التجربة الكوبية: لم تجد طريقا مثل أن تتقدما

 


 

 


1
تناولت في دراستين سابقتين التجربة الفيتنامية والصينية ، وكيف استطاعت كل من فيتنام والصين أن تواجه المتغيرات العاصفة التي حدثت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق أوربا ، رغم المصاعب الداخلية وضغوط الرأسمالية العالمية ومؤسساتها المالية بقيادة الولايات المتحدة ، وتتكيف مع العولمة الرأسمالية بدون التبعية وفقدان السيادة الوطنية، وتواجه تحدياتها ، وتحدث تحولات في نظمها ومؤسساتها الاقتصادية والادارية والسياسية في تجربة اقتصاد السوق التي سارت عليها، مع التمسك بالتوجه الاشتراكي وتلبية احتياجات الجماهير الأساسية ، والدور القيادي لقطاع الدولة ،وتمكنت من احداث تقدم اقتصادي باهر.
نتناول في هذه الدراسة التجربة الكوبية التي واجهت الظروف السابقة نفسها، لكن في ظروف حصار شديد من الولايات المتحدة ممتد منذ نجاح الثورة الكوبية عام 1959 ، وكيف واجهت فترة الليبرالية الجديدة التي كانت اولي حقل تجاربها في أمريكا اللاتينية ، أو فيما يسمي بالتكيف الهيكلي واقتصاد "الصدمة" والخضوع لتوصيات صندوق النقد الدولي بالخصخصة وتخفيض العملة وتعويمها ، واستطاعت كوبا أن تدخل اقتصاد السوق والسماح بالنشاط الاقتصادي الخاص مع التمسك بالدور القيادي لقطاع الدولة والتوجه الاشتراكي، وتجديد نظمها الاقتصادية والادارية وتطوير المشاركة والديمقراطية الشعبية، لتواكب الانفتاح والتحولات الجديدة، دون تجريد الجماهير من مكاسبها في مجانية التعليم ،الصحة والعلاج ،الضمان الاجتماعي وحماية الشيخوخة والطفولة والأمومة، الحق في السكن والخدمات ، وتوفير احتياجات الجماهير الأخري الأساسية.
كما استوعبت التجربتان في فيتنام والصين سمات وخصائص شعبهما وارتبطت بتاريخه النضالي المحب للحرية والاستقلال، نجد كذلك التجربة الكوبية التي كانت ثورتها امتدادا للكفاح الطويل الذي خاضه الشعب الكوبي ضد الاستعمار الاسباني وهيمنة الولايات المتحدة ، وتحرير الشعب من العبودية والفقر والمسغبة وتحسين أوضاعه المعيشية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكان ذلك من العوامل المهمة في نجاح التجربة الكوبية، لقد كان استمرار الثورة الكوبية رغم تفكك الاتحاد السوفيتي تعبيرا عن عمق جذور الثورة الكوبية، اضافة لقرارها عام 1990 بالاندماج في السياق العالمي دون التخلي عن المكتسبات الاجتماعية والتراجع عن الاشتراكية بعد تبني عناصر السوق، والاحتفاظ بدور الدولة كموجه للاقتصاد والمجتمع ، والحفاظ علي مكتسبات التعليم والصحة والضمان الاجتماعي والتضامن الدولي وتفادي البطالة الكثيفة ( للمزيد من التفاصيل راجع الاشتراكية واقتصاد السوق: تجارب الصين- فيتنام- كوبا، مكتبة مدبولي 2003)، واصرار الشعب علي عدم العودة لنظام العبودية والاستغلال والقهر الذي عاشه علي مدي أكثر من خمسة قرون تحت وطأة الاستعمار الاسباني والأمريكي( الولايات المتحدة)، فماهي أهم معالم التجربة الكوبية وجذورها في تاريخها من أجل الاستقلال والحرية والعيش الكريم في كوبا؟.

