وصلت بنا ثورة ديسمبر الظافرة إلى المؤتمر الاقتصادي الجامع.. فلندع (اللولوة) والتشاؤم جانباً.. فهذا يوم من أيام الثورة المشرقات نودع فيه اليأس وإشاعة القنوط ونتجّه بقلوب وعقول مفتوحة للتداول الحر الحي العلمي والموضوعي حول قضايانا الاقتصادية.. وفي ظهرنا موارد السودان العميمة التي يمكن أن تجعل من السودان (ولايات متحدة في عالم الجنوب) وصنواً للدول الكبرى بل بما يتفوّق عليها من تنوع الموارد ووفرة الأرض والمياه والثروات في باطن الأرض وظاهرها وتنوّع المناخات..وقلْ ما شئت في المعادن النفيسة والمستخرجات السائلة والصلبة وتحدث ما شئت عن الغابات والسهول وجواهر الصمغ المخبوءة في الهشاب والطلح والسنط والاكاسيا وثروة الأنعام من كل ماشية وثاغية وراغية من ذوات الظلف والخُف والحافر.. ومن النباتات الطبية والعطرية والمحصولات العزيزة وحبوب الطعام والزيت التي يتكأكأ حولها برنامج الغذاء العالمي.. ثم عرّج على موقع السودان الجغرافي قبل أن تنظر إلى ثروته الأبقى والأنفس المتمثلة في إنسانه الذي زلزل الأرض تحت أقدام (الفئة الباغية) التي دمّست ليل الوطن وأغطشت ضحاه فألبسها الله (ثياب الذل) ووصمها بعار الأبد..!! ونقول في استهلالة هذا المؤتمر كما يقول اليمني عبد العزيز المقالح (لا بد من صنعا وان طال السفرْ ..سيثور في وجه الظلام صباحها..حتماً ويغسل جدبها يوماً مطرْ)..وكأن المقالح يعني بالظلام الإنقاذ فهما صنوان..! والمؤتمر الاقتصادي (عتبة مفصلية) نخرج بها من التخريجات العقيمة إلي المشاركة الناجزة..فهذا أوان مفارقة والتخمينات والرجم بالغيب والتشطر بالحديث (من الرصيف) والملاومة بعدم المشاورة..فالاقتصاد (علم أرقام وحيثيات) وليس من علوم الزايرجة والتنجيم و(الحبة السوداء) والطلاسم ومجرّبات الديربي وضرب الرمل والودع.. فالسودان (ليس مكتوب له عمل) وإنما كان يمسك بخناقه عصبة من الأشرار..وما قاله عمنا العمرابي كان من باب شكوى الغرام ولم يكن يعني الاقتصاد السوداني عندما استطلع حظوظه: (شوف الخيره يا رمالي.. أظن كاتبني عِن عمالي).. لقد انتهى عهد إدارة الاقتصاد على طريقة الإنقاذ فهي لم تكن تدير الاقتصاد إنما كانت (تدير السرقات) وتسعى إلى خلخلة أركان الاقتصاد بكل ما أوتيت من سوء النية والطوية والنهم للنهب..وكان عهدها عهد تخريب الاقتصاد وإيكال شؤونه لمنظومة الجهل والخيانة من أيامه الأولى التي بدأت بتفكيك أواصر مؤسسات الرقابة وتهيئة الميدان لعجائب السرقات التي ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ ولا خطر على بال أعتى عصابات (آل كابوني) ومافيا صقلية..!
بداية مشرقة للمؤتمر الاقتصادي تضع (الحصان أمام العربة) والجرح في انتظار البلسم وتكشف عن قوة السودان الاقتصادية التي لا يرضي فيها حتى بحظوظ كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة.. وكان المرتجي أن يسبق السودان (نمور آسيا) في النهضة ولكنها الانقطاعات والتربّصات التي عاشها منذ الاستقلال ومعها غفلة الديمقراطيات.. ومع أن كل اللوم على عهود الطغيان والتجبّر والانقلابات التي سبقت الإنقاذ فإن الإثم الأكبر هو ما فعلته الإنقاذ بمقدرات البلاد..!! الآن جاء وقت إعادة القطار إلي القضبان..ولن نسمع بعد ذلك لبعض الذين كانوا يطلون علينا في الفضائيات ويلبسون طيلسان ادم سميث و وجون كينز وكارل ماركس وألفريد مارشال ويشيعون الإحباط وبعضهم كان يتحدث بلسان الانقاذيين الذي يريدون أن يطفئوا نور الثورة بأفواههم والله يأبي إلا أن يتم نوره.. ولو كره الفلول..!