مَوت الأفذاذ لِمامة الأجذاذ: محمود خالد في الناجزين (1932-2020)
كل حي لاقي الحِمام فمودي
ما لحي مُؤمل من خلود
لا تهاب المنونُ شيئاً
ولا ترعى على والد ولا مولود
(الأبيات للشاعر محمد بن مناذر)
ما فتئت البلاد تتلقى النكبات، الواحدة تلو الأخرى، حتى رزئت في شهر رمضان المبارك 1441ه بفقد ثلة من أعلامها الأفذاذ وعلمائها المخلصين ورجالتها الوطنيين، من أمثال الدكتور/ الطيب زين العابدين، الأستاذ/ فاروق أبوعيسى، المناضل/ إدوارد لينو، الشيخ الطيب قريب الله، مولانا عاصم الطيب، الشيخ عبدالباسط، الشيخ الشنمباتي عالم وإمام جامع توتي، اللواء/ مزمل غندور، الدكتور/ منصور خالد، ملك الفاشر محمد الحافظ بن الملك رحمة الله، وابن عمه العمدة ضرار بن العمدة الزبير. رحمهم الله وجعل الجنة مثواهم، فهم رغم اختلاف مواقعهم وتنوع اسهاماتهم قد أعلو من قيمة الوطن والدين، بل قد ظلوا – رغم الإحباطات – موقنين بقدرة أهل السودان على تخطي الصعاب والخروج من هذا المأزق العصيب.
وإذ هممت بكتابة رثاء في حق العمدة محمود خالد محمد نور والذي رزئت دارفور عامة، ودار الزيقات خاصة، بفقده من ضمن من فقدنا من هذا العقد الفريد في هذا الشهر الكريم، فقد تذكرت مأساتنا – نحن السودانيين – مع الهجرة والإغتراب. نحن نعيش بلا أثر، ونموت فلا ذكرى أو خبر. أحياناً نخادع ذواتنا ونمنّيها بأنّها في مأمن من المسغبة، ونوقن في دواخلنا بأنّ وجداننا يتأكل كل يوم وتتحول أجزائه الحيوية والمرحة إلى كائنات مسرطنة. نلتقي أناساً أخيارا وأشرارا، نتعرف على أشخاص مفيدين وأخرين بائسين، نجازف بالتعرف على بشر معقدين أو مبهمين (بسمات مبهمة أو خصائص مُقْعَدة)، هم أقرب إلى اللإتباس منهم إلى السكينة، وآخرين ولهين غير وجلين، نغامر ونشاتر، لكننا ندرك في أعماقنا أن هذه كائنات رتيبة أو أسرة مجازية سرعان ما تنحاز إلى حيز المنسى في عقولنا وعواطفنا.
أُبْلِغت بوفاة العمدة محمود خالد (عمدة النوايبة)، تذكرت لحظتئذٍ مقولة قالها لي وقد التقيته قبل مدة غير بعيدة: " براعيك يا وليدي بتج دار الرزيقات كل مرة، وما بتزور أهلك في الفردوس!" قلت له: "يا عمي العمدة، كان الله طلق المرة الجاية، وصلتي قاسية الضعين، بجي بزور أهلي النوايبة." حزّت عبارته تلك في نفسي وولجت إلي عميق فؤادي يوم أن سمعت بوفاته، سيما إنني طفت في صغري وشيبتي بواد الرزيقات كافة، لكنني لم أصل "أضان الحمار" (التي اسمتها النخب المايومية "الفردوس" دون أن تسعى حتى لتحويلها إلى فردوس أرضي). توفى العمدة وما تزل في رقبتي عهدة، وجب أدائها لخلفه الأستاذ/ عمر خالد محمد نور وللأهل.
