كان فضا وافراغا للثورة: لنحقق أولا في هواننا على أنفسنا

 


 

 


في انتفاضة الأمة المباركة وثورة ديسمبر التي هانت دون نجاحها المهج والأرواح ، بذل شبابنا دماء عزيزة سالت على الأرصفة. لقد قدر لي أن أكون من الذين شاهدوا بقاء الدماء على تلك الأرصفة التي بدت لي يومها كمذبح تاريخي قديم تراكمت عليه نضالات أمتنا منذ الأزل. هناك حيث حل الفرح مكان الخوف من المنون وتقاطرت الجموع تقاطر الفرحين بحضور عرس. لم يكن احتشادهم أمام القيادة نجاسة واجبة الغسل حتى يتم فضها ولا إساءة لحرم الجيش أو الجندية وانما اظهارا لأن السلاح لا يقهر ثائرا ولا يخيفه فيما لو تجرأ ذلك السلاح أو حاول أن يلعلع في وجوه الثائرين.

2
الجهاز العسكري الذي يعرف بالمكون العسكري في مجلس السيادة، وكما لا يخفى على أحد، كان حارسا للنظام السابق تكتيكا ومناورة وتخطيطا. كانوا مثلما هم الآن عندما اندلعت الثورة ممسكين بزمام الأمر كجزء من النظام الحاكم وفي وطن لا يجد المرء فيه فرصة للبكاء أو الضحك، صاروا جزءا من السلطة مسيطرين على محصول الثورة عندما اقتحم الشعب بوابات القيادة العامة وفتح مصاريعها بدماء أبنائه فلم يكن أمام قيادة الجيش العسكرية سوى أن تستكين للطوفان العارم فيما بدا للكثيرين أنه انحياز لثورة لم يفكروا في القيام بها على نظامهم الذي جثم على صدر الأمة ردحا من الزمن. لقد عايشت تلك الأيام داخل الوطن لا "متلصقا " بنافذ أو مستوزرا أو مستوردا كسلعة منتهية الصلاحية لوزارة أو وكالة وزارة كصخاب اسفيري دخل الى السلطة من بوابة نجوم السعد والحظ وتوفر اليد العليا النافذة تلك أيام تصدرت فيها تصريحات الكباشي القنوات مبررا القتل الذي تم وهم الذين آلوا على أنفسهم حسب زعمهم دعم الثوار لا قتلهم . حاول التذاكي على البواكي من الآباء والأمهات متحدثا عن سعة صدر الجيش(قالو الجيش إذا قلت ليه أوف حيجري) وكأن قوات الشعب في نزال مع الثورة. كأن الهم الثوري وقتها أنحصر في منع التواجد أمام القيادة وتنظيفها من الجموع التي ألهمت الثورة تقواها لا فجورها . أذكر أن أحد الكتاب تساءل قائلا...إذا كان الجيش صادقا فيما سمى بالانحياز للثوار فما الذي كان يمنعه من الثورة على ألانقاذيين بدلا من الاستمرار كصمام أمان لبقائهم وتقوية يدهم الباطشة؟

3
كان فض الاعتصام فضا للثورة وافراغ لها من وهجها الوطني ومقاصدها الخيرة نحو التنمية والديمقراطية .إنني أعجب لمحاولات تغييب ومحو الذاكرة الوطنية في عصر أصبحت فيه التقنية متاحة لحفظ الذاكرة فمرت تصريحات الكباشي بكل ما فيها من ابانات ، مرور الكرام لعدها لم يكن الامر في حاجة للجنة تحقيق وانما محاكمات فتم كما يقول المثل الانجليزي كنس القذارة تحت البساطsweeping the rubbish under the carpet. في وتيرة سريعة أحسن تقليب صفحاتها أو ضغط زر التشغيل لتلك المكنسة قادمون من عواصم بعيدة ومحاسيب وحزبيبن وأقارب أتوا من هنا وهناك ، من هنا وهناك ومنهم من بلغ من العمر عتيا يريدون عمرا مزازيا في الوطن دخولا من بوابات المحسوبية وادعاء ثورية ما سمعنا بها الى دهاليز السلطة والحكم. كانت تلك التصريحات الساذجة كافية لاستمرار لهب الثورة والقصاص لمن قتل أو سحل. لقد ظلت أمتنا تشهد منذ اندلاع الثورة جرائم القتل والترويع والتجسس دلالة على أن من بيدهم مقاليد الحكم هم الذين يقومون بذلك أو مسئولين عنه بما يستوجب عدم استمرارهم تحت أى مسمى. تذكرني فجيعة فض الاعتصام ببرنامج outdoor أشاهده على احدى القنوات الأمريكية متخصص في الصيد البري والبحري للغزلان والطيور والأسماك بشتى الوسائل وسط الغابات والأحراش. هناك حيث ظهر صياد ماهر مولع بقتل الغزلان وقد عثر بين الحشائش على ظبي صغير أمسك به حيث بدا يربت على ظهره بحنو وقد بكون هو الذي فتك من قبل بأمه أو أبيه وسط حشائش وأشجار ضعيفة الذاكرة. و"حدس ما حدس"!!

4
بلادنا تحتاج إلى رجال ونساء لهم من الخلق والامانة ما يمكنهم من ضبط المشهد الفوضوي الذي يعيشه الوطن ما دامت عزائم الأمة حاضرة ولهبها متقد وجاهزيتها للفداء حاضرة. لا يمكن أن تتحدث عن إزالة تمكين وعلى رأس السلطة من مكنوا في الأرض للنظام الذي ثرت عليه. إن ازالة التمكين يجب الا تعني كنس البلاد من عقول نيرة كثيرة من سفراء أجلاء تتلقفهم الآن كبريات المنظمات والدول وأطباء ومهندسين وأساتذة جامعات وأنت ترفع شعار العدالة وفي بلد هو أحوج ما يكون لخبراته في مختلف الميادين .... تأتي بأحد معارفك أو أقاربك كأمين عام للولاية لا يستطيع المشى على الأرض في ربيعه الثمانيني لأنك تعلم أن البلاد في حالة انتقال وأن السعيد فيها من كسب أكثر ومكن لأهله ومعارفه قبل أن يحل فجر انتخابي يعيد صياغة الدراما الحالية ويعيد الرشد الى القرار والتفكير .
لنحقق ايها الاخوة في هواننا على أنفسنا وأن نوقف ونحن نتجه الى الاحتفال بالاستقلال بث "أبدا ما هنت يا سوداننا يوما علينا" فقد هان الوطن بوم أن قتل أبناؤه ويوم أن قام بعض الظلمة فيه بكنس القذارة تحت البساط.

abdelrmohd@hotmail.com

 

آراء