كيف نصنع من فسيخ الانقلاب شرباتا؟

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
بعض المصائب تولد فرصا نادرة لاعادة التشكيل و الصياغة لكيان ما بشكل مغاير وأفضل بكثير مما كان عليه الحال قبل المصيبة , ولعل في الاصطفاف السياسي الذي حدث بعد أتفاق حمدوك مع العسكر بعد انقلاب البرهان -حميدتي فرصة تاريخية للقضاء علي التشرزم و التشظي الذي بليت به الاحزاب السياسية السودانية منذ الاربعينات من القرن الماضي . ماأعنيه هنا هو الاصطفاف الذي بدأ يتبلور لمعسكرين : معسكر يساري ثوري رافض للأتفاق و يضم الحزب الشيوعي السوداني , حزب المؤتمر , احزاب البعث و الاتحاديين والجمهوريين . أضافة للجان المقاومة و تجمع المهنيين و معسكر يميني محافظ داعم للأتفاق سيضم حزب الامة , الاتحاديين جناح الختمية , الاسلاميين , الجماعات الدارفورية المسلحة , جماعة ترك البجاوية و السلفيين .

لأول مرة منذ الاستقلال ستنقسم كل الكيانات السودانية لكتلتين متمايزتين سياسيا قبل مدة كافية من أنتخابات برلمانية قادمة , وفي هذا خير كثير يمكن أن أحسن توجيهه أن يؤدي لاختراق تاريخي في التطور السياسي لمستقبل الحزبية في بلادنا . فبلادنا تحتاج لفترة استقرار سياسي طويل الأمد يتم فيه رتق ماخربته سني الأنقاذ العجاف من دمار , ويتم فيها تحقيق تنمية متسارعة و متوازنة تستفيد منها كل اقاليم السودان . لن يتحقق الاستقرار و التنمية المتسارعة المستدامة في ظل حكومات ديمقراطية أئتلافية تسيطر فيها أحزاب الاقلية علي توازن القوي بين الاحزاب الكبري. وحيث أن الفشل في التجربة الديمقراطية القادمة ليس بخيار علي الأطلاق – لذا فان كثرة و تعدد الكيانات السياسية في سودان المستقبل القريب هي رفاهية لم يحن وقتها بعد .
تجربة الجمهورية الرئاسية الانقاذية الدكتاتورية تجعل الكثيرين يتوجسون خيفة من التوجه الدكتاتوري لاي نظام يتمتع فيه رئيس الجهورية بصلاحيات كبيرة تفوق صلاحية البرلمان . لذا فأنني أتمني لبلادي نظام حكم برلماني يرأس السلطة التنفيذية فيه رئيس وزراء ينتخبه , يستجوبه , و يعزله ممثلو الشعب بالبرلمان .

في حالة تطوير الاصطفاف المتبلور حول اتفاق البرهان وحمدوك بحيث ينتج عنه انضواء كل احزاب السودان في كتلتين سياسيتين متمايزتين ( أثنتين فقط ) , لكل منهما برنامج سياسي واحد تتفق عليه كل الاحزاب و الكيانات المنضوية تحت لواء الكتلة , فستكون نتيجة الانتخابات القادمة أن تحكم السودان كتلة سياسية متناسقة ذات اغلبية مريحة . ستكمل الكتلة الحاكمة دورة حكمها كاملة دون خوف من سقوط حكومتها قبل الانتخابات التالية . و بذلك ستتمكن من أنفاذ برنامجها الذي فازت بموجبه في الانتخابات . أيضا ستكون هنالك كتلة معارضة قوية و متناسقة , تراقب أداء الحكومة القومية – في نفس الوقت الذي ربما تكون فيه كتلة المعارضة هي الكيان الحاكم لبعض الولايات و المدن الكبري (حكومة محلية), و تكون الكتلة الحاكمة قوميا هي المعارضة في تلك الحكومات الولائية المحلية .
في البدء لن يتطلب انشاء كتلتين سياسيتين أن تذوب كل الاحزاب المنضوية في الكتلة في حزب واحد . يكفي اتفاقهم علي برنامج سياسي واحد يخوضون بموجبه الانتخابات القومية و الولائية . و لكن يجب أن يكون لهم مرشحا واحدا (فقط لاغير) يتفقون عليه في كل دائرة انتخابية (فمثلا ستتفق احزاب الكتلة المحافظه علي مرشح واحد من حزب الامة في دائرة انتخابية ما بالجبلين أو ربك حيث لحزب الامة وجود معتبر
هناك, بينما سيتفقون علي مرشح واحد من جماعة ترك ليكون مرشحهم في دائرة بسنكات و هكذا الحال) . في المستقبل و بعد بضع دورات انتخابية ربما تتطور الكتلة و تصبح حزبا واحدا .

هذا هو مقترحي المتواضع لانشاء نظام سياسي ديمقراطي مبسط , يجمع بين مايوفره النظام الديمقراطي للمواطن من حرية, كرامة, شفافية و حكم راشد و بين ماتوفره النظم غير الديمقراطية المنضبطة (الصين و سنغافورة نموذجا) من أستقرار و تنمية متسارعة و أمن . فان تبلور الاصطفاف الناتج عن الاتفاق المجحف الذي فرضه العسكر علي حمدوك علي حدوث هذا الاختراق السياسي التاريخي (انضواء كل احزاب السودان في كتلتين انتخابيتين أثنين فقط ) فاننا بذلك نكون قد صنعنا من فسيخ الانقلاب شرباتا .
والله المستعان .
________________
مدونتي
http://hussein-abdelgalil.blogspot.com

husseinabdelgalil@gmail.com
//////////////////////////

 

آراء