نهب الذهب الدموي في السودان (7)

 


 

 

سادسا
1
دور العامل الخارجي في نهب الذهب
تابعنا سابقا الآثار الضارة للتنقيب عن الذهب التي تضر بالبيئة والانسان والحيوان والنبات والأرض أو التربة ، ولذلك تتمسك الشعوب الواعية بحقوقها ضد قيام المناجم في مناطقها ، وبشروط قاسية تضمن سلامة البيئة، وعدم استخدام المواد التي تسمم التربة والماء والهواء، وضرورة استخدام أجهزة التبريد داخل المناجم التي ترتفع حرارتها بالتوغل فيها وتزداد الرطوبة، والتحوط للآثار الضارة للمتفجرات التي تحدث زلازل ضارة بمناطق التعدين وانهيار المناجم الذي يؤدي لوفاة المئات من المعدنين ودفنهم فيها.
كما تضع الدول ذات السيادة شروطا قاسية لحماية ثروتها من الذهب ومواطنيها من آثارالتعدين الضارة، مثل نسبة من الضرائب علي الشركات لا تقل عن 3% من العائد، ورسوم تصديق لا تقل عن مليون دولار، ، وشراكة الدولة مع الشركة المعدنة بنسبة لا تقل عن 50% ، اضافة لحماية البيئة والمعدنين ونسبة من العائد لتنمية مناطق التعدين ، واستشارة سكان المنطقة قبل قيام المنجم ، فهم الذين يقرروا في النهاية في الانظمة الديمقراطية، عكس الأنظمة الفاشية الدموية كنظام الإسلامويين في السودان الذي استخدم الابادة الجماعية وتهجر السكان المحليين للاستيلاء علي جبال وأراضي التعدين ، والذي أعاد للاذهان التراكم البدائي لرأس المال الذي تم بعد اكتشاف الاراضي الجديدة في أمريكا الجنوبية حيث اباد المغامرون الأسبان والاوربيون السكان المحليين وجلبوا الرقيق من افريقيا ليعملوا في مناجم الذهب التي دمرت البيئة والانسان والحيوان والنبات، وحققوا ثروات ضخمة عادوا بها لبلدانهم ( اسبانيا، انجلترا. الخ) والتي أدت لتطور النشاط التجاري والصناعي وعصر النهضة وانتصار نمط انتاج الرأسمالي بعد الثورة الصناعية في انجلترا.
فالذهب كان مصدرا للطمانينة منذ العالم القديم ومعتقدات الانسان البدائي القديم وهو يتحسس العالم من حوله، اطمأن للذهب الذي له قدرة علي الاستمرارية والصمود في وجه تقلبات الزمن والبيئة، وهو الذي يحافظ علي القيمة ، ولذا كان الملجأ الآمن لحفظ الثروة، وعلي أساسه تم اصدار العملات الورقية المغطاة بالذهب لصعوبة تداول العملات الذهبية ، اصبح قبول الأوراق النقدية خاضعا لمعيار الذهب، فالمخزون من الذهب هو الذي يحدد عرض النقود، وطباعة المزيد من الأوراق النقدية رهين بالحصول علي المزيد من الذهب.
علي هذا الأساس كما هو معروف ارتبط الدولار الأمريكي بالذهب بعد اتفاقية بريتون وودز في 22 يوليو 1944 حيث تم تثبيت سعر الاونسة من الذهب ب 35 دولار، استمر الحال حنى تفاقمت الأزمة الاقتصادية للنظام الرأسمالي بعد حرب فيتنام وغيرها ،وتناقص الذهب حتى جاء قرار الرئيس الأمريكي نيكسون عام 1971 الذي الغي ارتباط الدولار بالذهب ، الذي جاء فيه: "اذا تقدم حملة الدولار الأجانب لصرف ما لديهم عبر نافذة الذهب ، فانه سوف يتم الرفض ، ولن يكون الدولار قابلا للتحويل الي ذهب"، فيما عُرف "بصدمة نيكسون".
بحلول عام 1973 تم استبدال نظام بريتون ويدز بحكم الأمر الواقع الي نظام تعويم العملات الورقية الذي لا يزال ساريا حتى الآن.
2
أدت صعوبات ومشاكل التعدين الي الحد منه ، وزادت صناعة تدوير المصنوعات الذهبية القديمة التي أقل تكلفة من التعدين.
لكن مع أزمة كورونا ارتفعت اسعار الذهب بشكل غير مسبوق ، ووارتفعت حمى الاستثمار في الذهب بشكل اقوى من الماضي ، وفي هذا الاطار جاءت هجمة الشركات الرأسمالية الاقليمية والعالمية بشكل كبير للاستثمار في الذهب في افريقيا، وانتشر التعدين في الدول الافريقية مثل: الكونغو الديمقراطية، غانا، تشاد ، ليبيا، تنزانيا ، السودان، زامبيا. الخ والتي شكت من مخاطر تعدين الذهب وتهريبه ، بالمخالفة للقوانين ، كما انتشرت الحركات المسلحة والتنظيمات الارهابية الإسلامية والمرتزقة الروس (فاغنر) وغيرها وعصابات المرتزقة المرتبطة بدول خارجية، وانخرطت في الصراع الدموي للسيطرة علي موقع الذهب وتصديره أو تهريبه، لذلك نري أن غانا طردت الالاف من عمال المناجم الصينيين في السنوات الست الأخيرة.
