عُـمَـر عَـديْـل: هَوامِش على مَتْـنٍ غـائـب
مـفـتـتح :
إنّ في الدبلوماسية السودانية - لمن يُلاحظ- مُجايلة بين مختلف فئات السفراء والدبلوماسيين الذين التحقوا بوزارة الخارجية بعد عقدٍ من الزمان وآخر، منذ بدءِ إنشائها عام 1955، قبيل عام الإستقلال بأشهر قليلة. من طبيعة المهنة الدبلوماسية ، تواصل أجيالها تتابعاً وتداخُلاً وتفاعُلا. الجيلُ الأوّل المؤسِّس هو الذي تولى إنشاء وزارة الدبلوماسية في سنوات الخمسينيات من القرن العشرين ، ثم تلاه الجيل الثاني في الستينيات ، وبعده الجيل الثالث ممن التحقوا بمسيرة الدبلوماسية الرسمية في سنوات السبعينيات من القرن العشرين. هكذا توالت الأجيال عقداً إثر عقد، دون أن تنقطع أواصر التفاعل والتداخل والتواصل بين تلك الأجيال، حتى لتحار أن تجد حدوداً فاصلة بينها.
أقِـرُّ بداية أنّني مثل معظم أبناء جيلي الدبلوماسي- الجيل الثالث إذا قبلتم تفصيلي الجزافي للأجيال- لم نتعرَّف على سـفيرٍ محترمٍ هومن بين أميز سفراء الجيل المؤسس إسمهُ عمر عبدالحميد عديل. لم نتعرّف عليه معرفة مباشرة، وإنْ كنّا نسمع إسمه يتردّد كثيراً في الإذاعة، أونقرأ عنه في الصحف السودانية السيّارة في ذلك الزمان. أمّا في زمان الصحف الإلكترونية وقـنوات الفضائيات، فقلّ أن تجد لسيرته ذكرا. كنّا في صبانا في سنوات الستينيات من القرن العشرين، نسمع عنه كواحدٍ من أميز السفراء الذين مثلوا السودان في هيئة الأمم المتحدة ، ثم صار موظفاً دولياً بعد ذلك وعمل ممثلاً الأمم المتحدة في العديد من الدول العربية.
ينتمي السفير الراحل عمر عديل لذلك الجيل الأول الذي أسّس الدبلوماسية السودانية الرسمية . تلقى عديل تعليماً مُميزاً في كلية غردون التذكارية، ثم التحق بالعمل الشُّرطي وتدرّج فيه وتدرّب عليه . حصل على درجة في القانون بالمراسلة من جامعة بريطانية. بعد أن أنجز عملاً مهماً وحسّاساً يتصل باستلام العهد والملفات والأثاثات من مكاتب الحاكم العام بالقصر الرئاسي وتحويلها لمكتب الشئون الخاصة ، كلف بعد ذلك ليكون ضمن المجموعة التي شاركت في تأسيس وزارة الخارجية الوليدة. شهد على ذلك وكيل الوزارة بالإنابة آنذاك السفير خليفة عباس العبيد، حيث أشار إلى ذلك في كتابه "أشتات الذكريات" (2003م ، ص 172 ).
سعيتُ لأتحرّى عن تفاصيل السيرة الذاتية لعمر عديل ، ولكن لم يتسنَ لي إلا التوصل إلى نتـفٍ منها وبشقِّ الأنفس في التقصّي . علمت من صديقي الدبلوماسي كمال محمد عبدالرحمن كبيدة أن خبرة عديل كانت في عمله الشُّرطي، وإنه نال درجة الفنون بالمراسلة من بريطانيا, .
