هذا بلاغ للناس !! والسودان في ساعات مخاضه الأخيرة !! 

 


 

 

اقتربت ساعة التفكيك وبات السودان على شفا حفرة من هاوية الاندثار والضياع وما هذا بالحديث المرجَّمِ. فهل تواصلون زحفكم المقدس تبعثون السودان المُخبأ في ضمائركم والذي به تحلمون في هذا المخاض، أم تتركونه لمن يتربصون بكم وبه دوائر الكيد ويسعون إلى محوه ومحوكم من الوجود، فتكونوا مثالاً للتخاذل والخيبة والعجز وعبرة للشعوب؟؟.


(2)

أرى أحزابكم ونخبكم وقد عميت بصائر قادتها، وهم في غفلتهم صمُّ ذاهلون عن صرخات دولتهم في مخاضها الجديد.

يتصارعون مثل الأطفال على دميّهم المحشوّة بقطن الأوهام الأيديولوجيّة وزيف أحلام انتصاراتهم الصغيرة، والدولة تنزف أبناءها وتهدر طاقتها، وهم في لعبهم وفي غيّهم يعمهون.

وتسأل نفسك: ما الذي لم يعد واضحاً، مكشوفاً وفاضحاً ؟ّ.

وتسألهم حانقاً مغتاظاً:

< ألهذا المستوى بلغ بكم العمى والعجز والتخاذل أيها النخب والأحزاب ؟!.

< ألهذا الدرجة انحدر الحس الوطني والانتماء لديكم ؟!.

< ألهذا المستوى انحط الشعور بالمسؤولية والنخوة والكرامة عندكم ؟!.

< بئساً، وتباً، وسحقاً لما ترفعون أيها النخب والأحزاب من شعاراتٍ، وما تجأر به (حلاقيمكم) الواسعة من هتافات.

دعْ ما ظل يحدث طيلة السنوات المنصرمات من عمر هذه الدولة الشقيّة المنكوبة بأبنائها، من تآمر. ألا يكفيكم اليوم آخر ما رشح من أخبارها الي تأتيكم من وراء حدودها عن تقرير للجنة خبراء أُمميون تم تداوله يوم الجمعة الماضي (4/ 2/ 2022) في مجلس الأمن الدولي، بأن الجماعات المتمردة والتي وقعت اتفاقية السلام مع الحكومة السودانية في العام 2020 مازالت تُواصل العمل في ليبيا، مستفيدةً من الفُرص التي وفرتها ظروف الحرب الأهلية في ليبيا. بحسب ماذكرت وكالة الأسوشيتد برس ؟!..


(3)

قد تقول لنفسك تطمئنها: وما لنا في هذا، فليحاربوا أينما شاءوا، وسينطبق عليهم ما يطبقه المجتمع الدولي بكل مرتزقة.

ولكن تقرير لجنة الخبراء التي تُراقب العقوبات المفروضة على السودان نتيجة الصراع في دارفور في تقريرها يقول:” إن عدة مصادر في حركات التمرد قالت إنها لا تعتزم الانسحاب الكامل من ليبيا لأنهم يحصلون على معظم التمويل والأموال، بما في ذلك الغذاء والوقود من الاشتباكات هناك".

ويزيدك التقرير بيتاً من الشعر ليوقظك من غفلتك حين ينقل لك على لسان أحد القادة قوله: " ستكون لدينا قدم في دارفور، ورجل في بنغازي”. وهي المدينة الرئيسية في شرق ليبيا والتي تعد معقل القوات المُوالية للقائد العسكري خليفة حفتر.

هل تحتاج إلى مزيد من الصدمات لتصحو ؟!.

حسناً. إليك هذه الجرعة:

قالت لجنة الخبراء:" أنه على الرغم من دعوة وقف إطلاق النار في ليبيا ومطالبة القوات الأجنبية للمغادرة، إستمرت معظم الجماعات الدارفورية بالعمل في ليبيا تحت إمرة وقيادة الجيش الوطني الليبي”. وفي مقابل عملهم، وأضاف الخبراء:” إن حركات التمرد الخمس الرئيسية في دارفور والتي وقعت على إتفاق جوبا للسلام في العام 2020 تتلقي دعماً مدفوعاً ولوجستياً". وإن "الأموال والدعم تم الاتفاق عليهما في اجتماعات بين قادتهم العسكريين، وممثلي الإمارات في ليبيا". وأن" الأموال المدفوعة كانت مقدمة من دولة الإمارات العربية المتحدة عبر الجيش الوطني الليبي إلي الحركات”. وفي الأشهر القليلة تم تقليص الأموال للحركات المسلحة.