2
منذ اكتشاف كريستوفر كولومبوس لكوبا في العام 1492 ،اصبحت مستعمرة اسبانية، ومع دخول المستوطنين الأوربيين الذين احتلوا الأراضي الجديدة ومنها كوبا ، الذين ابادوا السكان الأصليين ، وأستغلال من تبقي منهم في العمل في المناجم وزراعة المحاصيل النقدية ( القطن، السكر، التبغ، البن، الخ)، وجلبوا الرقيق اليها من افريقيا للعمل في المناجم والمزارع في ظروف عمل قاسية، خاض الشعب الكوبي نضالا مستميتا ضد الاستعمار الاسباني من أجل الاستقلال، وضد نظام الرق بعد وصول أول مجموعة من الرقيق الأفارقة الي كوبا للعمل الشاق، وظروف العمل القاسية التي كان يعيشها العمال في مزارع السكر وغيرها ، وضد القمع والتعذيب الوحشي في السجون، حتى انطلاق الكفاح المسلح بقيادة خوسيه مارتي (1853-1895) الذي أسس الحزب الثوري 1892 من أجل الاستقلال، وجعل شعاره " إن التحرير سيأتي حين نتنازل جمعينا عن مصالحنا الشخصية"، وحتى اندلاع ثورة الكوبيين ضد الاسبان ( 1868- 1878) التي انتهت بتدخل جيش الولايات المتحدة وانتصاره علي الجيش الاسباني، ومقاومة الكوبيين لاحتلال الولايات المتحدة المباشر أو هيمنتها عن طريق الموالين لها من الحكام والذين كان آخرهم الدكتاتور باتيستا. تجلت هيمنة الولايات المتحدة علي كوبا التي علي مرمي حجر منها (علي بعد 145 كلم) ، في جعلها قبلة سياحية للاثرياء الأمريكيين ( المغامرة، ركوب الخيل، ممارسة الجولف ، الكباريهات وأندية القمار، وكان اقتصادها معتمدا علي محصول نقدي ( قصب السكر)، اضافة للبطالة والفقر المدقع ، وسيطرة الشركات الأمريكية علي الموارد الوطنية القيمة ، وعلي مفاتيح الاقتصاد والنظام المالي، وكل منتجات الكهرباء وأغلب شركات التلفون والسكك الحديدية العامة .الخ ، وعلي 25% من أفضل الأراضي ، وامتلاك مالكي اراضي السكر ورعي الماشية أكثر من 80% من الأراضي الزراعية، وكانت 90% من صادرات السكر والتبغ تذهب الي الولايات المتحدة، وبلغت نسبة البطالة 40% ، اضافة لانتشار الجهل والفقر، وقلة خدمات المياه والكهرباء في الريف ، مع وجود نظام سياسي كان يدافع عن المصالح الأمريكية والفئات الرأسمالية التابعة له، والذي مارس اقسي أنواع القمع ضد المعارضين السياسيين والنقابيين من سجون وتعذيب وحشي للمعتقلين، ومصادرة للحريات السياسية والتعبير والنشر، كما استمرت المعارضة والمقاومة بمختلف الاشكال من اضرابات واحتجاجات وعمل مسلح.

