توثيق لثورة ديسمبر من خلال مشاركاتي فيها (13)

 


 

د. عمر بادي
26 December, 2019

 

 

عمود : محور اللقيا

هذه الأيام و نحن في شهر ديسمبر 2019 نعيش إحتفالات الذكرى الأولى لثورة ديسمبر المجيدة و نسترجع أحداثها الجسام و نقيّم مسارنا بعد نجاح الثورة و هل حققنا أهداف الثورة أم لا زلنا نكابد في سبيل ذلك . لقد كنا نحن الثوار مفكريها و مفجريها و حماتها و لكن إقتضت مجريات الأحداث أن يكون لنا شركاء من العسكريين قد إنحازوا لثورتنا و تقاسموها معنا .
لقد كتبت في صفحتي في الفيسبوك مدونات عبارة عن يوميات لمسار الثورة خاصة منذ اليوم الأول لإعتصام القيادة العامة , و كان الغرض من ذلك عكس ما يدور من حراك للمغتربين في المهاجر و انا اعرف الكثيرين منهم بل و كنت منهم , و عندما كانت هذه الكتابات متوزعة في صفحتي في الفيسبوك و في الصحف و المواقع الإلكترونية السودانية فقد آثرت أن أسهّل علي القارئ الوصول إليها , و لذلك سوف اقوم بنشرها متعاقبة في الأيام القادمة , لعلها بذلك تكون فائدة لمن يرجو متابعة أحداث الثورة من الناحية التوثيقية و أيضا تكون لي مشروعا لكتابٍ قادمٍ عن ثورة ديسمبر. إن ثورة ديسمبر لم تأت من فراغ و لذلك سوف أبدأ بنقل ما سبقها من حراك ثوري من مختارات من مقالاتي السابقة في هذا الخصوص ...
هذه المقالة قد كتبتها في يوم 24/ 01 / 2019 فإليكم بها :
إستمرارية التظاهرات بقوة دفعها الذاتية
لقد إندلعت التظاهرات السلمية منذ شهر و نيف و بالتحديد فقد إشتعلت شرارتها في يوم 19/12/2018 كما تقرر لها في يوم ذكرى إعلان إستقلال السودان من داخل البرلمان في يوم 19/12/1955 و كأن في ذلك إعلان من المتظاهرين الثوار أن يعودوا بالسودان إلى بدايات إستقلاله حين كان دولة للمواطنة , حتى يزيلوا عن مساره كل الإنحرافات التي أودت به إلى مدارك الهلاك , و قد إندلعت التظاهرات متزامنة في عطبرة و في بورتسودان و في الخرطوم في نفس اليوم و سبقتها تظاهرات الدمازين في يوم 13/12/2018 . لقد كانت الضائقة المعيشية هي الدافع و المحفز للمواطنين من أجل الخروج في التظاهرات بعد ان فاض كيل التضييق عليهم و بلغ السيل الزبى , و كأنما بالشاعر العراقي أحمد مطر قد قصد مآل حالهم في ما قد نظمه من مقال :
بلغ السيل الزبى
ها نحن و الموتى سواء
فاحذروا يا خلفاء
لا يخاف الميت الموت
و لا يخشى البلايا
قد زرعتم جمرات اليأس فينا
فاحصدوا نار الفناء
و علينا ... و عليكم
فإذا ما أصبح العيش
قرينا للمنايا
فسيغدو الشعب لغماً
و ستغدون شظايا !!
لقد تكاثرت الفواجع على المواطنين منذ إندلاع التظاهرات السلمية و طيلة فترتها التي تعدت الشهر و بدلا من أن تسعى السلطات للتقليل من وقع الضائقة المعيشية نجد أن السيولة النقدية لا زالت منعدمة و أن إصطفاف المواطنين أمام صرافات البنوك لا زالت مستمرة كما هي و أزمة الوقود خاصة الجازولين و إصطفاف السيارات كما هي و إن خف الوطأ على البنزين فإصطفاف السيارات يعاود سيرته بين آونة و اخرى و كذا الحال للخبز و إصطفاف المواطنين أمام المخابز و الغلاء