في مقال سابق حول ضرورة إصلاح المؤسسة العسكرية السودانية كنت قد التمست من السادة ضباط الجيش السوداني التكرم بمشاهدة بعض جلسات الاستدعاء أو الإحاطة والتي تتم مع قادة الجيوش في الغرب من قبل المؤسسات السيادية المدنية المنتخبة مثل البرلمانات الغربية و غيرها . وكيف أن هؤلاء القادة العسكريون يظهرون أقصى درجات الاحترام والتقدير لتلك المؤسسات. اذكر جلسة الإحاطة التي حضرها الجنرال الأمريكي جون ابي زيد القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية (والسفير الحالي للولايات المتحدة لدي السعودية) أمام لجنة القوات المسلحة بالكونجرس الأمريكي حول سياسة الجيش في العراق والتعامل مع التهديدات الإيرانية انذاك - مازلت اتذكر حجم الانضباط و الاحترام والتقدير الذي أبداه خربج جامعة هارفارد وقائد اهم قطاع في أعظم جيوش العالم تجاه أعضاء الكونغرس. وكيف كان يجيب على الأسئلة بمهنية وفي حدود صلاحياته المحكمة بالقانون. كثيرا ما أعاد السؤال الي أعضاء اللجنة معللا بأن الإجابة لدي السادة المنتخبين من قبل الشعب. هل من أدب واحترام أكثر من هذا ؟
لذا وبغرض تبادل الخبرات التمست من ضباط الجيش السوداني مشاهدة ذلك النوع من الجلسات بغرض التعلم.
(٢) هنالك طرفة مشهورة و رغم أنها مقيتة الا انني مضطر عليها: مفادها أن ضابطا بالجيش السوداني و من أهالي كادوقلي أرسل مع زملائه في بداية التسعينات الي الحرب في الجنوب ، ولأن الكثير من أبناء منطقته كانوا في صفوف الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة الراحل جون قرنق دي مبيور، حاول الضابط أن يظهر عداوة زائدة تجاه الدكتور جون قرنق. فكان في كل صباح يشتم ويتساءل أمام زملائه الضباط عن ما يريده جون قرنق وخطل فكرته في التمرد وغيرها من الترهات . و كان من بين زملائه ضباط شرفاء ليسوا من منطقته وينتمون إلي اليسار فكرياً وسياسياً - ذلك قبل أن يعمل نظام الإنقاذ مشرطه لاستئصال غير الاخوان المسلمين من المؤسسة العسكرية. عندما بلغ الضيق بذلك الضابط اليساري مبلغه رد على بلديات شمس الدين كباشي بأن جون قرنق يريد إزالة (الزبالة) التي فوق رأسه. فتوقف بلديات الفريق أول شمس الدين عن ترهات الصباح .
(٣) الاخ شمس الدين كباشي عضو بالحركة الإسلامية منذ أن كان طالبا بالمراحل التعليمية الصغرى ، وهو الأمر الذي أهله لنيل رضا الرئيس المخلوع عمر البشير ويتدرج بشكل شبه استثنائي للوصول إلي رتبة اللواء. ثم رتبة الفريق وأخيرا الفريق أول بعد الثورة.
بالمعايير المحلية فإن الاخ شمس الدين كباشي رجل مجتهد حتى على مستوى عندما كان طالبا حربيا، فكان متفوقا على زملائه.
(٤) ولأن الثورة السودانية ملك للجميع ما لم يقترف الفرد جرم بعينه بحق الوطن أو الشعب حاول الناس التغاضي عن خلفية شمس الدين كباشي الإخوانية، خاصة أنه لم يكن عضواً اخوانياً بارزاً داخل القوات المسلحة ، اي أنه كان خارج منطقة الأضواء. فأصبح عضوا بالمجلس العسكري الانتقالي ، ثم عضواً بمجلس السيادة.
(٥) كما يقول المثل السوداني رجعت حليمة الي جزمتها القديمة. فإن الفريق أول شمس الدين كباشي فشل في اخفاء إخوانيته وانتمائه للمؤتمر الوطني وولائه للرئيس المعزول عمر البشير. لا احد يستطيع نزع الحب والولاء من قلوب الاخرين لكن ما يفعله يتعارض مع مبادئ الثورة السودانية. رغم ذلك حاولت قوى الثورة الصبر على صاحب (حدس ما حدس) منعاً لأي شرخ في مكونات الثورة وخاصة على المستوى السيادي. هنالك عامل آخر على صبر قوى الثورة على تصرفات كباشي، وهو أن كباشي ربما الوحيد الذي يحمل رتبة الفريق أول من أبناء الغرب وخاصة جبال النوبة في الجيش في الوقت الحالي (وهذا بطبيعة الحال واحد من الأسباب الملحة لإحداث إصلاحات جذرية في المؤسسة العسكرية السودانية). لذا فإن إقالته أو المطالبة بها تثير حفيظة (بعض) أبناء الهامش .
(٦) عندما قام قائد المليشيات العسكرية في كادوقلي الرائد الجاو كافي بعمله الإجرامي ضد المواطنين العزل وضد قوات الدعم السريع كان يريد اشعال الفتنة بين الجيش الذي ينتمي إليه الرائد الميليشي وقوات الدعم السريع . لكن حكمة قيادة قوات الدعم السريع حالت دون حدوث ذلك.
للأسف عندما أوفد مجلس السيادة الفريق أول شمس الدين كباشي الي هناك أهمل مهامه كالعادة وطفق يطلق تصريحاته غير المسؤولة وغير المنضبطة بحق قوى الحرية وبحق الحكومة والشق المدني بمجلس السيادة. فهي تصريحات أقل ما يمكن وصفها بأنها تفتقر الي الأدب.
(٧) الذي يتعين على الاخ الفريق أول شمس الدين و من على شاكلته من العسكر أن يفهموه أن الشق العسكري في مجلس السيادي في الأصل ضيف على الثورة - أي أن الشق العسكري في ضيافة صاحب البيت وهو الشق المدني . لذا فليست من اللياقة أن يتوعد الضيف بالتخلي عن المضيف .
لن تسقط الحكومة ولا مجلس السيادة بخروج المكون العسكري، لأن خروج المكون العسكري من المجلس يعني رجوع الجيش الي مهامه الدستورية في حماية ثغور البلاد والعباد. ذلك سيتيح للحكومة المدنية للثورة فرصة للتفرغ لقضايا السلام والدستور والتنمية والاقتصاد والانتقال السياسي وفك العزلة الدولية.
ولأننا نطمح في تعاون كل مكونات الفترة الانتقالية أملاً في الوصول بالبلاد الي بر الأمان نتوقع من قبل الاخ شمس الدين كباشي التأدب مع أصحاب البيت - أعني القوى المدنية الكريمة (الحكومة بلجانها المختلفة و خاصة لجنة إزالة التمكين والشق المدني بمجلس السيادة).