زهير السراج .. إليك ملحمة الذراع الطويل

 


 

 

 

(1)

في أكثر من مناسبة ذكرت بأنني لم أنل شرف الانتماء لأي حركة من حركات الكفاح المسلح ، و ذلك لا لشيء غير أنني وجدت نفسي على مسافة واحدة منها جميعها ؛ فآثرت البقاء في الوسط حيث الخط الثوري العام و الذي تلتقي فيه جميع قوى الخير الوطني بشقيها المسلح و المدني.
و في مناسبة أخرى أكدت بأنني لن أقبل بأي منصب حكومي خلال الفترة الانتقالية. بذلك لا غرض شخصي لدي فيما أكتبه هنا او هناك غير الحرص على الوطن و إنسانه .

(2)
قبل أكثر من عقد عندما سألني الصحفي النابغة صلاح شعيب عن تصوري للقضية السودانية في دارفور ؛ قلت: (( لأزمة دارفور ابعاد ثلاث : سياسي – انساني – و وطني فهي في الاصل المرآة التي عكست الخلل في تركيبتنا السياسية و الانسانية و الوطنية – و الخلل في التركيبة الانسانية و الوطنية في الفرد السوداني يكمن في غياب التعاطف (المفترض) من قبل المواطنيين السودانيين العاديين تجاه اخوتهم من سكان المعسكرات –صحيح ان آلة الاعلامية لحكومة الانقاذ عملت على تشويه وجدان السودانيين منذ ان اخرجت الحرب الاهلية في الجنوب في قالب الحروب الدينية بين الاسلام و المسيحية و حرب بين العرب و الافارقة في دارفور لكن لا يعقل ان يكون تعاطف المواطن السوداني مع الفلسطيني او العراقي اكثر من اخيه السوداني في دارفور – و هذا ليس حباً في الفلسطينيين و العراقيين او كرهاً في اهل دارفور انما انفصام في التركيبية الانسانية و الوطنية في ذلك نوع من الافراد. و الجانب الانساني هو مدخل المجتمع الدولي – لذا اصبحت قضية عالمية بين يوم وليلة . قضية بتلك الأبعاد لا يمكن التعاطي معها بحلول موغلة في المحلية . هنالك خطوات لابد لكل طرف من القيام بها تمهيداً للسلام : اولا على الحكومة ان تطلق سراح ابناء دارفور الذين زُج بهم في السجون منذ عام 2000 بدعاوي المحاولات الانقلابية او الانتماء الي حركات دارفور او تحت مسميات اخرى – و اعادة الذين تم فصلهم من الخدمة العسكرية منها و المدنية الي وظائفهم. و على الحركات ان توحد الرؤية المطلبية لشعب دارفور بصرف النظر عن القبائل و الانتماءات الضيقة. عندما تتوفر تلك الاجواء يمكن الجلوس للتفاوض حول المرتكزات الاساسية للسلام و هي وقف الدائم لإطلاق النار ، إعادة بناء القرى المحروقة على اسس نموذجية تتوفر فيها سبل الحياة ، إعادة الاراضي التي انتزعت الي اصحابها، تعويض المتضررين ، مشاركة ابناء دارفور في الحكومة المركزية بقدر كثافتهم السكانية و عطائهم الوطني. و على المجتمع الدولي( و هنا اعني الدول الغربية ، الامم المتحدة ، الاتحاد الافريقي، مؤتمر العالم الاسلامي و الجامعة العربية) ان يدعو الي مؤتمر دولي للمانحين بغرض إعادة إعمار دارفور على ان يسلم امر صندوق المانحين للاتحاد الاوروبي مع تخصيص نسبة مقدرة من عائدات البترول و التي هي من نصيب الشمال لصندوق الاعمار)) إنتهى الإقتباس

(3)
الاخ البروفيسور زهير السراج لم ألتق به غير مرة واحدة بناد بضاحية العمارات بالخرطوم ، تصافحنا دون ان أعرّفه بنفسي (لعدم وجود مناسبة لذلك) ، ثم ذهب الاخ زهير الي دارفور برفقة بعض زملائه أبان ذروة الأزمة الإنسانية ؛ فتزامنت زيارتهم مع تواجدي هناك ، فأخبرني الأخ زهير هجو( أحد الاطباء بمستشفى نيالا) بأن الوفد يود اللقاء ببعض أبناء الأقليم ( دون تحديد الأسماء) لكنني اعتذرت بسبب مهمتي الأممية التي لا تسمح لي بمثل تلك اللقاءات الوطنية .
مع ذلك فإنني أكن الكثير من الإمتنان و التقدير لشخص الدكتور زهير السراج على نضاله المدني من أجل دولة الحرية و المواطنة خلال العقود الثلاث الماضية. حتى اصبح زبوناً لسجون النظام القمعي البائد.

(4)
منذ إنطلاق مفاوضات السلام السودانية بين حركات الكفاح المسلح و الحكومة الانتقالية في جوبا ، دولة جنوب السودان و إمتناع حركة أو اثنتين ؛ وجه الاخ زهير الكثير من النقد "غير المشفق" للعملية بأكملها.
ذلك من حقه طالما هو مواطن سوداني و صاحب رأي ، لكن و للأسف تطور الأمر الي سقف العداء السافر تجاه بعض مكونات حركات الكفاح المسلح.
أتفهم الإنحياز الايديولوجي من قبل السيد زهير تجاه الحركات الرافضة للمفاوضات ، كما احترم موقف تلك الحركات الباسلة ؛ لكن ليس من الإنصاف ان يقوم الاخ السراج بتجريد الحركات الثورية المنخرطة في المفاوضات من الثقل الجماهيري و العسكري ( بضربة الكيبورد) من داخل أحد المكاتب المكيفة بمدينة الخرطوم أو من كندا.

(5)
الذين ظهروا بأربطة العنق و البدلات الأنيقة في مفاوضات جوبا و الخرطوم هم أصحاب الكاكي و الكدمول ، الذين لقنوا قوات عمر البشير الانكشارية دروساً في البسالة في صحاري دارفور و صخور جبال النوبة و أدغال النيل الأزرق.
هم الذين إقتحموا خرطوم المخلوع عمر البشير في نهار الثامن من مايو عام 2008 بملحمة الذراع الطويل و التي ليس لها مثيل.
لو لا أمر الله لكان قد أراح جيش حركة العدل و المساواة الشعب السوداني من الكابوس الذي ظل جاثماً على صدره ، لكن مشيئة الله حالت دون ذلك ، لحكمة يعلمها رب العباد و البلاد.

كأصحاب رأي من الأفضل ان نفرح بأي بصيص أمل في السلام من شأنه ان يحقن دماء السودانيين.
و بذلك على الوطن أن يبتسم و يفرح لتوقيع أي اتفاق للسلام و لا أن يبكي !!.

د.حامد برقو عبدالرحمن

NicePresident@hotmail.com

 

آراء