3
تواصلت المقاومة لديكتاتورية باتيستا حتى نجاح الثورة الكوبية بقيادة كاسترو وجيفارا وراؤول كاسترو في عام 1959، واسقطوا الديكتاتورية العسكرية لفولجينو باتيستا ، بعد فشل الهجوم الشامل لعصابات باتيستا الذي سلحت عناصره الولايات المتحدة مع عملاء المخابرات الأمريكية ، وبعد خطاب كاسترو للجماهير والاضراب الشامل ، ونجاح خطة جيفارا للنزول من جبال سيرا باتجاه العاصمة الكوبية ودخول العاصمة هافانا .
وجاءت قرارات الثورة حول التاميم للمرافق العامة وممتلكات بقيمة 25 مليار دولار، وأكثر من مليار أموال أمريكية والمصادرة للممتلكات الخاصة مع التعويض، وحدثت أخطاء في التأميم الذي حدث العام 1968 حيث تم تأميم جميع الشركات المتوسطة والصغيرة ، مما اثقل الجهاز الحكومي بخلق جيش جرار من البيروقراطيين لإدارة تلك المؤسسات، وتمت مراجعة ذلك بعد سياسة الاصلاح والانفتاح، واصبح الاقتصاد الكوبي مختلطا تتداخل فيه جميع القطاعات مع الدور القيادي لقطاع الدولة، كما تمّ ايقاف اندية القمار، وإلغاء ضرائب الدخل الشخصي، ودعم الصحة والتعليم لكل المواطنين، وتحقيق المساواة بين الجنسين ( مثال: كانت نسبة النساء 48,86% في البرلمان العام 2016، وهي من أكبر نسب التمثيل حسب تقرير الأمم المتحدة) . الخ، وفشل كل المحاولات للاطاحة بالثورة واغتيال كاسترو، كما في محاولة انزال قوات الكوماندوز التي دربتها أمريكا من المرتزقة الكوبيين مع دعم عسكري أمريكي في أبريل عام 1961، بعد تنصيب جون كنيدي ، وتمت هزيمتها ، والتي عرفت بعملية غزو خليج الخنازير، وسحب الصواريخ السوفيتية من كوبا متزامنا مع سحب الصواريخ من تركيا والشرق الأوسط، وموافقة الرئيس كنيدي بعدم غزو كوبا مستقبلا، وانسحاب الاتحاد السوفيتي من قواعد عسكرية في كوبا عام 1971 .
بعد أن اتخذت كوبا قرار التوجه الاشتراكي عام 1963 واجهت كوبا الحظر الديبلوماسي والتجاري من أمريكا اضافة للحصار البحري.
وجدت كوبا مساعدات في مواجهة الحصار الأمريكي من الاتحاد السوفيتي ودول مجلس التعاون الاقتصادي( الكوميكون) طيلة الفترة ( 1960 –1989)، الذي أمن 85% من تبادلات كوبا كوبا مثل: السكر مقابل النفط من الاتحاد السوفيتي، واحتاجت كوبا الي 15% للتعامل بالعملة الصعبة، ودعم الاتحاد السوفيتي كوبا بمبلغ يعادل 65 مليار دولار في الفترة : 1960- 1990، (أكثر من 3 أضعاف مساعدات الولايات المتحدة لدول أمريكا اللاتينية).
في العام 1965 دمج كاسترو منظمته الثورية بالحزب الشيوعي ، واصبح سكرتيره، كما تخلي جيفارا عن مناصبه في الدولة ، وتوجه لمواصلة الكفاح المسلح في الكونغو وبوليفيا الي أن استشهد فيها عام 1967 . وفي العام 1975 تم رفع الحظر المفروض من منظمة الدول الأمريكية منذ العام 1962 والمدعوم من الولايات المتحدة، وفي العام 2009 اعتمدت منظمة الدول الأمريكية قرارا يضع حدا لهذا الاستبعاد الذي دام 47 عاما لكوبا.
و في السبعينيات قدمت كوبا مساعدات للثوار في أمريكا اللاتينية وافريقيا، في التعليم والخدمات الصحية، وارسال قوات الي ( انغولا ، موزامبيق. الخ)، اضافة للتضامن مع ثورات التحرر الوطني وضد العنصرية في جنوب افريقيا والثورة الفلسطينية ضد الاحتلال العنصري الصهيوني، واثيوبيا .الخ.
في العام 1976 تم اجازة دستور جديد اعلن النظام الجمهوري الاشتراكي، اضافة للتحولات التي حدثت في كوبا بعد رحيل كاسترو في نوفمبر 2016 الذي كان قد تنحي عن السلطة بسبب المرض وتولي شقيقه راؤول القيادة في العام 2008 .
من كل ما سبق نري صمود الثورة الكوبية في وجه الولايات المتحدة التي استخدمت كل الأشكال العسكرية والدعائية ، ومحاولات اغتيال كاسترو والحصار الاقتصادي والتجاري والديبلوماسي والعقوبات القاسية ، واستطاعت أن تهزمها في كل الجبهات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والمخابراتية.

