لماذا توجست الإدارة البريطانية خيفةً من مدينة عطبرة؟
كُتب الكثير عن عطبرة " أتبرة" وسكك حديد السودان التي ارتبطت بنشأتها عام 1906م ، ودورها في الحركة الوطنية والنقابية والسياسية والاجتماعية والثقافية، والتي لعبت دورا مهما في ثورة 1924 ، ونشأة هيئة شؤون العمال بالسكة الحديد 1946، وفي معركة الاستقلال، وفي ثورات اكتوبر 1964 ، وانتفاضة مارس – أبريل 1985 ، وثورة ديسمبر 2018، الخ، كما ضمت قبائل وشعوب مختلفة وحدها وصهرها العمل والنقابة والنادي والرياضة والجمعيات التعاونية والزاوية والمقاهي، أي الحداثة والحياة العصرية ، وساهم العمال الأجانب " مصريون، يونانيون، أرمن، الخ" في ادخال الوعي بأساليب العمل النقابي من تنظيم واضرابات، التي جاءوا بها من يلدانهم . الخ ، ما كُتب علي سبيل المثال لا الحصر:
- د. عثمان السيد محجوب : الآثار الاقتصادية والاجتماعية لسكك حديد السودان ( 1896 – 1970).
- د. الناصر ابوكروق : مدينة عطبرة ودورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي منذ نشأتها وحتى عام 1948 ، رسالة ماجستير من جامعة ام در مان الاسلامية.
- د احمد العوض سكنجة : عطبرة مدينة الحديد والنار : تاريخ اجتماعي لمدينة هبة للسكة الحديد ( 1906 - 1984 ) " بالانجليزية" ونتمنى أن يترجم الى العربية.
- أما كتاب على محمد بشير موسي : تاريخ نقابة عمال السكة والحركة النقابية في السودان ( 1906 - 1961 ) والصادر عن دار عزة للنشر 2006 ، فقد غطي جانبا مهما في تاريخ عطبرة.
- كما غطي بحث تاج السر عثمان بعنوان : خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية ( 1900 - 1956 ) ، والصادر عن الدار العالمية للنشر 2006، جانبا من تاريخ عطبرة.
- هذ اضافة لمذكرات القادة النقابيين مثل :الحاج عبد الرحمن: ملامح من تاريخ الحركة النقابية الخرطوم 2001 م ، والطيب حسن : عن الحركة العمالية والصادر عن دار جامعة الخرطوم للنشر 1989 .والتى غطت جانبا هاما من تاريخ الحركة العمالية في عطبرة ونشاة الحركة النقابية وهيئة شئون العمال.. الخ.
منذ نشأة مدينة عطبرة توجس الإداري البريطاني ه.س. جاكسون خيفةً منها بحكم موقعها كمركز للسكة الحديد وتجمع لورش ضمت أعداد كبيرة من العاملين، وعندما نشأت المدينة مع السكة الحديد، كان هناك اقتراح بأن تكون عطبرة عاصمة المديرية الشمالية دعمه جاكسون ، لكن الحكومة رفضت نقل العاصمة الي عطبرة من الدامر ، وكتب جاكسون تقريرا عام 1926 جاء فيه :
أشار الي أن " الدولية الثالثة قد اختارت أتبرة كأنسب مكان لنشاطها في كل شمال السودان، وربما السودان كله ، وكان جاكسون يرجح أنه من "أتبرة" فقط ، يمكن تنظيم أي نشاط ثوري بلشفي بكل سهولة ، لأنها القلب النابض الذي يمكن أن ينتشر منه ذلك النشاط ، حيث تتفرع منها خطوط السكة الحديد الي بقية أنحاء السودان كما تتفرع الأوردة والشرايين من القلب الي بقية الجسم ، ولأن بها مجموعة من العمال من أعراق مختلفة منها الأوربية والأجنبية داخل ورش السكة الحديد في " أتبرة" يُعتقد أنها متشربة ومشبعة بالدعايات والشعارات الثورية البلشفية، وهي عناصر تضم عمال بريطانيين ويونانيين وبلغار واتراك وروس وسوريين ، بجانب العمال السودانيين.
وهذا وضع يمكن لأي نشاط شيوعي بسهولة من نشر الأفكار الشيوعية الخطرة ، هذا في تقدير جاكسون يُنذر بعواقب خطيرة لوضع السلطة البريطانية في البلاد قاطبة".
( راجع: الناصر عبد الله ابو كروق: مدينة عطبرة دورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي منذ نشأتها حتى سنة 1948 ، ص 42).
رغم أن تقرير جاكسون هوّل بشكل كبير من الأثر الخارجي ، وقلل من أهمية الفهر الاستعماري، و الظلم والاستغلال الفظيع للعاملين ونهب فائض عملهم وثروات البلاد ، وتصدير الأرباح للخارج، عندما أبقي علي التخلف وكرّس التبادل غير المتكافي، بتحويل البلاد لمصدر للمواد الخام وبشكل أساسي القطن لمصانع لانكشير، ومستوردا للسلع الرأسمالية، الا أن تطورات الأحداث قد أكدت صحة تقديره ، فقد شكلت عطبرة خطرا علي السلطة الاستعمارية ، وساهمت في اسقاطها، وكذلك كل الأنظمة الديكتاتورية التي جاءت بعدها.
alsirbabo@yahoo.co.uk