وإذ يتقبل الأستاذ/ عمر خالد التكليف ويتهيأ لتحمل الأمانة، فإنني أذكره بأنه يمد ساعداً للإمساك برأيةً هي الاشرف من بين الرايات، ألا وهو قيادة فرع من فروع الرزيقات، الذين كانوا وما زالوا قمينين على الخير ضنينين على ما سواه، لولا أنّ الأهواء استبدت ببعضهم فكانوا أبواقاً للفتنة وأعواناً للظلمة. فما فتئى هؤلاء يتقدمون الصفوف حتى ضلوا وأضلوا. قدر الله ذهاب أولئك الحاقدين الفاسدين، بيد أنّ ما أحدثوه من خطب جسام وما خلفوه من محن عظام – لا تكاد تنجلى إحداها، حتى تشرأب أخراها مهددة بزوال هذا الكيان العظيم – تكاد تعصف بأمّة رعاه الله يوم أنّ كان سادتها مستمسكين بقيم العدل محتفين بآلاء السماء ومستمطرين نعمها الوارفة.
ونحن نودِّع أحد سادات دارفور وكبرائها، العمدة محمود خالد محمد نور، فإنّا نفتقد عماداً ونستحضر قيماً كان عليها المرتكز في هذا الظرف العصيب (وما يُعمّر من مُعَمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب، إن ذلك على الله يسير) (فاطر: الأية 11) صدق الله العظيم. إن تذكرنا لمآثر هؤلاء الرجال هو بمثابة اللملمة للأجذاذ التي تمثل في مجملها لوحة الوطن. إن كيان الرزيقات اليوم، بل كيان العطاوة بأكمله من مسيرية وحوازمة والحيماد من تعايشة وسلامات، في محنة ليس أقل من المحنة التي عاشها السودان، والرزيقات خاصة، عشية إنهيار دولة المهدية. إذ كان ربع شهداء كرري منهم (ربع من البني هلبة – النحلة الزرقة، ربع من الفلاتة والربع الأخير من بقية أهل السودان الصامدين)، علماً بأن دولة المهدية لم تدخر فرصة في الإساءة إليهم مثل ما فعلت ببقية أهل السودان. لكنّهم أحسوا حينها بأنهم لا يدافعون عن شخص أو جماعة، إنّما يدافعون عن وطن. بذات المنطق، فإنّهم رغم المكائد التي تحيكها النخب المركزية ضدهم، الكيزان (المنحرفين من الإسلاميين) والمفسدين الآخرين، فإنهم اليوم يضطلعون للقيام بواجب وطني كبير، وإن إنعدمت الاستراتيجية وضاعت معالم القيادة الكارزمية.
وإذا استخدمت النخب المركزية بعض أبناء العطاوة والغرب عامة في محاولة لتدجين الهامش وكسر جناحه، فإنّها اليوم قد ابتليت بوجودهم العسكري في الخرطوم. وهم، أي أعضاء "الليغ السياسي القديم"، إنّما يتملقونهم في محاولة بائسة لكسب ودهم، حتى إذا ما حانت فرصة للانقضاض عليهم إبتهلوها غير مراعين لعهد أو ذمة، وهذا دأبهم. إن محاولة أبناء الهامش للتنسيق مع هذه الفئة، هي محاولة يائسة، لأنهم ببساطة لا يريدون تغييراً يطال بنية الدولة ولا يرغبون في هيكلة مؤسساتها إلا بالقدر الذي يعينهم على التخلص من "الكيزان" (الإسلاميين المفسدين بلغة الثوار)، ولذا فمن الأجدى للجبهة الثورية (ومن يؤيدون مسعاها في المجلس السيادي من العسكريين)، منذ الآن بدء النظر في تكوين منصة قومية تحمل أشواق الجماهير وتسهم في تحقيق تطلعاتهم كافة، وتزمع التحول من العمل العسكري إلى العمل السياسي المدني، وتنقله من خانة المشروع الاستثماري التجاري الذي استفادت منه قلة إلى خانة المشروع السيادي الوطني الذي يخدم المجموع.
