بعد الإنقاذ.. من الصعب أن تكون فاشلاً !! بقلم: د. مرتضى الغالي

 


 

 

 

ما أسهل أن تضع رجلا ًعلى رجل وتقول: في اعتقادي الحكومة فاشلة...هذا كلام (غير لائق) وغير دقيق بل هو في حالات عديدة (غير أمين). وفي حالات أخرى (غير برئ).. وعندما يصدر من جماعة الإنقاذ وأحبابها فهو مفهوم (ومافي مشكلة).. فعنوان النجاح واضح في حكمهم المطلق الذي استمر لثلاثين عاماً...! ولكن المشكلة عندما يتردد هذا الكلام عبر القنوات والصحف من شركاء الثورة وحواضنها الشعبية والسياسية من قوى الحرية والتغيير أو من بعض شركاء الفترة الانتقالية من العسكريين سواء الذين قلبهم على الثورة..أو الذين قلبهم على (الأزبلايط) والمصالح الذاتية أو المحبة السابقة أو الحالية للإنقاذ أو بسبب عدم معرفتهم بالديمقراطية وكراهيتهم لصوت الشعب وصيحة الثورة: مدنيييياو..!

ما أسهل تتنحنح وتقول الحكومة فاشلة...هذا تثبيط للهمم إن كان مقصوداً أو غير مقصود.. ويا رؤساء وكوادر الأحزاب أنتم شركاء في السلطة وتملكون الحق في عقد الاجتماعات العملية الجادة لمساءلة الحكومة وتصويبها وتصحيحها ومحاسبتها بل وتعديلها وإعادة تشكيلها ..فما المشكلة؟ وماذا تفيد شكواكم إلى الإعلام ونشر الإحباط بدلاً عن مساعدة الحكومة التي تمثلكم؟ ..إذا كان ذلك يحدث بغفلة فإن نتائج الغفلة تكون أحياناً (أسوأ من سوء القصد)..!

ما معنى أن يحدثنا من هو في السلطة عبر التلفزيون والصحف ويقول لنا (الحكومة فاشلة)..وحتى يجعل الأمر مبلوعاً يقول (نحن فشلنا في المعيشة) وهو يترأس لجنة المعيشة والاقتصاد الإسعافي..! ثم يزيد على ذلك و(يزايد) ويقول إن المعيشة في أيام الإنقاذ كانت أفضل منها بعد الثورة..! يا لهذا المنطق الأعوج (المكلوج).. ويا لمعيشة الإنقاذ التي يضرب بها المثل وهي معيشة (مطينة ومزفتة وملطخة) من أولها إلى آخرها بكل ما في الدنيا من طين وقطران وزفت وخبوب..! ما هذه العبارة (البايخه.)..؟ ولمن تقول هذا الكلام وأنت في منصب المسؤولية؟ وما معنى الخطب المضللة الطائشة التي تشبه جماعة الإنقاذ.. كما حدث مؤخراً في كادوقلي من احد ممثلي الجانب العسكري داخل مجلس السيادة وهو يخطب ويصرخ بكلام يزيد الشروخ ويعيق عودة الثقة المجروحة بين المدنيين والجيش..! ألا يعلم أن الحكم المدني هو مطلب الثورة وأن للجيش دوره المعروف في الدولة..؟! الحديث بهذه الخفة لا يليق بمن يتقلد موقعاً سيادياً في مرحلة دقيقة كهذه من حياة الوطن..لا تستهزأ يا رجل بالثورة وبإرادة الجماهير.. وأحسب كلماتك.. فقبل ذلك وفي خطبة لك حول فض الاعتصام أطلقت النار على قدميك بتصريحات (لن تموت ولن تفوت)..!