4
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي صمدت كوبا أمام ظروف صعبة علي سبيل المثال : في العام 1993 انخفض الناتج المحلي بنسبة 35% عن العام 1989 ، وانخفض دخل الفرد من الناتج بنبسة 38%، والتضخم، وانخفاض قيمة العملة، وتزايد نشاط السوق الأسود والاقتصاد الخفي، وبلغ عجز الموازنة 33,5% من اجمالي الناتج المحلي، اضافة للعجز في مواد الاستهلاك وانقطاع التيار الكهربائي واشتداد الضغوط والحصار أمريكي الذي راهن علي علي سقوط كوبا في عدة أسابيع.
لكن استطاعت كوبا تنشيط السياسة الاقتصادية وإعادة هيكلتها علي اسس عقلانية بالانفتاح المدروس علي العالم ، والاستثمار الأجنبي ( استثمارات كندية، فرنسية، .الخ)، وسمحت بالتداول بالدولار منذ العام 1993 ، وفتح الصرافات في كوبا والاستفادة من عائد السياحة، وإعادة تعريف الملكية الاشتراكية في الدستور 1992 ، وترخيص الأعمال غير المملوكة للدولة،مع تأكيد الدور الموجه لقطاع الدولة والحفاظ علي البرنامج الاجتماعي في التعليم والصحة والسكن والضمان الاجتماعي.
رغم ذلك الحصار استمرت التجربة الكوبية، وساعد في ذلك صعود اليسار في امريكا اللاتينية بعد النهوض الجماهيري الواسع ضد سياسات الليبرالية الجديدة واقتصاد "الصدمة " والعولمة الرأسمالية التيدمرت اقتصاد تلك الدول، من خلال رفع الدعم عن السلع والخدمات وتخفيض العملة والخصخصة، وافقار الشعوب، كما حدث في التحولات الاجتماعية في : فنزويلا والبرازيل وشيلي وبوليفيا، ولكن استطاعت الولايات المتحدة وحلفائها أن تجهض تلك التحولات بعد انخفاض أسعار النفط الذي أثر علي فنزويلا التي كانت داعمة لكوبا.

5
مرة أخري واحهت كوبا مصاعب اقتصادية بعد تخفيض أسعار النفط ، والحملات الإعلامية المليئة بالاكاذيب ضدها، والعقوبات، وقضية الكوبيين المعتقلين الخمسة في أمريكا المتهمين بالتجسس ضد أمريكا في سبتمبر 1998 .الخ، وعودة اليمين كما في الارجنتين ، واحكام الحصار علي كوبا وقطع المواد الغذائية عنها، وتراجع ترامب عن خطوات اوباما لتحسين العلاقات مع كوبا بعد زيارته لها في 2015 والسماح للمواطنين الأمريكيين بزيارة كوبا، اضافة لمعاناة السياحة في كوبا بسبب وباء كورونا.
لكن كوبا نجحت في تقوية نظامها الصحي حتى استطاعت أن توفر 8 أطباء لكل ألف شخص وهي من أعلي النسب في العالم حسب وصف البنك الدولي، وساعد جيشها الأبيض أو بعثاتها الطبية في توفير عملة صعبة لها واجهت بها الحصار، ونجاح كوبا في مواجهة وباء كورونا فمن عدد سكان كوبا البالغ 11,5 مليون سجلت 1467 اصابة فقط ، و58 وفاة ( أخبار الاناضول 6/5/ 2020).
كما كان للحصار أثره في تراجع الصادرات بنسبة 40% والوارد بنسبة 30% ، وانخفاض الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 11% ( الشرق الأوسط : 12 فبراير 2021)، وتكثيف الحملات المعادية المطالبة بحقوق الانسان، لكن واصلت كوبا الانفتاح الاقتصادي، واصدار قانون الاستثمارات الأجنبية، والاصلاحات التي شملت الزيادات في أسعار المواد الكمالية مثل: السجائر والكحول، وزيادات في الكهرباء أخذت في الاعتبار مداخيل الفئات الكادحة، وتخفيض عجز الموازنة دون نقص في خدمات التعليم والصحة والضمان الاجتماعي ، حتى تقلص العجز في الموازنة الي 2% عام 1997.
في العام 2011 صدر قانون الهجرة الجديد الذي منح من غادروا البلاد بصورة غير شرعية اذنا بالزيارة أو العودة النهائية، وتم إلغاء البطاقة البيضاء أو اذن مغادرة البلاد.
وكان من نتائج الاصلاحات أن عادت الحيوية للاقتصاد، بعودة النمو الاقتصادي الذي بلغ 7,8% في العام 1996 ، ونمو في السياحة بلغ نسبة 17% عما كانت عليه في بداية التسعينيات ، وبلغت الاستثمارات الأجنبية 2 مليار دولار ، رغم قلته الا أنه شكل بداية جيدة، وفشل الحصار الأمريكي الذي شمل ضغوط التمويل التمويل التجاري الذي لا يتجاوز سنة بفائدة تصل 30% !!!، وعدم وصول الاستثمارات في وقتها الذي يؤدي لتعطيل السكة الحديد والكهرباء. الخ ( راجع الاشتراكية واقتصاد السوق ، مرجع سابق)، كما حدثت مشاكل من النمو مثل : التفاوت في المداخيل، والنقص في الاستفادة من العولمة والخدمات المتطورة للانترنت والسياحة، وضرورة تطوير النظام السياسي وتوسيع الديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية التي تعزز المكاسب الاقتصادية والاجتماعية التي حققتها الثور للجماهير. الخ.