إن أسلوب الإستجداء الذي استخدمه بعضاً من أبناء الهامش للحصول على وظائف في الفترة الانتقالية، يطعن في مشروعيتهم، بل قد يوصد الأبواب للقادمين من ورائهم، لأنهم يعطون هذه النخب المدينية التافهة شرعية، ويخلعون عليها وقاراً وألفاظاً لا يستحقونها. هم ليسوا ثواراً ولا يملكون قراراً؛ فالثوار الحقيقين هم من حملوا الأرواح على أكفها يوم أن قدموا إلى أم درمان في عملية الزراع الطويل، وأصحاب القرار هم الفتيان الذين كوّنوا لجان المقاومة، وهم بعد لم يخضعوا لموجهات تأتيهم من أي جهة إقليمية أو دولية (وهم المُعَوّل عليهم في تصحيح مسار الثورة بعد أن اختطفها بعضُ المرتشين والكاذبين من العسكرين والمدنيين).
إنّ التحول من العمل العسكري إلى العمل السياسي المدني، يتطلب نضج اخلاقي يرفض التبعية ويقاوم الهزيمة المعنوية التي تجعل البعض يسعى لنيل اعتراف من الأخر المعتدى، كما يتطلب قناعة فكرية بأنه لا مستقبل لمشروع أو جماعة تعلى من قيمة العرق، اللون أو الدين على حساب المواطنة. إن العروبة أو الإسلام يمعناهما الأيدولوجي أو الطائفي هي أدوات استخدمتها النخب المركزية لتطويع الهامش؛ أمّا العروبة والإسلام بخصائصهما التفاعلية الشعبية فقد كانتا دوماً وأبداً مصدرا إثراء للهوية السودانية. وقد أشار العمدة محمود خالد محمد نور لهذه المزايا بلغته العميقة البسيطة، في إحدى الحوارات التي أجراها فريق كلفته بمهام بحثية في المنطقة وذلك قبل عشر أعوام تقريباً.
بالنظر إلى ما يحدث في جوبا، فقد فشل بعض الرفاق مرة ثانية في إعلاء قيمة القضية واعلوا كعادتهم من قيمة الطموح الشخصي. وإذ ذاك هو الحال، فإن من واجبنا حث الجماعة المتماسكة الحفاظ على وحدتها، ومناشدة الفريق المفارق تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة لأنه في غياب الرفاق يستحيل إلى فرد أو مجرد رقم وتنعدم الأطروحة. في مسعانا لتوحيد قوى الهامش، يجب أن نقوم بما يلينا من واجب في ترتيب البيت العطوي (بيت العطاوة) كي يكون ركيزة من ركائز الكيان القومي، دون محاولة للإستئثار بالسلطة أو الثروة دون الآخرين.
إن تعاطفنا مع العسكريين في الجبهة الثورية أو في الدعم السريع أو في أي جهة معسكرة خارج الأطر المعروفة أو المعترف بها حالياً، لا يعني مطلقاً اعتمادنا عليهم، فنحن نشد من أزرهم إن تعاطوا بمسؤولية مع القضية الوطنية، ونتجنبهم، بل قد نفضحهم، إن أردوا استثمار الحمية والعاطفة القبلية لدعم طموحاتهم الشخصية على حساب المصلحة القومية. بل يجب أن يستوعبوا منذ الأن أنه لا مستقبل للبلاد إلا بوجود جيش احترافي مهني يخدع لقيادة مدنية، ودونهم صناديق الاقتراع متى ما قرروا التقاعد وخوض المعترك السياسي الديمقراطي. أمّا محاولتهم استدرار عواطف الجماهير فمحاولة يائسية وبائسة، لأنها تحيد بالممارسة السياسية عن مصاغها الطبيعي. لقد بدأ لي العسكر مؤخراً وكأنهم يسرحون بغنم إبليس، كلٌ يجري في وجهة دون أن تستبين له شُرفة!