وتشير تقارير الأمم المتحدة ومصادر أخرى أن 95% من إنتاج الذهب في شرق ووسط افريقيا تنتهي بدبي، وتشير (كومتريد) من العام 2006 – 2016 ازداد الذهب المستورد من افريقيا من 18% الي حوالي 50%، كما تشكل تجارة الذهب ما يقرب من خمس الناتج المحلي الاجمالي. ويلاحظ أن الامارات استوردت ذهبا غير نقي (دموي) بقيمة 15,1مليار دولار عام 2016 (رويتر: 24 /4/ 2019، الإمارات بوابة رئيسية في تهريب الذهب بالمليارات من افريقيا)، ويتم تداول معظم الذهب في دبي التي تعتبر مركز صناعة الذهب في الإمارات.أما الدول الأكثر استيرادا للذهب في العالم فهي: الصين، الامارات، سويسرا، وفي السودان كما اشرنا سابقا أكثر من 70% من الذهب يتم تهريبه وتُعتبر دولة الإمارات أكبر مستورد للذهب السوداني في العالم. إذ تُظهر بيانات التجارة العالمية لعام 2018 أنها استوردت 99.2% من صادرات البلاد من الذهب.
ويهدف المستثمرون الغربيون للحصول علي الذهب لتمكينهم من تقوية محافظهم الاستثمارية ، أما الهند والصين فتريد الذهب لصناعة الحلي، ومعظم الشركات الغربية تتجنب التعامل المباشر مع الذهب الدموي الذي يقوم علي انتهاكات حقوق الانسان والابادة الجماعية والتهجير والتعدين غير القانوني الضار بالصحة البيئة.
3
في هذا السياق الاقليمي والعالمي نفهم حمي تعدين الذهب الدموي في السودان الضار بالبيئة والانسان والحيوان والنبات والماء والتربة واستخدام مواد مثل : الزئبق الذي يسبب الفشل الكلوى، اضطرابات في القلب ، والكبد والطحال والاضطرابات العصبية .الخ، وغير ذلك من آثار شكوي التعدين، مما يعني أن الذهب الدموي يدمر ثروة السودان وبيئته ، مع التهريب للعائد من عصابات المرتزقة منذ الحكم الاسلاموي. ولا غرو أن اصبح حميدتي بين عشية وضحاها أكبر تجار الذهب في البلاد - ومن خلال السيطرة على الحدود مع تشاد وليبيا - وهي أكبر قوة حرس حدود لها، وظل هلال قابعا في السجن.
من خلال الذهب ونشاط المرتزقة المعتمد رسميا، أصبح حميدتي يتحكم بأكبر "ميزانية سياسية" للسودان، أموال يمكن إنفاقها على الأمن الخاص، أو أي نشاط، دون أي مساءلة، واصبحت شركة الجنيد، التي يديرها أقاربه، مجموعة ضخمة تغطي الاستثمار والتعدين والنقل وتأجير السيارات والحديد والصلب، وتساءل اليكس دي وال المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمية في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس في الولايات المتحدة، الذهب اكبرعدو للديمقراطية.. لماذا تقبل حكومة السودان التي يقودها الحراك باحتكار ميليشيا حميدتي لثروة البلاد التي لا تعوض؟ (موقع عربي بوست)
وعلى الرغم من الجهود الحكومية الأولية بعد ثورة ديسمبر مثل قيام "بورصة الذهب"، وأسعار مجزية من بنك السودان للمعدنين . الخ لاستعادة سيطرة الدولة أو القطاع الخاص على أجزاء من صناعة الذهب السوداني،لكن تعثرت تلك الجهود ومن ضمن الاسباب إدارة قوات الدعم السريع النافذة سياسياً اقتصاداً موازياً لحسابها الخاص، وهيمنة شركات الطفيلية الإسلاموية، وشركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع التي هي خارج ولاية وزارة المالية، وزاد من الفوضي ونهب الذهب انقلاب 25 أكتوبر ، والذي كشفت مقاومته حجم النهب لثروات البلاد كما في "ترس الشمال" والاتجاه العام للتتريس مواقع إنتاج الذهب والبترول والماشية والصمغ في كردفان ودارفور لحماية ثروات البلاد من النهب...

alsirbabo@yahoo.co.uk
//////////////////////////

 

آراء