1 لا يمكن تناول سد النهضة بمعزل عن اشتداد حدة الصراع السياسي والاقتصادي والطبقي علي المستوي المحلي والاقليمي والدولي علي الموارد ( الزراعية والحيوانية ،الأراضي الخصبة، مياه النيل ، المعادن.الخ) والذي تصاعدت وتائره بعد الأزمة العامة للرأسمالية التي انفجرت في العام 2008 ، والتي تفاقمت مع جائحة "كرونا" ، كما نشهده الآن في الصراع بين مراكز الرأسمالية العالمية ، وبينها والصين وروسيا ، واشتداد حدة سباق التسلح ، والمزيد من بناء القواعد العسكرية، كما في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي. هذا اضافة لتسارع الأحداث علي حدود السودان الشرقية مع اثيوبيا ، بسبب النزاع علي الفشقة وملف سد النهضة، واحتمال نشوب الحرب في حال فشل الاتفاق حول الملء الثاني للسد ، وموقع السودان علي البحر الأحمر ، واشتداد حدة الصراع لنهب موارده المائية والزراعية وأراضيه الخصبة ، والمعدنية ، والمستجدات لقيام قاعدة عسكرية روسية وأخري امريكية علي البحر الأحمر ،اضافة للتطبيع مع الكيان العنصري الصهيوني "سرائيل"، واهتمام تركيا بجزيرة سواكن، اضافة لضرورة مواصلة الثورة حتي تحقيق أهدافها ، وقيام علاقات خارجية متوازنة بعيدا عن الأحلاف العسكرية (حلف اليمن ، الافروكوم، والغاء القواعد العسكرية، ورفض الاملاءات الخارجية من دول الخليج " الإمارات، السعودية،الخ ومراجعة كل الاتفاقات حول منح ملايين الأفدنة التي تصل الي 99 سنة).
2 لم تكن مياه النيل بمعزل عن المصالح الدولية في فترة الاستعمار القديم بقيادة بريطانيا ، التي قسمت مياه النيل في غياب شعوب ومصالح دول المنبع وبعض دول المصب بما يخدم مشاريعها الزراعية يومئذ (كما في القطن كمحصول نقدي) والتي كانت سيطرتها مباشرة أو عير مباشرة علي يوغندة والسودان ومصر، فنجد مثلا أنها في الفترة (1891 - 1959) أنجزت في غياب شعوب دول المنبع والمصب الاتفاقات الآتية : - اتفاق في العام 1891 مع ايطاليا التي كانت تحتل اريتريا علي عدم قيام أي منشأت مائية أو سدود تؤثر علي انسياب نهر النيل. - المعاهدة مع اثيوبيا ( التي تعارضها الحكومة الاثيوبية حاليا) في العام 1902 التي تم فيها ترسيم الحدود مع اثيوبيا ، والاخطار المسبق قبل الشروع في أي مشروع يؤثر انسياب مياه النيل، علما بأن اثيوبيا تقع فيها بحيرة " تانا" التي ينبع منها النيل الأزرق الذي يشكل الرافد الكبير من مياه النيل( حوالي 80% من مياه النيل). - الاتفاق مع الكونغو عام 1906 علي عدم قيام أي سدود علي نهر سمليكي الرافد للنيل والذي ينبع مع بحيرة ادوارد الي بحيرة البرت التي ينبع منها نيل البرت أوبحر الجبل، الذي يلتقي مع نيل فكتوريا أو بحر الغزال ليشكل النيل الأبيض، اضافة لاتفاق العام 1934 الذي وقعته بريطانيا في غياب تنزانيا مع بلجيكا التي كانت تحتل روندا وبورندي حول استخدام أي من الدولتين لنهر كاجيرا الذي يُعتبر البداية الفعلية للنيل. - اتفاقية العام 1906 مع فرنسا وايطاليا التي كرّست في بعض بنودها مصالح بريطانيا في انسياب مياه النيل، وجاءت اتفاقية 1925 لتكرّس مصالح بريطانيا في السودان ومصر بالتعهد بعدم قيام أي منشآت أو سدود تؤثر تقلل من مياه النيل. - اتفاقية العام 1929 التي وقعها الانجليز في غياب شعب السودان، واعتبرت اتفاقية 1925 جزءا منها، ونظمت العلاقة المائية بين مصر ودول الهضبة الاستوائية ،حسب ما جاء في الاتفاقية : " أن لا تقام بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية أعمال ري أو توليد