6
كان المؤتمر السادس للحزب الشيوعي الكوبي الذي انعقد في16 أبريل 2011 نقطة تحول مهمة في عملية الاصلاح والاقتصادي والسياسي والاداري ، فقد أقر المؤتمر الانفتاح علي القطاع الخاص ، اصلاح الإدارة في الشركات ، اتخاذ خطوات لتعزيز الإنتاج مع الإبقاء علي التخطيط المركزي، السماح للمواطنين ببيع وشراء المنازل التي يقطنونها لأول مرة منذ بداية الثورة ( قبل ذلك كان يُسمح للكوبيين بتوريث منازلهم لأطفالهم ، كما قرر أيضا تخفيض الوظائف الحكومية ، وتقليص الإعانات الحكومية والحصص العمومية بوجه عام ، والتشجيع علي المزيد من المبادرات الخاصة ، وتحديث النموذج الاقتصادي ، وأن تأخذ الخطة في الاعتبار اقتصاد السوق مع الحفاظ علي مكتسبات الجماهير وتأكيد أن الاشتراكية وحدها قادرة علي تخطي الصعوبات والمحافظة علي انجازات الثورة.، والا تتجاوز المناصب العليا دورتين ( الدورة خمس سنوات) ، وتجديد قيادة الحزب (تقرير المؤتمر السادس).
كما أشار تقرير المؤتمر السادس الي تحديث النموذج الاقتصادي الاجتماعي بهدف ضمان استمرارية وديمومة الاشتراكية والتنمية الاقتصادية للبلاد ، ورفع مستوي معيشة حياة السكان ، وترسيخ القيم الأخلاقية والسياسية للمواطنين، والاستمرار في محاربة البطالة والمخدرات، حتى اصبحت كوبا بدون اطفال متسولين وعطالة، ولا تعذيب وزنازين ، والالغاء التدريجي لمركزية الصلاحيات، والسماح بالحريات الدينية (زيارة البابا لكوبا 1998)، والانتقال للنظام اللامركزي بالتخطيط، وأن الهدف حسب فكرة مارتي : تعزيز كرامة الانسان الكوبي وقيام الدولة علي الاستقلال والسيادة الوطنية، ومراجعة مفهوم المساواة المطلقة الذي جسدته بطاقة التموين، وتوصيل المساعدات للذين يحتاجونها فعلا من خلال التوزيع العقلاني الذي يتوافق مع شعار " من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله" ، وتجاوز الأخطاء النابعة من المثالية المطلقة ، وتجاهل وجود قوانين اقتصادية موضوعية.، وتوحيد العملة في كوبا ( كانت توجد عملتان الأولي البيسو الرخو ، والثانية البيسو الصعب"كوك" ، عملة داخلية للتداول تتناسب 1: 25).
كما رفض المؤتمر العلاج ب"الصدمة " الذي سارت عليه الليبرالية الجديدة أو وصفة ملتون فريد مان التي افقرت الملايين في امريكا اللاتينية ، وقرر تنظيم الرعاية الصحية للذين يحتاجونها ، كما أشار الي أن أكثر 200 الف كوبي انخرطوا في أعمال خارج قطاع الدولة منذ أكتوبر 2010 ، ورفض المؤتمر خصخصة الملكية الاجتماعية التي تعتبر الركيزة لبناء الاشتراكية في كوبا، ورفع كفاءة وسائل الإنتاج الأساسية ، والاستمرار في تأمين خدمات الصحة والتعليم بالتساوي كل السكان مجانا ، والحفاظ علي نظام الضمان الاجتماعي ، والتراث الثقافي والفني الكوبي والعلمي وتطويره .
في 24 فبراير 2019 جري الاستفتاء علي الدستور الجديد لكوبا الذي أكد علي : الدور القيادي للحزب الشيوعي في المجتمع،وأن الحزب الشيوعي هو استمرار للحزب الثوري الذي أسسه البطل الوطني الكوبي في عام 1892 لتحقيق استقلال الجزيرة ، وقيام جمهورية للجميع ولصالح الجميع.

