(1)
أظنكم تذكرون طرفة العنزة أو (الغنماية) و التي تحكي ان عنزة تتعرض للتحرش بشكل يومي من قبل كلب الجيران (اعطاكم الله من وفائه). اشتكت العنزة الي أمها والأم بحكم خبرتها التراكمية نصحت ابنتها ان تظهر بعض الثبات في المرة القادمة لترى بنفسها ما يفعله الكلب المتحرش.
في مساء اليوم التالي وكعادتها عائدة الي بيت أهلها ظهر الكلب المشاغب ليظهر قوته وسطوته على العنزة المسكينة (على طريقة جيوش بعض البلدان المتخلفة تجاه مواطنيها العزل).
ما ان اقترب الكلب منها رفعت العنزة رجليها الأماميتين استعداداً للمعركة .
نظر إليها الكلب باستغراب بالغ ثم انسحب بهدوء، معلقاً : (انتو الغنماية دي جنّت ولا شنو ؟ ).
تلك كانت اللحظة الحاسمة في تحول العلاقة بين الطرفين اللدودين.
(2)
ما من مؤسسة وطنية تعرضت للاستغلال مثلما ما حدث مع الشرطة.
حال الشرطة السودانية أشبه بحال ممثل الأدوار الشريرة في السينما الهندية أو العربية.
فالشعوب البسيطة أعنى الهندية و العربية مطبوعة على الخير أو الشر المطلقين. كثيراً ما تمجد ممثلاً ما حتى على واقع الحياة بسبب تجسيده لأدوار الخير ، وكذا العكس لمن يمثل أدوار الشر.
كأمة خسرت أكثر من ثمانين بالمائة من عمر دولتها الوطنية تحت نير الدكتاتوريات العسكرية فإن تجربتنا مع الشرطة مريرة.
ليس بسبب ان أفراد الشرطة سيئون بالفطرة.
لكنها أصبحت الاداة الأولى من ادوات البطش السلطانية في مجتمعات الظلم والقهر مثل السودان .
(3)
لا أدري ان كانت لطبيعتي المتمردة، إلا انني كنت مولعاً بالتظاهر والمظاهرات .
مازلت أذكر بعض الهتافات التي كانت تقال ضد الشرطة، كنا نرددها بحماس ونحن صغار ، مثل (الكاكي جميل لابسينه ... لكن معليش لابسينه الجيش) ذلك قبل عقود من جريمة فض اعتصام القيادة و بالتأكيد قبل إنقلاب 30 يونيو.
سجل الشرطة السودانية أو سمعتها ليست مشرفة بأية حال ، وقد عرفها العالم ومنظمات حقوق الانسان كواحدة من أيدي نظام الانقاذ الباطشة .
طال الزمن أو قصر ستتغير قوانين البطش والتنكيل إلا ان ذاكرة الناس ستظل تختزن وبالكثير من الألم ممارسات شرطة النظام العام ، ونقاط بسط الأمن الشامل وغيرها من صور الأيام القاتمة.
(4)
بعد نجاح الثورة الكثير من المظاهر توحي بأن ثمة تغيير قد طرأ ليس في القوانين المنظمة لعمل الشرطة ، انما على عقلية الشرطة السودانية و سلوكها.
لكن ما حدث بالأمس الاول عندما خرج الناس في ذكرى النكبة 30 يونيو شيء مدهش .
الشرطي الذي ظلت صورته في ادمغة الناس كشخص غاضب بلا مبرر ، يضرب ظهور النساء والفتيات القاصرات بالسياط لا لشيء غير إرضاء غرور لص يتاجر بالدين ، يلهي الآخرين بالشعارات بينما هو منهمك في بناء القصور و العمارات و المضاربة بما نهب من الدولارات.
نعم تلك كانت صورة الشرطى، لكن ما حدث في يوم 30 يونيو الماضي أن الشرطة لم تكتفي بحماية المتظاهرين وتأمين المسارات أو تمتنع عن استخدام العصي و الهراوات فحسب، بل رأينا الشرطة تقدم مياه الشرب للمتظاهرين بوجوه باسمة مستبشرة .
بالتأكيد فإن شرطتنا ليست مصابة بالجنون ، إلا انها استدعت طرفة العنزة وصديقها اللدود.
د.حامد برقو عبدالرحمن
NicePresident@hotmail.com
///////////////////