ظل كما هو . أما الجديد من المنغصات فهو حظر شبكات التواصل الإجتماعي و إضعاف بعض المواقع و لكن مع إنفتاح الفضاء الإسفيري تفتقت عبقرية المواطنين في تقوية شبكات إتصالهم لإستقبال مختلف المواقع عن طريق إستعمال برنامج الشبكة الخاصة الإفتراضيةVPN . أما الفاجعة الكبرى على المواطنين فكانت في مقابلة السلطات الأمنية لتظاهراتهم السلمية التي يجيزها الدستور بالقمع المفرط عن طريق ضرب المتظاهرين ضربا مبرحا و إطلاق الرصاص الحي فأسفر ذلك بناء على منظمات حقوق الإنسان عن عشرات المئات من الجرحى و عن عدد من القتلى يقدّر بالخمسين قتيلا , و لكن قد صعب الأمر على الشرطة ان تحدد و تلقى القبض على من يطلقون الرصاص و كأن في ذلك إعادة لما حدث في هبة سبتمبر 2013 عندما تم إغتيال مائتين من شباب التظاهرات و خرج تقرير لجنة التحريات الموكلة أن الرصاص قد أطلقته عربات ذوات دفع رباعي و بدون لوحات رقمية بها و تم دفع تعويضات مالية لأسر القتلى الشهداء فرفضها جلهم و طالبوا بالقصاص ! هذه المرة يطالب ذوو المتوفين بتحقيق دولي محايد حتى تتكشف الحقيقة .
هذه المرة لم ينج الشباب من الضرب و الإعتقال من قبل المدنيين الملثمين الذين يركبون على سيارات الدفع الرباعي المعروفة ب ( التاتشرات ) حتى و إن كان الشباب يتجمعون تحت ظل شجرة يحتسون الشاي و القهوة بقرب ( ست الشاي ) أو كانوا داخل بيوتهم و دخل عليهم بعض المارة الهاربين من الغازات المسيلة للدموع و هنالك حالات قد تم فيها إطلاق الرصاص لكسر أبواب المنازل دون مراعاة لمن قد يكون متواجدا خلف تلك الأبواب . لقد أصيب الذين تم ضربهم بالخراطيش الغليظة بعاهات جسيمة و أخضع بعضهم لعمليات جراحية , فماذا كانت النتيجة ؟ لقد إنكسر عند الشباب حاجز الخوف بعد شعورهم بعدالة قضيتهم في مقاومة مسببات معاناتهم و خلق ذلك عندهم الإقدام و عززه بقوة الإيمان فخرج الشباب للتظاهرات في شجاعة نادرة يرددون معها أن ( لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) و أن ( مافي واحد بيموت بدون يومه ) .
هذه المرة لا يقوم بالتظاهرات حزب معين و إنما هي حراك شعبي قد عمّ العاصمة القومية و كل مدن السودان الكبرى و شارك فيه سودانيو الخارج في بقاعهم المختلفة من كندا شمالا إلى أستراليا جنوبا و بادرت الجاليات السودانية في أمريكا و أوربا بجمع التبرعات المالية لعلاج المصابين من المتظاهرين و إعانة أسر المتوفين . من الملاحظ في التظاهرات الأولى أنها كانت تفتقد الدعم المادي كالذي في تظاهرات الربيع العربي التي لا يخفى على الحصيف من كان يدعمها و لتمكين من , و لكن كانت التظاهرات عندنا تتحرك بسند من الله و بقوة دفع ذاتية تمثلت بالجود بالموجود و بدعم الحادبين على التغيير بالداخل و الخارج و هاهي ترتفع في التظاهرات أعلام السودان و ترتفع الشعارات . لقد شملت التظاهرات كل مدن السودان و حتى مدينة جوبا في جنوب السودان و صارت تجسيدا للوحدة الوطنية و للمشاعر الطيبة المتبادلة و للغد المأمول في الحرية و السلام و العدالة.

badayomar@yahoo.com

 

آراء