حدثني عنه صديقي الكبير الوفيّ عمر جعفر السَّوري ، المقيم حالياً خارج السودان منذ أمد بعيد، لكنه ظلّ قريباً منه بذاكرته الحيّة، يوافيني على الدوام بكتاباته الرائعة ، ملقياً الضوء الكثيف على أحداث وأحوال البلاد والسياسة في سنوات الستينيات وما بعدها. كتب صديقي عمر السَّوري شيئاً مختصراُ، لكنه وعد بالكتابة إليّ مفصّلا عن عمر عديل الذي يعرفه. غير أنّ مشاغل الدنيا حجبته عنّي، فما لاحقته ليفيدني بما عنده عن الرّجل. سأعرض فيما يلي فقرات وصفية إقتطفـتها من بعض رسائل وبعض شهادات ألقت ضوءاً على شخصية وسيرة السفير الراحل عمر عديل ، تفضّل بها ممّن عرفوه أو عاصروا أيامه دبلوماسياً وسفيراً في حين، أومندوباً عن الأمم المتحدة في أحايين أخر. أضفتُ إليها مقتطفات أخرى استلفتها من بعض رسائلِ أصدقاءٍ وكُتّابٍ وصحافيين، أستميحهم عذراً إن تعجلت الإفادة منها قبل أخذ الإذن منهم. ولي أن أعدّد أسماء من أخذتُ أطرافاً من شهاداتهم ومداخلاتهم من أصدقائي، فإنّي أذكر صديقيَّ عمر جعفر السوري وصديق محيسي، ومِن أساتذتي السفراء: سيد شريف وعثمان نافع وعبدالله عبّاس، ومن اصدقائي في المهنة الدبلوماسية السفراء عبدالمنعم مبروك وكمال محمد عبدالرحمن وعبدالحليم بابوفاتح والسفير مبارك حسين رحمة، ومندوب السودان الحالي (2020) السفير عمر صديق . ألقتْ إسهاماتهم من تعليقات ومداخلات، أضواءَ على سيرة الرّجل، وشكلت بعض هوامش على متون تجاربه ودفاتر مسيرته في حياته الدبلوماسية. لقد أفـدتُ كذلك ممّا ورد في بعض ما كتب الرّاحلون من سفراءِ الجيل الأوَّل والثاني في مذكراتهم وذكرياتهم، مثل ما كتب ونشر السفيران خليفة عبّاس العبيد وأبوبكر عثمان محمد صالح. لجميع هؤلاء وأولئك، أزجي كثير امتناني وتقديري لمساهماتهم الجليلة .
شكلتْ تلك المواد على قلتها كما أشرت ، هوامش على مَتـنٍ غائبٍ ، يظلّ استحضاره رهيـناً بما قد يتوفر من كتـاباتٍ خطّها السـفير الرِّاحل عمر عديل بقلمه عن تجاربه تلك. ربّما هي محفوظة عند أسرته الأم درمانية وأصهاره آل شبيكة ، أو هي محترزة عند إبنه الطبيب عبدالحميد عمر عديل المقيم في هولندا بلد والدته. أمّا وقد سعيتُ للتواصل معه قبل أشهر عديدة، فقد وافاني عبدالحميد مشكوراً ببعض صورٍ توثق طرفاً من نشاطات والده الرَّاحل في ردهات الأمم المتحدة : صورة له وهو يصافح الزعيم عبدالناصر وخلفه حسن الزيات مندوب مصر، وصورة له وهو يحدّث الملك فيصل وخلفه إبنه الشاب سعود في لباسٍ أفرنجي، ثمّ صورة له على مقعد السودان في الأمم المتحدة وهوالمندوب الدائم لبلاده.
على أن ذلك يبقى قليل القليل عن رحلة الرَّجل في ساحات الدبلوماسية . الأمل قريب أن تجد أوراقه ومذكراته لدى أسرته هنا في السودان أو في هولندا، طريقها ليعرف الناس، والدبلوماسيون خاصة، سيرة سفيرٍ مُميزٍ، كان رقماً ساطعاً في سماء الدبلوماسية السودانية، وهي في سنوات تأسيسها الأولى ، وأيضاً في سماء الدبلوماسية الدولية والجماعية .