7
وأخيرا ، رغم الحصار والضغوط التي تنؤ تحتها الجبال ، استطاعت كوبا الصمود، ورغم تواضع الاقتصاد الكوبي الذي يعتمد علي المنتجات الرئيسية : السكر ، التبغ ، السيكار والسجائر ، النيكل ، الحمضيات ، البن ، المستحضرات الصيدلانية ،اضافة لعائد السياحة والبعثات الطبية للخارج ، الا أن كوبا استطاعت بعد الثورة أن تنجز اقتصادا مخططا يملك فيه قطاع الدولة معظم الصناعات، ويوظف معظم القوى العاملة، وتحديد الحكومة أسعار السلع وحصص البضائع للمواطنين ، وفي العام 2016 كانت كوبا في المركز السادس من 182 بلد بمؤشر تنمية بشرية ، كما حققت توزيعا عادلا للدخل ، فضلا عن تكاليف النقل والسكن المنخفضة ، ودعم الدولة للتعليم والرعاية الصحية والأغذية.
ورغم تفكك الاتحاد السوفيتي ، استمرت التجربة الاشتراكية الكوبية التي كانت أمام خيارين : إما العودة للتبعية للمؤسسات الرأسمالية العالمية، والخضوع لتوصيات صندوق النقد والبنك الدوليين في الخصخصة وتخفيض العملة، جريا وراء قروضه التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، أو تواصل في طريقها الاشتراكي مع مواكبة المتغيرات الجديدة، ولم تجد طريقا مثل أن تتقدم في طريق الثورة مع اصرار الشعب لعدم العودة للعبودية. و الأخذ في الاعتبار التحولات العميقة في المجتمع والانسان ونظم القيم في كوبا ، والمعاناة في شق طريق تنمية مستقل يلبي احنياجات الانسان الأساسية، ومشاركة الجماهير في اتخاذ القرارات، بعد التقويم الناقد لأخطاء التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وتجاوز أخطائها في الجمود ، والاستناد الي ايجابياتها في تلبية احتياجات المواطنين الأساسية ، والقرار الذي الذي اتخذته كوبا في الاستمرار في طريق الاشتراكية وعدم التراجع عنه، وكنا قد تابعنا الملاحظات الناقدة لكاسترو لاصلاحات الرئيس السوفيتي غورباتشوف في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي التي رفضت تصفية التجربة الاشتراكية باسم البيروسترويكا ، وتأكيده علي ضرورة التجديد والاصلاح مع التمسك بمنجزات التجربة الاشتراكية، اضافة للتقويم الناقد للتجربة الاشتراكية في كوبا وتجاوز ما عفي عليه الزمن. وادخال بعض التحولات مثل: التغييرات التنظيمية في قطاع الزراعة والتي سعت الى دعم وتشجيع الاشكال التعاونية للانتاج الزراعي التي يديرها العمال، بهدف زيادة انتاج المواد الغذائية، والاصلاح في النظام السياسي والاداري، ومواصلة كوبا في نضالها الأممي من أجل السلم والاشتراكية، ومقاومة الرأسمالية التي اورثت الطبقة العاملة والكادحين الفقر والمرض والمسغبة، وازدياد الهوة بين الأغنياء والفقراء ، لا سيما بعد جائجة كورونا الحالية.

alsirbabo@yahoo.co.uk

 

آراء