كلُّ ديكٍ على مزبلتِهِ صيّاح

 


 

 

 

نشرت الزميلة المستشرقة والصديقة العزيزة الدكتورة كلاوديا أوت كتابا بعنوان: نصوص عربية أوليّة. أستعين بها في الترجمة وتحليل النصوص ببعض المحاضرات. والجميل في هذا الكتاب أنه يلخص بعض الأمثال والحكم والموروث العربي لطلاب الدراسات العربية والإسلامية. كلاوديا باحثة محنكة وأجمل ما في قصتها أنها ومنذ نعومة أظافرها كانت مولعة بقصص ألف ليلة وليلة. وكانت تحفظها – أغلب الظن عن ظهر قلب. فبعد أن أشتد ساعدها درست الأدب العربي وعلم اللغة والإسلامولوجي. وما كان منها إلى أن كرست كل جهدها لتنقل هذه القصص من العربية مباشرة إلى الألمانية في ثوب جديد لا تشوبه شائبة، ألق في ألق. ضف على ذلك أنها عازفة ماهرة لآلة الناي، فحين تجتمع الموسيقى والأدب يخلفان آثارا في نفس الكاتب وبنفس القدر في نفوس القرّاء. الموسيقى هي قاسم مشترك بيننا في محاضرات علوم اللغة والأدب. بالأمس كانت آخر محاضرة لي قبل أعياد الميلاد فدرست مع طلابي موشح أندلسيّ، (لمّا بدى يتثنى) وفي نهاية المطاف غنيناه وعرضت عليهم المثال الذي أبدعت فيه فرقة سمفونية. 

فانتقيت من كتابها الجديد مثلا أعجبني ربما لأنه يذكرني من جهة بالزحف الأخضر لحزب المؤتمر الوطني الذي تصافق بخروجه أول أمس، والذي سار دون خجل أو حياء، وكما يذكرني كل ذلك ببيت الأعشى في معلقته المشهورة، قائلا: ودّع هريرة إن الركب مرتحل فهل تطيق وداعا أيها الرجل – عراء فرعاء مصقول عوارضها – تمشى الهوينا كما يمشي الوجي الوحل.
فأقول:
ودّع كويزة إن الركب مرتحل – نعم، أطيق وداعا أيها الرّجل
كوزاء كذباء معروف مناهجها – تمشي البطينا كما لا يمشي الوعيّ الوجل
أعود بكم للمثل الشعبي الذي قادني لألف ليلة وليلة وكتاب كلاوديا الجديد وإلى الزحف الأخضر لنلخص ما معنى: كل ديك على مزبلته صياح.
ربما نلاحظ أن هذا المثل لم يستعمل الفعل يصيح ولكنه استخدم الاسم صيّاح (فعَّال) المشتق من الجذر الثاني بتشديد عين الفعل. يقسم المستشرقون الجذور على غير الطريقة التقليدية (الجذر الأول: صاح، الثاني: صيّح؛ الثالث: صايح؛ الرابع: أصيح؛ الخامس تصيّح؛ السادس: تصايح؛ السابع: انصيحَ؛ الثامن: إصتيحَ؛ التاسع: اصيحَّ؛ العاشر: استصيحَ). فاستخدام المصدر صيّاح أبلغ هاهنا من الرجوع للفعل يصيح لأن الأول يعكس الكثافة والصيرورة.
الخلاصة: الإنقاذ بزحفها الأخضر على مزبلتها صيّاحة.
--
Councillor@Badawi.de
/////////////////

 

آراء