هامش أوّل : ما كتب الأستاذ عمر جعفر السَّوري عن السفيرعمر عديل :
في مقالٍ لي نشرته في عام 2010 وسلطتُ فيه الضوء على أداء السفير الكبير عمر الشيخ وعن إسهاماته في الساحة الدولية، خاصة عمله مساعداً لممثل الأمم المتحدة ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق بيكر، لانجاز استفتاء في الصحراء الغربية ودولة البوليساريو المعلقة. كان ذلك ما حفز صديقي الأديب الصحفي الأستاذ عمر جعفر السَّوري ليكتب لي في تاريخ من أكتوبر عام 2010، كيف تذكر . . (ذلك الفارع الطول جسداً، طويل القامة إرثاً وعطاءً، أعني السفير عمر عديل. فقد انتدبته الأمم المتحدة إلى استفتاء "تاهيـتي"، إن اسعفتني الذاكرة. أدّى المهمة خير أداء فكانت مثالاً يُحتذى، لكنها جلبت له مشاكل جمَّة ومصاعب لا حصر لها من جهات قادرة - قد نتطرق إلى تفاصيلها فيما بعد. .).
ولعلّ صديقي عمر السَّـوري لم يجد السانحة ليحدثني بتفصيل عن مهمّة السفير عمرعديل في ذلك الإستفتاء الذي كلفته به أمانة العامة للأمم المتحدة، والذي قال عنه الأستاذ عمر السوري أنه أنجزه بما جعل منه مثالاً يحتذي. إلا أن هامشاً جاءني من صديقي الدبلوماسي كمال محمد عبدالرحمن ، موضحاً أن السفير عمر عديل كلف بالإشراف على استفتاء في جزر "كـوك"، وليست "تاهيتي" التي قال عنها صديقي عمر السوري وهو يكتب لي رسالته من الذاكرة. .
هامش ثاني: عمر جعفرالسوري مُحدثاً عن بعض أيام السفير عمر عديل في العراق:
(. . رأيته أيضاً في بغداد في بداية السبعينيات. كان هو الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة بالعراق. يومذاك كان السودانيون يقودون جميع برامج الأمم المتحدة هناك . كان الوزير محمد داؤود الخليفة على رأس مكتب منظمة الزراعة والأغذية ، والرّاحل الدكتور صلاح نوح، كبيرالخبراء الزراعيين، ومديراً لمعهد التكنلوجيا الزراعي أيضا، والبروفسور أمين الكارب، مديراً للمشروع الاقليمي للإنتاج الحيواني، وغيرهم كثير. كان السودانيون في بغداد يومئذ، إمّا من تلك القماشة الفاخرة، أو طلاباً ينهلون العلم بجدٍ في جامعات العراق ومعاهدها. أذكر أن الوزير محمد داؤود الخليفة استضافنا (أنا والرّاحل الجهبذ عوض برير)، وكنا قد جئنا إليها قبل أيام قليلة ، ودعانا إلى إفطار وغداء عيد الأضحى، الذي أمّه تقريباً جميع السودانيين في بغداد، من طلاب وموظفين دوليين. ثم انتقلنا إلى منزل الدكتور صلاح نوح، نمضي الوقت في أنس حتى وقتٍ متأخر من الليل.
يواصل صديقي عمر جعفر في رسالته حكاية جرتْ للسفير عديل مع الرئيس جعفر نميري يوم زار بغداد أواسط السبعينيات من القرن العشرين :