تحتاج المكونات الدارفورية إلي عقد تفاهمات في ما بينها، كما تحتاج إلى تحديد استراتيجية للتعامل مع النخب المركزية، التي كانت وما زالت تنظر إلى المكون الدارفوري كساعد عضلي، وهي لن تتوان في التعامل مع جهات إقليمية ودولية لاستهدافه حال استنفاذها غرض الاستفادة منه. عليه فلا بد من اليقظة والاستعداد لمواجهة هذه الفصائل الرجعية، هذه المرة في الخرطوم. إن المعركة القادمة معركة مكلفة في الأرواح والممتلكات لكنها ستحدد مصير الوطن الذي ظن أغرار لا يتجاوز نفوذهم حدود الخرطوم القديمة، أنهم سيسيرونه حسب هواهم وحسب رؤاهم القاصرة. بيد إنني أريد أن أنبه إلى أن الرؤى القومية لا بد أن يتضافر على وضعها كافة أبناء الوطن، فأستقواء أي جهة بقواها العسكرية هو نذير ضعف سينفل في عضدها من أول يوم، بل من أو ساعة.
إن حادثة كادقلي، والتي بدت روح التواطوء فيها جيلة، يجب أن لا تمر مرور الكرام، لأنها تعبر عن شعور الضباط الحقيقي (الكيزان وغيرهم) تجاه قوات الدعم السريع وتجاه قوى الهامش عموماً. لعل الجميع قد استمع للمقابلة التي أجريت مع نائب الرئيس حميتي والرسائل الصوتية التي بثها بعض الضباط بعدئذٍ في محاولة لتطمين جماهير الوسط خاصة بأنه ما زال هناك مؤسسة قومية تعمل باحترافية ومهنية وتمتلك عقيدة قتالية، قد تُوظف إذا ما استدعى الأمر لدحر "المتمردين" أو في هذه الحالة "المتغولين". ما يفاقم من الأزمة الوطنية بالتحديد هو عجز العسكريين في المجلس السيادي (أعضاء "اللجنة الأمنية" لعمر البشير) عن كبح جماح طموحهم السياسي، الأمر الذي أدخلهم في دائرة الاستقطاب وفوّت عليهم فرصة الحصول على ضمانات تقيهم شر المساءلة لاحقاً. الأخطر، إنّ سعيهم المحموم للقيام بأدوار تنفيذية سيخرج التنافس عن صياغة المدني ويجعلهم في مواجهة مع بعض البعض. وقد كان حريّ بهم أن يقوموا بدور الرقيب، كما حفلت بذلك بعض تجارب الإنتقال الديمقراطي في بلدان العالم الثالث.
هنا وفي لحظة محاولتنا لترتيب البيت العطوي (أو بيت العطاوة) تبرز أهمية القيادات التاريخية، وتشع حكمة رجال مثل الناظر إبراهيم موسى مادبو، الناظر بابو نمر، العمدة كبور شقرة، العمدة برام، العمدة خالد محمد نور، الشيخ هلال، الشيخ الدود، وآخرين لقوا رباً كريم غير مبالين بما أصابهم من أذى في سبيل نصرة أهلهم وضمان استقرارهم، الأهم ضمان عدم تعدّيهم على الأخرين. هؤلاء لم يتصوروا "الزرقة" يوماً غرماء، إنما رأواهم دوماً شركاء وأخوة أجلاء. ما الذي يمنع القادة العسكريين اليوم من حزم ظهورهم بأهليهم وقد استبان لهم مكر النخب المركزية، مراوغتها، وتوخيها ساعة تنقض فيها على الكل دون فرز أو رحمة؟
إن العطاوة بوضعهم الحالي سيكونون مطية للآخرين، سيما أولئك الذين تضخموا بفعل الغياب الفعلي والموضوعي لأصحاب المصلحة الحقيقيين، أعني تحديداً الزراع، الرعاة، وحتى النازحين الذين ما زالوا قابعين في معسكرات للجوء داخل أوطانهم. يسعف أولئك وهؤلاء التخطيط التنموي الذي يُرَفِّع من قدراتهم ويعينهم على الثراء، ولا يُمَلِكهم فقط حيل البقاء، وتزيد من منعتهم الوحدة القائمة على تصور كل مجموعة تمثيلاً يناسب بذلها، عطائها، وحجمها الحقيقي، ليس الوهمي على الأرض.
