عبدالله ( إبن عمتي) ، عمل قاضياً في السبعينات بمدينة بشرق السودان حيث تقطنها مجموعات من مختلف بقاع الوطن. في القرية المجاورة لتلك المدينة تم إتفاق غريب من نوعه بين رجل و زوجته - به يسمح الزوج لزوجته بصناعة الخمور على ان تدفع له نسبة من صافي الأرباح . إستمر الإتفاق بشكل سلس كما الكامب ديفيد بين مصر و اسرائيل( مصر التي من المفارقة تتذمر لأي تواصل بين الدولة العبرية و العرب أو الافارقة). لكن اغترب الزوج الي ليبيا البترولية ليعود بعد عامين . عند عودته طالب بنسبته "المشروعة" ، رغم أنه لم يحدث قط أن ارسل الي اسرته طيلة فترة غيابه. فما كان للزوجة المسكينة غير طلب بعض الوقت لتدبير المبلغ الذي تراكم بعامل الزمن( كما ديون السودان الخارجية). إلا أن الزوج رفض اي حل غير الدفع العاجل و غير المشروط. على إثره ذهب الي المحكمة حيث القاضي عبدالله ، إلا ان شكوته أصبحت وبالاً عليه و على أقرانه من الرجال في القرية و القرى المجاورة و بذلك أُنصفت الزوجة و مثيلاتها و للأبد. المجد لمولانا عبدالله بريبو و لجميع قضاة السودان "من غير الكيزان".
(2) بالأمس الأول جاء في الصحف و المواقع الإسفيرية السودانية بيان منسوب للجيش السوداني يخبرنا فيه شروع القوات المسلحة في فتح بلاغات ضد إعلاميين و ناشطين سياسيين بدعاوي الاساءة الي الجيش تحت مواد الجرائم الموجهة ضد الدولة و جرائم المعلومات و الصحافة و المطبوعات ( سنه) !. و الملفت ان قيادة الجيش أكدت سعيها عبر السبل القانونية لمحاسبة الذين اقترفوا الاساءات بحق الجيش ؛ وهو تطور ملحوظ في خطاب عسكر السودان.
(3) فور مطالعتي للبيان تذكرت قصة الزوج و الزوجة و ابن عمتي القاضي . هنالك معلومة مهمة ينبغي على قيادة الجيش ان تدركها و تستوعبها ؛ و هي ان الجيش جهة فنية مثلها مثل الاطباء بوزارة الصحة و المهندسون في الوزارات ذات الصلة المختلفة ، لذا يجب ان يأتمر بأوامر القيادة المدنية العليا للدولة. رغم انه غير منتخب من قبل الشعب بسبب أننا في فترة إنتقالية ، إلا ان الدكتور عبدالله حمدوك - رئيس الوزراء ، هو من يحق له إصدار الأوامر الي وزير الدفاع و الذي بدوره يمررها الي قيادة الجيش لتنفيذها كما جاءات (مع مراعاة الجوانب الفنية). إصلاح المؤسسة العسكرية يأتي في مقدمة الإصلاحات التي تنتظر الجميع لإعادة بناء الدولة السودانية. خطط و برامج و سياسات الإصلاح من صميم مهام القيادة المدنية القادمة و المنتخبة من قبل الشعب ، و بذلك ينحصر دور الجيش حول تنفيذ تلك السياسات و البرامج بإعتبارها الجهة الفنية و المعنية بالأمر. بل ان القيادة المدنية هي من تضع القوانين الرادعة لحماية الجيش من أي اساءة محتملة من قبل اي مصدر كان. و قبلها تؤمن الموارد المالية اللازمة حتى لا نرى أفراد جيشنا بأسواق الخضر و الغلال ، بينما أراضينا تحت الإحتلال.
(4) برغم ان البيان نفسه يمثل فصلاً من فصول الخراب الذي أصاب الجيش السوداني و خاصة خلال العقود الثلاث الماضية؛ و رغم أن فطام العسكر عن السلطة بعد رضاعة تجاوزت نصف القرن أمر عسير ؛ إلا ان اللغة التي بها كُتب البيان مؤشر على التعافي الذي بدأ يسري في جسد المؤسسات العسكرية بعد نجاح الثورة.
الذي يجب على القيادة العسكرية الحالية ان تفهمه ان الإساءة الي جيشنا تأتي من مصدرين أساسيين : اولاً من قبل الجيش المصري الذي يحتل حلايب و شلاتين بقوة السلاح. ثانياً من قبل المليشيات الأثيوبية و المدعومة من قبل الجيش الأثيوبي و التي تحتل الفشقة . و ليست من قبل الاعلاميين و السياسيين الحادبين على سلامة تراب بلادنا.
على جيشنا الذي هو منا و نحن منه ان يترك مزاحمة تجار الطماطم في سوق الخضر و اللحوم ، و ينأى بنفسه عن السياسة و يتجه لحماية ثغور البلاد حتى ينال إحترام العباد ، و قبله رضا رب العباد.