أشرب اللبن ولا تكسر الجرّة !!
كانت الحركات العائدة تقول أنها تطالب بالمشاركة في الحكومة المدنية وبنسب في المجلس السيادي و(كوتات) في برلمان الثورة ولم تتحدث عن نصيب الشباب الذي دفع دماءه في التروس من اجل الوطن ولم يطالب بأن يكون في قمم السلطة ولا سفوحها اعتماداً على أن الثورة أوكلت للفترة الانتقالية مهام محددة في مرحلة التغيير وإزالة التمكين يمكن إن يقوم بها (أي سوداني) من ذوي الكفاءة وسمعنا من قال قادة الحركات أن وجودهم ضروري في السلطة من اجل تنفيذ اتفاقية السلام مع أن حكومة الثورة وأي حكومة مدنية هي التي نقوم بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مفاوضات السلام تحت عيون الجميع.. فهل يلزم أن يكون كل سوداني في الحكومة حتى يطمئن على إعادة النازحين واللاجئين وإغاثة المناطق المتضررة وعمليات الإدماج في الجيش وفق قوانينه في كيان واحد وعلى تقسيم الموارد بعدالة على كافة أقاليم السودان..؟؟! ربما يكون فهمنا قاصراً عن دنيا السياسة وعن طبيعة السياسيين والحركيين وعالم السلطة.. ومَنْ أدراك يا وطني.. بأن ثراك ينعشني.. وبعض هواك يقتلني..!!
لم يتوقف الأمر على المشاركة في البرلمان بل صعد إلى مجلس السيادة ودلف على الاستوزار ولم يتوقف الأمر على مجرد الاستوزار حيث تنبئنا الصحف والصحائف والمنابر بأن الحركات أو بعضها يطالب بوزارات محددة ويرفع سقف المطالب إلى وزارات الخارجية والمالية والحكم الاتحادي؛ وآخرون أضافوا وزارات أخرى لا يقبلون بغيرها بدلاً.. وهذا ما ينذر بدورة أخرى جديدة لا تقوم على التفاضل بين الكفاءات بل تدور حول المماحكات وقد تمضي إلى (العصلجات) وربما الاملاءات وربما تحريك مراكز القوى وربما طلب المناصرة من التحالفات التي بدأت تلوح في الأفق مع مكونات تنظيمية.. وأخرى مع (الخلايا الهامدة) عبر مخاطبة ودها بنداءات سمعنا بعضها ومطالبات منها حل لجنة التمكين وتصفية الحرية والتغيير حاضنة الثورة.. بل شفاعة في من أطلقوا عليهم (عقلاء الإنقاذ) الذين لم يتقدم أي عاقل منهم ليطلب من أصحابه غير العاقلين وقف المجازر وقتل الأطفال ودهس الناس بالدبابات والمجنزرات واقتحام البيوت وممارسة الاغتصابات ومنع القناصة على السطوح من إطلاق الرصاص الحي على رءوس الشباب وصدورهم..!! كم هو من الأمور المحزنة وغير المستساغة أن نطالب في زمن الثورة وبداية عهد التضحيات الوطنية بأنصبة معينة وحقائب وزارية بعينها والبلاد تتأهب لكتابة عهد جديد من صدق الوطنية والإيثار؛ فإذا بنا نصطدم من جديد بممارسات مفاوضات الإنقاذ ومساوماتها كما كانت تصنع مع مناوي وغيره..وسبحان الله وإليه عاقبة الأمور..!!
كل هذا لا يعني تجاهل الحركات التي هي فصيل من معارضي الإنقاذ وإنما احتجاجنا على المطالبات والأنصبة وعلى كثير من الممارسات التي أحس الشعب بالضيق منها.. وإذا كان من أنصبة فهي من حق شباب المقاومة.. فهم الذي أطلقوا الثورة وطردوا الإنقاذ ولكن تمضي الأمور إلي تجاهلهم وإقصائهم بصورة أو أخرى حتى في تكوين برلمان الثورة..وجيلهم هو الأحرى بالتمثيل وبتسنّم مقاعد القيادة حتى يخرجونا من أفكارنا البالية القديمة والممارسات السياسية العقيمة التي أسهمت الإنقاذ في تعميقها وفي وضع مصفوفتها الخائبة القائمة على الاستقطاب والاستمالة بالإثابة من مال الدولة ووظائفها وكأنها تتصرّف في شركة قابضة وليس في وطن يقوم على التضحيات والنصيب المتساوي في الوطنية والمشاركة..كل هذا لا يقتل الأمل في بعض التجرّد والمعقولية في التعديلات المرتقبة والهياكل الجديدة.. وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ... والثورة مستمرة.. عصيّة على التراجع بالعهد مع الشهداء..!!
murtadamore@gmail.com