( . .يوم جاء نميري رئيس السودان وقتذاك في زيارة رسمية للعراق، وهبطت طائرته أرض المطار، تلفت الرئيس أحمد حسن البكر فلم يجد السفير السوداني من بين المستقبلين. جاءه الخبر اليقين بعد قليل، أنّ طلاباً سودانيين يحتجزون السفير، بعد أن اقتحموا السفارة. كان موقفاً عصيباً للعراقيين، ما استطاعوا تحاشيه. هُرعت قوات الأمن العراقية لتعتقل الطلاب المقتحمين، (لعل تلك الحادثة هي التي أوحت إلى الطلاب الإيرانيين باقتحام السفارة الاميركية واحتجاز الدبلوماسيين الاميركيين قبل مطلع الثمانينيات بقليل)، وأفرجت عن السفير وطاقم السفارة. ظلّ عمر عديل يزورهم في معتقلهم كلّ يوم، ويبعث إليهم بالطعام والسجائر وغيرها بلا انقطاع، كما انقطع عن زيارة البكر الذي كان يوده ويقدره كلّ التقدير، ويجتمع اليه كلّ أسبوع، احتجاجاً على استمرار احتجاز ابنائه من الطلاب السودانيين. أحجم السفير عديل عن زيارة الرئيس حتى يفرج عنهم.. وقد كان. .!! )
هامـش ثالـث: صديق محيسي : عن مواجهة بين عديل ونميري في بغداد:
يحكي صديقي الأستاذ الصحفي الكبير صديق محيسي في كتاب يعدّ لنشره عن ذكرياته في مهنة الصحافة ، عن زيارة الرئيس نميري لبغداد في عام 1975، والتي حدثني عنها صديقي عمر جعفر في رسالته سالفة الذكر. يقول الأستاذ صديق محيسي أنّ القيادة العراقية احتفتْ بزيارة الرئيس الأسبق جعفر نميري أيّما احتفاء. حين أقام السفير السوداني حفل عشاء دعا إليه عدداً من كبار السودانيين العاملين في المنظمات الدولية في بغداد. أسهب الأستاذ صديق في سرد تفاصيل المواجهة التي سمع أنها وقعت للسفير عديل مع الرئيس نميري في ذلك الحفل . ذكر أن السفير عمر عديل كان حاداً في مخاطبته الرئيس نميري، ولم يُبـدِ احتراماً يليق بالرئيسين البكر ونميري . أحدثتْ المشادة صخباً لفت الأنظار، واضطر السفير عديل على الانسحاب من الحفل، نزولاً على رغبة صاحب الدعوة سفير السودان. لأن الأستاذ صديق محيسى والأستاذ حسن الطاهر زروق والأستاذ عوض برير، لم يلبوا الدعوة، فإن ما جاء من تفاصيل منقولة عن شهود آخرين هم طرف ثالث ، يجعل القبول بصدقية السّرد أمراً متعذّراً بعض الشيء. .
هامش رابع: عمر السَّوري: عن عمر عديل في سوريا. .
يواصل صديقي عمر جعفر السَّوري حكايته عن السفير عمر عديل فيحدّث في رسالته لي بتاريخ أكتوبر 2010، أنه التقاه في دمشق التي انتقل إليها أيضاً، ممثلاً للأمم المتحدة ، مقيماً. كان صديقي الصحفي عمر جعفر السَّوري وقتذاك، يشغل منصب نائب الأمين العام لاتحاد الصحفيين العرب الذي مقره دمشق. كتب لي ما أورده لك أدناه:
(. . أظنّ أنّ تلك كانت آخر مهامه . يوم جاء "كورت فالدهايم"، الأمين العام للأمم المتحدة وقتها إلى سورية، لتفقد قوات "الإندوف" (قوات الامم المتحدة لفصل القوات المتحاربة)، كنتُ في باحة المطار مع المستقبلين والصحافيين. كان عديل هو كبير قوم الأمم المتحدة المقيمين في دمشق. لم يهرع إلي الأمين العام، بل انتظره إلى جانبنا. رغم طول "فالدهايم" الفارع وحضوره القويّ، إلا أنّ السـفير عمر عديل، كان أطول قامة وأكثر مهابة، وهو الوحيد الذي صافحه "فالـدهايـم" بحرارة ووقف معه طويلاً، قبل أن يصحبه وزير الخارجية السٌّوري إلى قاعة الشرف. ذلك هو السفير المهيب عمر عبدالحميد عديل. . ).
