القصيدة والأغنية في حالة كونهما وثائق تاريخية!.

 


 

حسن الجزولي
17 December, 2020

 


نقاط بعد البث

هناك من لا يعجبه العجب، فلا يتردد في الاعتداء على أي نص شعري أو غنائي بمزاجه هو، وفرضه فرضاً متعسفاً، ضارباً عرض الحائط بقدسية النص وأنه يعد ضمن الوثائق التاريخية التي لا يجب المساس بها كيفما اتفق!.

هذه الظاهرة برزت بكثرة في الميديا الحديثة، بحيث يقدم أحدهم ـ وغالباً ما يكون من جماعات الاسلام والهوسي الديني ـ بسنسرة جزء معين من "كوبليه" غنائي ليس لشئ سوى أن كلمة "خمر" قد وردت في الأغنية بشكل من الأشكال، كذا الأمر مع القصيدة أياً كانت، وقد شهدت سنوات الانقاذ المخلوعة والتهريج بشعارات "التوجه الحضاري وإعادة صياغة إنسان السودان" أن أقدم حراس "الفضيلة" على الاعتداء على كثير من النصوص الأدبية والغنائية الجميلة لهذا السبب أو ذاك!.
فقد بدأوا بمكتبة الاذاعة السودانية عندما سيطر عليها "دعي" من أمثال الطيب مصطفى فأوقف عدداً من الأغنيات التي تحمل إشارات لها علاقة بالخمر والسهر ووصف المحبوبة، أشهرها قصيدة "ليل وخمر وشفاه" لشاعرها الراحل الفذ حسين عثمان منصور، وزوروا بعض كلماتها بواسطة "أديبهم النحرير" فجاءت "يا رواة الشعر من عهد الرشيد" بدلاً عن " يا سقاة الكأس من عهد الرشيد"!.
وكذا أحدثت متصفحة بالفيس بووك على صفحتها تلفيقاً في أغنية "مريا" لشاعرها صلاح أحمد إبراهيم والتي جسد فيها روح الثقافة والميثالوجيا الإغريقية تمجيدا لملهمته "الإيطالية ماريا"!. حيث امتدت يد التشويه لأحد اجمل مقاطع القصيدة لتستبعد ( احتسي خمرة باخوس النقية) لتفرض فرضاً نص محرف تقول فيه ( وانا في ذروة الإلهام بين الملهمات)!. ولأن حسهم متدني لاحط درجة في معاني الإمتاع وهو غاية تذوق الادب الرفيع، فلم يفطنوا لاخطر ما ورد من فصيح اللغة في هذه القصيدة البديعة، تركوه وانتبهت آذانهم التي فيها وقر لكلمة خمرة باخوس فقط والتي تحسسوا منها!. و"باخوس" المعني في القصيدة الجميلة هو إله الخمر عند الاغريق، لا أكثر ولا أقل!، مما يعد تحريفا وعدم أمانة واعتداء فظ وغير لائق على وثيقة تاريخية دون وجه حق. وبذا فقد وجهوا بذلك إهانة بالغة لمؤلفي تلك القصائد!.
ويبدو أن الأمر انطبق أيضاً على مطربين سودانيين كبار، حيث شاركوا في مثل هذا التشويه لأغنياتهم التي أنتجوها بإبداعهم هم، تلحيناً وآداءاً، فتلقفه قطاع واسع من مستمعيهم ومعجبيهم!، إنه لأمر مؤسف أن يفعل ذلك فنان في قامة حمد الريح عليه الرحمة في أغنيته "مريا" أو في قامة الفنان الكابلي مع أغنية "ما هو عارف قدمو المفارق" عندما كف عن الاشارة لمقطع البيت الشعري الذي يقول فيه شاعرها "خليل فرح " يا جميل يا نور الشقايق أملا كاسك واصبر دقايق"!، ولا نعلم لماذا شاركا في ذلك بعد أن كانا يقدمان هذه الأغنيات دون تعديل ولسنوات طويلة!.
وفي الرواية والأدب، فقد إعتدوا على رواية "موسم الهجرة للشمال" التي تعد ضمن الروايات العالمية، فمنعوا تدريسها في الجامعات السودانية، ليصف مؤلفها الطيب صالح مثل هكذا فعل بأنه لا يمكن أن يصدر إلا من مجموعة مجانين!.
إن هذا التلفيق والتزوير ومحاولة طمس معالم مثل هذا المنتج الابداعي، إنما يعد ضمن إعتدائهم في الأساس على مساحات الديمقراطية والحريات العامة، استهدافاً لمعاني الدولة المدنية!.
ويبدو أن ذلك مخطط مدروس للتربص بموروثنا الإبداعي السوداني دون وجه حق. فلا بد من النتباه له وكشفه والوقوف في وجهه وإيقافه في حده كمسخرة لا تليق!.

hassanelgizuli@yahoo.com

 

آراء