فالله الله في الوطن ...

١٦ ديسمبر ٢٠١٩

 

آراء