أن غياب الرئيس التشادي ادريس دبي عن المشهد السياسي بسبب اغتياله سوف يكون له انعكاساته علي السودان، إذا كانت سلبية أو إيجابية، فالرجل أيضا يمثل نظاما ديكتاتوريا في المنطقة، حيث مكث ديبي في السلطة ثلاثين عاما، مطبقا سلطة الحزب الواحد في غياب كامل للأحزاب الأخرى، قبل اغتياله بيوم تم أعلان فوزه بفترة سادسة، تجعله فترة الحكم سنين عددا أخرى، لا يبعده عنها إلا الموت. و حال الموت بينه و بين الاستمرار لكي يفتح أفاقا جديدة لدولة تشاد في السلطة. و أمعرف أن ديبي وصل للسلطة عن طريق البندقية , و أكرر مرة تلو الأخرى؛ أن الحركات المسلحة إذا وصلت السلطة بقوة السلاح لن تقيم نظاما ديمقراطيا مطلقا، لأن عقل البندقية له ثقافته الخاصة، التي تحرض القائد أن يدخل في مشروع الحفاظ علي السلطة، حتى لا تتعرض للزوال بسبب مغامرين جدد، و لذلك يبدأ القائد الشروع الفوري في تكوين مؤسسات أمنية دورها الحفاظ عل سلطته و ليس الدولة، و هي مسيرة الديكتاتورية، فالبندقية طريقها واحد هو السلطة الشمولية. و أنظر في النظم السياسية في كل الدول التي حول السودان و انتصرت فيها البندقية تجدها لم تؤسس نظاما ديمقراطيا بل نظم شمولية يستبيح فيها دم الإنسان. وصل أدريس ديبي للحكم عبر العمل العسكري عام 1991م، بعد الإطاحة بقريبه حسين هبري، و بعد دخوله العاصمة أنجمينا قال في خطاب الانتصار للشعب التشادي قال لهم " أنني جئت حاملا معي مشاعل الحرية." لكنه لم يخالف سوابق أهل الكفاح المسلح بإنها تصبح أشد أعداء الحرية و الديمقراطية، و هذه قضية تخص الشعب التشادي. و قضية الأمن و تأمين النظام دخل أدريس ديبي في مشاحنات مع نظام الإنقاذ، حيث عقدت بينهم عدة اتفاقيات بهدف عدم تدخل كل بلد في شؤون الأخرى، و إن كان لديبي دور كبير في حرب دارفور، حيث دعم العديد من الحركات المسلحة لوجستيا، و أيضا اتهم نظام الإنقاذ بأنه يخطط بالإطاحة بنظامه، لذلك كانت الاتفاقيات لا تصمد طويلا ثم تتبعها اتفاقية أخرى. و رحل نظام الإنقاذ بثورة شعبية، و الآن يرحل ديبي بالإغتيال السياسي. و رغم ذلك أن القيادات السياسية لا تتعظ من التجارب، رغم أن التاريخ يؤكد أن النظم الشمولية لا تبني وطنا مستقرا، فالذين ]أتي بهم التغيير و يقبضوا علي مفاصل السلطة يتغير خطابهم السياسي، و يصبح أمن النظام الشغل الشاغل جل تفكيرهم، لذلك تجد الديكتاتور يسير في ذات طريق سابقه في اعتقد أنه الأشطر، و قالها البشير عندما اندلعت ثورات الربيع العربي أن السودان تعدى هذه المرحلة، و اعتقد هو الأذكى من حسني مبارك و بن علي و القذافي و علي عبد الله صالح، و يستطيع أن ينفد بجلده، و كان واثقا أن المجموعات المسلحة التي صنعها موازية للمؤسسات الرسمية سوف تحميه، و نسيت الرجل أن عقل البندقية لا يفكر إلا في الوصول هو أيضا للسلطة لكي يصنع من نفسه ديكتاتورا جديدا، و ضعفت كل المليشيات أمام إرادة الله و قوة الجماهير. إذا حسم الصراع في تشاد عبر البندقية؛ فأن طريق الديمقراطية سوف يصبح شاقا، و تكون القيادات التي كانت تدين لإدريس ديبي لا تريد الخروج من حفرة الديكتاتورية، و إذا استمرت المعارضة حاملة السلاح لإزالة ما تبقى من عناصر النظام، سوف تخلق حرب آهلية في تشاد. و يصبح السؤال هل الحركات المسلحة في السودان سوف تكون جزءا من الحرب التي سوف تندلع في تشاد بسبب سوء إدارة الصراع لمصلحة الديمقراطية؟ أم إنها سوف تأخذ جانب الحياد؟ خاصة ماتزال الشكوك تحوم حول بعض الأفراد الذين تأخذهم العصبية، و الاعتقاد أن ذهاب نظام أدريس ديبي يعني فقدهم للظهر الذي يمكن أن تستند عليه، حيث إن الولاءات الاجتماعية الأولية في المتغيرات الكبيرة تشكل ضررا كبيرا في عملية الأمن و الاستقرار، و قد ظهر ذلك جليا في الصراع في دارفور، حيث شارك النظامان في النزاعات في المنطقة، و تسببا في إبادة العديد من المواطنين. و يتخوف المجتمع الدولي من انعكاسات عدم الاستقرار في المنطقة لذلك قال المبعوث الفرنسي لدي السودان جان ميشيل دايموند" أن ما يحدث في تشاد يؤثر علي السودان و العكس صحيح" و أضاف قائلا " أن النموذج الناجح في السودان و المتمثل في تجربة حكومة انتقالية مشتركة بين المدنيين و العسكريين يمكن أن يقدم نموذجا ملهما لنجاح التشاديين، رغم عدم تطابق الأوضاع في البلدين" أن القيادات العسكرية و السياسية في السودان التي تريد أن يبقى نظام أدريس ديبي الشمولي إذا كانت لأسباب عشائرية أو غيرها، أن هذه القيادات سوف تشكل خطرا علي نظام الحكم في السودان، فلا يمكن أن يكون الشخص ديمقراطيا في السودان و يساند نظاما ديكتاتوريا في تشاد، المبادئ لا تتجزأ، بقدر ما نحب أن يحدث تحول ديمقراطي في السودان، و يتعدى السودان الفترة الانتقالية التي فيها العديد من اسباب الفشل، أيضا نريد أن تنتصر القوى الديمقراطية في تشاد، فالديمقراطي هي الأمان للشعبين في تطبيق حكم القانون علي كل الخارجين عليه. أن التحولات السياسية في تشاد بالضرورة سوف تنعكس علي الوضع في السودان مادام هناك قلوب واجفة. نسأل الله حسن البصيرة.