قوى أو أي اجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التي تنبع سواءً من السودان أو البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية من شأنها إنقاص مقدار المياه الذي يصل لمصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أي وجه يلحق ضرراً بمصالح مصر". كما جاء في الاتفاقية " تقدم جميع التسهيلات للحكومة المصرية لعمل الدراسات والبحوث المائية لنهر النيل في السودان ويمكنها إقامة أعمال هناك لزيادة مياه النيل لمصلحة مصر بالاتفاق مع السلطات المحلية. - اتفاقية نوفمبرالعام 1959 التي وقعت في القاهرة بين مصر والسودان التي منحت مصر 55.5 مليار متر مكعب، ومنحت السودان 18.5مليار متر مربع ، علما بأن السودان لم يستخدمها كلها بسبب غياب المشاريع الكافية لاستخدامها. نتوقف عند اتفاقية 1959 التي تسببت في أزمة مفاوضات " سد النهضة" بين مصر واثيوبيا في أبريل 2018 ، وباعتبارها أول اتفاقية بعد استقلال جمهوريتي مصر والسودان ، وحدث فيها تعديل لاتفاقية 1929 التي تم توقيعها تحت الاحتلال البريطاني، مع الإبقاء علي جوهرها ، فما هي أهم بنودها : أخذت في الاعتبار المتغيرات الجديدة التي أهمها قيام السد العالي ومشروعات أعالي النيل لزيادة ايرادات النهر واقامة عدد من الخزانات في اسوان ، وتم الموافقة علي قيام السد العالي ، وخزان الروصيرص علي النيل الأزرق ، وما يتطبله من استخدام السودان لحصته من مياه النيل. من الملاحظات أن الاتفاقية بالنسبة للسودان تمت في غياب شعب السودان الذي حكمه نظام عسكري ديكتاتوري برئاسة الفريق عبود ، الذي فرط في جزء عزيز من الوطن ( اغراق مدينة حلفا وكنوزها الأثرية) مقابل ثمن بخس، اضافة للقسمة الضيزي لمياه النيل التي نالت فيها مصر نصيب الأسد ، وتم تجاهل حصص دول المنبع أودول روافد النيل الأزرق والنيل الأبيض ، بحر الغزال، نهر عطبرة ( اثيوبيا ، يوغندا، بورندي، تنزانيا ، الكونغوالديمقراطية ، رواندا، كينيا ، اريتريا " كانت جزء من اثيوبيا قبل انفصالها"، جنوب السودان " قبل انفصاله")، التي بدأ ت تتحرك لأخذ نصيبها من مياه النيل ، مما قاد للأزمة الحالية لسد النهضة، مما يتطلب مراعاة مصالح كل هذه الدول في مياه النيل.
3 كما هو معلوم أعلنت أثيوبيا رسميا عن مشروع سد النهضة في 31 مارس 2011 ، وفي 2 أبريل وضع ملس زيناوي رئيس الوزراء حجر الأساس للمشروع. اعترضت مصر علي بناء السد ، حيث أنه سيقلل من كمية حصتها من مياه النيل التي كما أشارت أنها تحصل علي 90% من احتياجاتها المائية عبر النيل، وأنها سوف تفقد من 11 الي 19 مليار متر مكعب من المياه سنويا ، وستسبب في خسارة مليون مزارع دخلهم خلال الفترة المحددة لملء الخزان. بعد المفاوضات الطويلة ، ووثيقة "إعلان المبادئ " التي وقعت بين رؤساء مصر والسودان واثيوبيا في 23 مارس 2013 ، ووصول نسبة أعمال بناء السد الي نسبة 79% تصاعدت الأزمة المعروفة مع مصر والسودان. أنجزت اثيوبيا الملء الأول للسد في 15 يوليو 2020 ، وأعلنت أنها سوف تمضي قدما في عملية الملء الثاني المقرر لها في يوليو/ أغسطس 2021 ، ويكلف السد أكثر من 4 مليار دولار ، وهو أكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا . استمرت جولات المفاوضات لأكثر من عشر سنوات ، التي انتهت بانهيار الجولة الأخيرة في الكونغو(كنشاسا) ، والقت مصر والسودان اللوم علي تعنت اثيوبيا التي تري أنه تم سلب دول المنبع حقها في المياه لصالح دولتي المصب (السودان، ومصر). ( نواصل).