ثقافة المساءلة والمحاسبة.. شروط الحكم الديمقراطي الراشد

 


 

 

 

 

يعتبر مبدأ المساءلة والمحاسبة ركناً أساسياً في أي نظام ديمقراطي حقيقي لأنه مرتبط بدور البرلمان والمجتمع المدني والإعلام والقضاء المستقل والخدمة المدنية الفعالة، والأهم من ذلك تأكيد حق المواطنة، إذ يشعر المواطن العادي بأنه شريك في الثروة والسلطة فعلياً حين يتابع كيف تصرف موارد الدولة، ويصل لحد المشاركة في محاسبة الفاسدين والمتلاعبين بمقدرات المواطن.
يرى كثير من الكتاب والباحثين والمهتمين أن غياب المحاسبة والمساءلة في المنطقة العربية الإسلامية ظاهرة تاريخية لازمت الدولة العربية والإسلامية منذ عهود بعيدة بسبب غياب الحرية وسيطرة النظم الاستبدادية والحكم المطلق، إذ لم يكن يتم اختيار الخلفاء والسلاطين والملوك من قِبل شعوبهم، بل كان القرار للسيف أو للمدرعات فقط. وفي التاريخ ظهر من يسمي نفسه الحاكم بأمر الله، وحتى الذين لم يعلقوا الصفة على أنفسهم كانوا يحكمون بالأمر الإلهي المطلق، ولم تخرج المجتمعات العربية الإسلامية من أسر الاستبداد.
فقد تغيرت أشكال النظم الحاكمة ولكن المضمون ظل كما هو يتفنن في أنواع الاستبداد والقمع والحكم المطلق، لذلك لم يكن لثقافة المساءلة والمحاسبة أي وجود وهذا يعني غياب الحرية وروح المواطنة. ومع غياب المحاسبة والمساءلة ينفتح باب الفساد واسعاً ويغدو عادياً وطبيعياً، ويتعايش الناس مع الفساد، بل قد يعتبر شطارة ونجاحاً، ثم يتقاعس المجتمع المدني والشعبي عن القيام بواجب ملاحقة المفسدين والفاسدين، بل قد يمتد الفساد إلى المجتمع المدني نفسه أو إلى الكيانات التي يفترض فيها مكافحة الفساد. وهذا ما أسميته تطبيع الفساد لدى الإسلاميين، أي أن يكون الفساد أمراً طبيعياً في المجتمع ولا يثير الاستهجان والإدانة.
كانت لجنة إزالة التمكين هي الفعل الثوري الوحيد الذي عمل على تحقيق آمال وأشواق الثورة في بناء سودان جديد خال من الفساد والسقوط الأخلاقي الإخواني. لذلك كان من المتوقع أن تتعرض اللجنة للهجوم ووضع المعوقات، وشغلها بمعارك جانبية تستنزف طاقاتها ودفتها. وبدأت اللجنة بداية جيدة وفعالة ولكنها توقفت عن العمل ولم نعد ننتظر المؤتمر الصحفي الأسبوعي كل خميس لكي نستمتع بتعرية الإسلامويين وفضح مشروعهم الحضاري النتن، وللأسف صارت اللجنة في حالة دفاع وتبرير لقراراتها ولكن ليس من خصال الثورة والثوار أن يكونوا في حالة دفاع لأنهم يملكون الحقيقة والحرية والسلام والعدالة. على الثورة والثوار أن يكونوا في حالة هجوم واقتحام مستمرين لمستنقعات الإسلامويين وأوكارهم. فهم ليسوا قضاتنا بل عصبة من الحرامية وسارقي أموال الشعب، ولولا الوقاحة وقوة العين والمكابرة لما تجرأ إسلاموي على الهجوم. وللمفارقة فإن السودان هو البلد الوحيد في العالم الذي يعيّر فيه الإنسان بموقفه السياسي أو أيديولوجيته. إذ يهاجم الإسلاموين اللجنة وقبل ذلك مكتب مناهج وزارة التربية بأنهم يساريون أو شيوعيون أو جمهوريون. وهذا خداع وتزييف للوعي وهروب من مناقشة القضايا الجوهرية والمقاربة لمضمون الخلاف، ومع الفقر الفكري المدقع الذي لازم الحركة الإسلاموية السودانية فقد دأبت على التنابذ بالألفاظ والسباب، وتحاول أن تجعل من اليسارية أو الشيوعية تهمة خلافاً للواقع الديمقراطي الذي لا تؤمن، فالديمقراطية تعني الاختلاف والحق في اعتناق المذاهب والأفكار، فالديمقراطية هي الحق في الخطأ -لوحدث- وقبول النقد ونقد الذات.

 

آراء