أما الإعلاميون والصحفيون الذين يتحدثون عن فشل الحكومة وكأنها قضية مسلمة ومفروغ منها.. وينشئون في ذلك الأخبار والتقارير ويقيمون الحوارات والمقابلات.. فإنهم هم أنفسهم من (أئمة الفشل) في الأداء المهني ولكنهم يقذفون بالكرة خارج ملعبهم ويتحدثون عن فشل الحكومة.. وحتى بعض مدمني التواصل الاجتماعي ما أن يمسح احدهم عينيه من غبار النوم حتى يتجه للكيبورد أو الموبايل ليتكلم عن فشل الحكومة من غير أن يتحرك شبراً واحداً لأداء ما عليه من مهام المواطنة وكأن هذه الثورة حكراً على الوزراء والمسؤولين وليست مهمة متكاملة كل فرد مسؤول عن نجاحها وإنجاحها قدر طاقته سواء في مجال رفع الوعي ونشر برامج الثورة وأهدافها والرد على اباطيل فلول الانقاذ والتنبيه للثغرات أو تقديم الحلول والبدائل أو مساعدة الآخرين أو المساهمة في نظافة الشوارع والميادين وتصريف المياه وتجفيف البرك وزراعة الأشجار..الخ..!

الحكومة ليست فاشلة.. هناك قصور لا بد من معالجته ولا نهاية للمطالبة بالتجويد في كل حين وأوان .. والنقد البناء مطلوب ولا احد فوق النقد.. لكن بعض الذي يتحدثون عن فشل الحكومة يريدون التغطية على حقيقة أنهم هم أنفسهم من الأسباب الحقيقية وراء تعويق أداء الحكومة بل وضع المتاريس أمامها لمنعها من النجاح...! والحكومة لا يزيد عمرها عن بضعة أسابيع وهي تسير بين ركام وجنادل ثلاثين عاماً من التدمير المنهجي والإفلاس الكامل والخراب المتعمّد، وبعد سرقة كل ما في المطمورة والزريبة. وحكومة الثورة تعمل الآن أمام تلال من العقبات ولكن في وطن حر يسير فيه المواطن مرفوع الرأس بعد ذل الإنقاذ والعار الذي (جلطته) في وجه الوطن وسوّدت به وجهها ودمّست به حياة السودانيين جميعاً داخل الوطن وخارجه.. فالحمد لله الذي اذهب عنا الأذى وعافانا..!

لا نريد هذه الأحاديث الميتة المتشائمة المُحبطة التي يريد بها بعض المسؤولين والسياسيين والمغرضين وغيرهم الصيد في المياه العكرة.. وتريد بها بعض الصحف والقنوات ملء أعمدتها ومساحاتها الزمنية.. فهناك ألف قضية أولى وأهم من هذه الأحاديث اليائسة المُخذلة.. لماذا لا يتجه هؤلاء الإعلاميون والصحفيون من ناشري التيئيس والحذلقة الفارغة إلي تقديم تقارير ومقابلات وحوارات حول الفساد وحول الحصاد وحول مشاكل النقل وقضايا التصدير والسكة حديد ومشروع الجزيرة وإعادة النقل النهري و الأسطول البحري وإصحاح البيئة وتعظيم ثروة الماشية ومصائد الأسماك والمحاصيل الزراعية والصناعات التحويلية ومحاربة التصحر وزيادة الإنتاج والإنتاجية وبيان الميزات التفضيلية لثروات البلاد وبدائل الخبز وبناء المخزون الغذائي وإعادة ضبط الخدمة المدنية وتطوير الخدمات وحل مشكلة المرور والمواصلات. الخ.. وغير ذلك من عشرات بل مئات القضايا التي تنتظر بناء السودان بعد أن نهبه المؤتمر الوطني وقام الحراميه بتدميره إلى آخر طوبة ودرّابة...ما أسهل الأمر لو كان من الميسور تغيير ما صنعته الإنقاذ خلال ثلاثين عاماً خلال بضعة أسابيع...
الله لا كسب الإنقاذ..!

 

آراء