هامش خامس : كمال محمد عبدالرحمن : عن عمر عديل :
وافاني صديقي السفير كمال عبدالرحمن كبيدة بمداخلة مُهمّة عن الراحل عمر عديل أوردها أدناه:
( .. إلتحق عمر عديل بوزارة الخارجية عشية الاستقلال، ويبدو أنه قد عمل بإحدى السفارات السودانية قبل تعيينه وزيراً مفوضا في روما خلفاً للسفير صادق أخمد مصطفى. بعدها عمل مندوباً دائماً للسودان في المنظمة الدولية في نيويورك، خلفاً للسفير يعقوب عثمان، منذ عام 1959 وحتى عام 1964. طاله سيف التطهير بعد ثورة أكتوبر 1964، قام الأمين العام يو ثانت بتعيينه على الفور موظفاً رفيعاً في هيئة الأمم المتحدة. أشرف السفير عمر عديل على انتخابات جزر "كـوك" في عام 1965 ، وقد كانت تحت وصاية نيوزيلندا، ونالت بعدها حكما ذاتيا مع احتفاظ الجزر بروابط مع نيوزيلندا. على أيامه في مندوبية السودان في الأمم المتحدة، كانت له صولات وجولات في اللجنة السادسة القانونية وتميز بقدراتٍ قانونية فريدة. كان مع عمر عديل وقتها "أمار سينغ" مم المتحدة في ذلك الزمان الوضيء. عملت مندوباً للسودان في اللجنة السادسة القانونية في عام 1982 وما تلاها من أعوام، فوجدت القدامى من أعضاء السكرتارية يتذكذرون بكثير من التقدير والاحترام قدراته القانونية وإبانته اللغوية وأناقته المتفرّدة. هو من الأفذاذ الذين أرسوا أساس خدمة السودان الدبلوماسية وهم فئة من أهل الألسن والحجى، جعلوا رفعة السودان وأهله همّهم الأول ، خدموا بشرف وأمانة وحافظوا على إسم السودان خفاقا. .).
هامش سادس: مداخلة من السفير عثمان نافع عن السفير عمر عديل:
(إن السفير عمر عديل جاء منقولا من سفارة السودان في روما إلى نيويورك ليخلف أول مندوب للسودان في الأمم المتحدة السفير يعقوب عثمان. ويرجّح السفير نافع في مداخلة مهمة في منتدى "دبلوماسيون مع الثورة" بتاريخ 3 سبتمبر 2020 أن السفير عمر عديل ظل مندوبا للسودان في المنظمة الدولية طيلة سنوات الحكم العسكري الأول الذي رأسه الفريق ابراهيم عبود. ربما لهذا السبب عدّ من سدنة نظام الفريق عبود الذي أسقطته ثورة أكتوبر في عام 1964، فأحيل إلى التقاعد هو والوكيل الدائم لوزارة الخارجية السيد محمد عثمان يس. بعدها جرى تعيينهما في الأمانة العامة للأمم المتحدة ، فكان عمر عديل ممثلاً للأمم المتحدة في العراق وسوريا . .)
هامش سادس: السفير مبارك حسين : من مناقب الراحل في الأمم المتحدة :
كتب السفير مبارك حسين رحمة معدّداً بعض مناقب السفير عمر عديل في الأمم المتحدة :
(..في تقديري أن أهم أدواره كان في اعتماد القرار التاريخي للجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 ، وهو القرار الذي أفضى إلى تصفية الاستعمار ونيل الدول التي كانت ترزح تحته استقلالها ،(...) كلّ من عمل في بعثتنا بنيويورك خلال تلك السنوات يذكر التمجيد الذي حظي به السودان في النضال الدبلوماسي من أجل تصفية الاستعمار في أفريقيا. وقد كان لدبلوماسيينا الذين واكبوا ذلك النضال القدح المعلى في أروقة مجلس الوصاية واللجنة الرابعة للجمعية العامة وقد كانت قمة هذا النضال خلال فترة الوزير الأسبق أحمد خير . .)
هامـش سـابع : بعـد الرحـيـل :
(1) في أواسط سبعينيات القرن العشرين، كان صديقي السفير عبدالمنعم محمد مبروك يعمل في سفارة السودان في سوريا ويشغل فيها وظيفة السكرتير الثالث. كتب لي بتاريخ 30 سبتمبر2018 عمّا حفظت ذاكرته عن وفاة الراحل عمر عديل ما يلي :
(. . كنتُ في درجة السكرتير الثالث في سفارتنا بسوريا ، عند وفاة المرحوم السفير عمر عديل في دمشق.كان رجلاً كريماً ومضيافاً وكانت وفاته مفاجئة ، تقريبا في النصف الثاني من السبعينيات . قمتُ وبحضور مندوب من مكتب الأمم المتحدة بحصر تركته، ووثائقه عن تجربته الدبلوماسية ، خصوصاً في الأمم المتحدة التي كاد أن يتسنّم خلالها رئاسة الجمعية العامة، مثلما سمعنا. من ضمن تلك الوثائق ، بعض التقارير عن مهام أنجزها وبعثات قادها ، ممثلاً للأمم المتحدة، وقد سلمناها جميعها لأسرة زوجته، وأرسلنا بعضها للإدارة القنصلية في الوزارة ، وبقية الوثائق سلمناها لشقيق زوجته الوليد مكي شبيكة. كان المرحوم عديل وقتها ممثلا ًللأمم المتحدة في سوريا، وقبلها في العراق، وأكتسب سمعة طيبة كموظفٍ دوليٍّ بارز ومتمكِّن في المنطقة ، رحمه الله رحمة واسعة، ونسأل الله أن تتنبه الأسرة لنشر تراثه ، وربما مذكراته، قبل أن يطويها النسيان، وأعتقد أنه من الضرورة بمكان إيلاء جهدٍ لحصر وثائق ومذكرات الرّعيل الأول من السفراء والدبلوماسيين، والتي أثق بأنها تحتوي علي معلومات لا تقدّر بثمن. .).