أعلم أن الأستاذ/ عمر خالد وزملائه من الأساتذة الذين تبؤوا مناصب في الإدارة الأهلية قادرين على تطويرها، وحادبين على خوض معترك الاستنارة، وذلك بإجراء حوارت عميقة وكثيفة وسط الشباب الذي بات يمثل أكثر من نصف السكان؛ فالحوار وحده كفيل بنقلنا من حالة الهتافية إلى خانة الاستفاقة، التي ستحررنا بدورها من وصاية الشلليات ونرجسية الأفراد. إن أسرة العمدة/ محمود خالد لهي من الأسر القمينة على تعزيز اللحمة والمؤتمنة على تقنين مفهوم القبيلة بمعناه الحضاري والدينامكي الذي جعل من الأخيرة – في فترة من الفترات – لَبِنة من لبِنات البناء في الوطن وذلك قبل أن تتخطفه الأهواء، وقبل أن يؤول أمره إلى السوقة والغوغاء.
يقيني أن العمدة/ عمر خالد سيسير في نهج أبائه الكرماء، ويُعبِد طريقاً يسلكه الأوفياء، وقديما قال الأعراب: "النمر ما بلدي قِط"، وقالوا أيضاً: "النّار بدوروها بكان الرماد"، ونحن إذ افتقدنا الحكمة، فسوف نبحث عنها في المكان الذي ألفناه. الشاهد في ذلك أن العمدة خالد محمد نور ود حامد من عمد الرزيقات العشرة الذين كان بيدهم الحل والعقد، وقد احسنوا إدارة البلاد في ظروف كانت أشد صعوبة من ظروفنا، ودبّروا حال أهاليهم بامكانيات كانت أقل بكثير من إمكانياتنا. محمود خالد لم يبرح مكانه منذ وفاة العمدة/ خالد محمد نور، ولم يغيب عن ديوانه، ولم يشاحن أقرانه، ولم يضن برأيه ولم يطمع فيما كان في يد غيره. وهذا لعمري إنجاز لا يضاهيه إنجاز.
قديماً قال الهدّاي عبود أم كمدي في العمدة خالد محمد نور ود حامد:
خالد محمد نور الشَّربة التَّبُرد الحُمى
خالد ما بتكبر لو كان تجي خِلْقِنا
وخالد علمنا قولة سِرنا وقولة أقِمنا
بُوطتنا بدهنَ وقِزازتنا بسمن
خالد ما بتكبر لو كان تجي خِلْقِنا
وفي دهر الخليل خالد أيام جِنّا
خالد تور جاموس لكين ربي الكريم بدله
العزاء موصول للأهل في دار الرزيقات وفي ربوع دارفورعامة والأمل معقود على الأجيال التي لن ترضى عن السلام والحرية والعدالة بديلاً. لهؤلاء نقول إن المستقبل الزاهر أمامكم والأفق الرحيب حيالكم، فقط يلزمكم حث قادتكم التنفيذيين للعمل على تطوير نموذج اقتصادي سوداني يراعي الخصائص الثقافية والمجتمعية للأمم السودانية جمعاء.
كما يلزمهم أيضا تطوير نموذج ديمقراطي (فدرالي) يقطع الطريق على النخب المركزية التي احترفت الميكافلية واتخذتها وسيلة لتحقيق أغراضها السياسة، ويسهم في معالجة العلل الأخلاقية لنخب الريف التي ظلت تناظر شخوصها في المرآة ولا تكترث إلى محنة أهلها. كلا الفريقين – نخب المدينة والريف – يُعَوِّلان على سبهللية العوام، الذين يتهربون من تحمل تبعات أعمالهم، ويكتفون باتباع نهج قدري يحيل الناشئات وعواقب الأفعال للسماء. لا أظن أن السماء ضنت، لكنّا أخطأنا في فهمنا لمنطق الأشياء. فنحن ما زلنا نتأرجح بين منطق آرنولد توينبي وفهم أبو العلاء المعري، الأول كان يرى للفرد دوراً خطيراً في التاريخ، والآخر كان يرى ذلك منوطاً بفعل القدر وظهور صاحب الوقت والأمر.
auwaab@gmail.com