(2) أضاف السفير عبدالحليم بابوفاتح على ما كتب السفير مبروك، ما يلي:
(. . أخي السفير منعم ...لي معرفة لصيقة بإبن المرحوم السفير عمر عديل وهو اختصاصي طب أطفال إسمه عبد الحميد من زوجته الهولندية ، وتعرّفت عليه في هولندا وطبعاً والدته هولندية لكنه متمسك بسودانيته أكثر وقد اطلعني علي أرشيف المرحوم والده الذي يعتني بِه عناية خاصة، ولقد عرضت عليه المساعدة في إصدار كتاب يحوي بعضا من صوره ووثائقه ذات القيمة التاريخية، وقد تحمّس للفكرة إلا أنه انشغل بمرض زوجته السودانية الأصل إلى أن توفاها الله موخرا ًولقد كانا في زيارتنا هنا قبل وفاتها ومازال متحمساً للفكرة، وسأطرق بابه مرة ثانية وأفيدكم ..)
عبدالحليم بابو فاتح ، بتاريخ 30/9/2018
(3) أضاف السفير سيد شريف في سبتمبر 2018 عبارة حملت تقديراً كبيراً للراحل عمر عديل ، فقد كتب :
(السفير عمر عديل رجل عظيم كان مندوبا للأمم المتحدة في بغداد وعاشرناه مدة طويلة مع اخي السفير ابرهيم أيوب، وسبقنا الأخ السفير علي قيلي، وكانت للسفير عديل مكانة خاصة عند العراقيين، ورفض الرئيس صدام تغييره ولنا معه ذكريات .ربنا يتلطف بيه..)
السفير سيد شريف
خـاتــمــة:
تلك محض هوامش وملاحظات عابرة عن سفيرٍ مُميّزٍ ، لهُ بصمة حاضرة في الدبلوماسية السودانية ، مثلما ترك بصمة حاضرة في الدبلوماسية الجماعية إبان تكليفه بمهام دولية في الأمم المتحدة، ، ثم تمثيله للأمين العام لهيئة الأمم المتحدة في العديد من البلدان العربية.
لعلّ في تحريري هذه المادة المقتضبة، ما يحثّ أسـرة السفير الراحل عمر عبدالحميد عديل لنفض الغبار عن أوراقه ومذكراته ، فهي جزءٌ مُضيءٌ من تاريخ الدبلوماسية السودانية الذي ينبغي رصده وتوثيقه .
أمّا ما اقترحه لوزارة الخارجية هنا، فهو أن تستكتب كبار السفراء وفيهم من عاصر أواتصل أو له إلمام بأدوار الرّعيل المؤسّس، ليقدموا سلسلة من المحاضرات التعريفية عن منجزات ذلك الجيل وأدوارهم في بناء الدبلوماسية السودانية . ذلك أقل الوفاء المستحق تجاههم، إذ لا تقف الشجرة إلا على جذعٍ متين.
أسمع عن قاعة للإجتماعات في وزارة الخارجية فأسأل- عفو الخاطر- أين قاعة بإسم عمر عديل أو محمد عثمان يس، أو جمال م.أحمد، أو فخرالدين محمد. . مثلاً. .؟
الخرطوم- 6 سبتمبر/أيلول 2020