كيف تفعل الإمارات كل هذا ؟ ولماذا تفعله؟. ما هدفها، وما مصلحتها منه؟!!.


(4)

يقول تقرير لجنة الخبراء: " إن الإمارات العربية المتحدة تعتبر اتفاق سلام جوبا أساساً لانتقال ناجح، وأوصوا بأن تنضم الحركات الدارفورية الي الحكومة”.

هكذا فعلته، إذا كنت تسأل عن كيف فعلته. عن طريق تسللها إلى ملف قضية السلام المصيرية في السودان، والتقرير بشأنه، بل بتحديدها للحل !!.

أما سؤالك عن هدفها ومصلحتها في كل ذلك، فله أسباب عدة، بعضها سياسي يختص بفوبيا عدوى الإصابة بفيروس الديمقراطية.

وبعضها اقتصادي يتمثل في الطمع بموارد السودان، رغم ثراءها الفاحش الذي لكثرته التي تفيض عن حاجتها، يجعلها تبدده على هذا النحو المدمر "لأشقائها". فقد ذكرت لجنة الخبراء الأممية، إنها تلقت معلومات تفيد بأن السلطات الإماراتية استولت على منجماً للذهب مرتبطاً بإحدي الحركات المسلحة في دارفور وتحتاج اللجنة للمزيد من التوضيح والحصول على معلومات إضافية" بشأن ذلك.

أتدري أين النكتة التي تثير السخرية؟.

أن الإمارات التي تمول الحركات المسلحة لتوطد أقدامها في دولتين متجاورتين، وتستقبل الذهب المهرب والأموال المنهوبة من الشعب السوداني، تجادل وتدعي كما يقول تقرير الأسوشيتدس برس: "بأنها لم تمول أو تُسلح الحركات، وكانت جهودها على دعم مجالات الصحة والتعليم وكذلك مساعدة السودان" !!!.


(5)

أيها الناس، يا ملأ السودانيين على امتداد خارطة هذا الوطن/ وطنكم، أو ما تبقى منه، هل تحتاجون لمن يذكركم بما حدث بالجارة الشقيقة ليبيا، التي يساهم بعض أبناءنا في زعزعة استقرارها وتفكيك دولتها ؟!.

إنه نفس ما يحدث لكم اليوم، وأنتم ودولتكم تسيرون في ذات الطريق، وستصلون إلى أسوأ مما وصلت إليه.

فمساحات بلدكم وموقعها ومواردها تغري بكم كل طامع، حتى بين من يدعون حبكم ودعمكم ويسمونكم "أشقاء" لكم.

أو أن المجتمع الدولي سيحارب عنكم جلاديكم وقتلتكم ويحول دون تفكيك دولتكم وتشردكم بين دول العالم وشعوبه، لاجئون، مهانون، تستجدون المنظمات الدولية اللقمة والكساء، والخيمة التي لن تستركم ،أو تقيَّكم لا حرّ الصيف وقيظه ولا برد الشتاء وزمهريره.

تعيشون ذلاً في أوطانكم أو تموتون فيه جوعاً وقهراً.


(6)

يا أهل السودان: أكاشفكم بسرٍ وأنتم مستودع كل سرِّ دفين؟.

لست متشائماً، ولكن مع وعي تام وأدرك  بحجم المخاطر التي تحدق بنا وبدولتنا.

ولكن ألا يثير في نفوسكم ما يكرره بشكل ممجوج وبذيء قادة الحركات المسلحة والبرهان من تحذيرات – هي أقرب إلى التهديد – عن مصير ليبيا الذي يحدق بالسودان. وكأنهم بتحذيراتهم تلك يخيروننا بين: أن يحكموا قبضتهم على رقابنا (النموذج المصري)، وبين أن تحل علينا اللعنة التي نزلت بإخوتنا في (ليبيا) و(سوريا) ؟!.

لقد انزلقت ليبيا إلى مستنقع من الفوضى والاضطراب بعد انتفاضة دعمها حلف شمال الأطلسي عام 2011 أطاحت بالدكتاتور معمر القذافي، والذي قتل في وقت لاحق. ثم انقسمت بعد ذلك بين حكومتين متنافستين – واحدة في الشرق يدعمها حفتر، وإدارة مدعومة من الأمم المتحدة في العاصمة طرابلس، وكل منهما مدعومة من قبل ميليشيات مختلفة وقوى أجنبية متنافسة وتؤجج من الصراع الليبي، لتعج الساحة الليبية بخليط متداخل من القوات المقاتلة، بعضها من مجندين محليين، وبعضهم شراذم مرتزقة من الدول الخارجية، ميليشيات مختلفة من آسيا وأفريقيا.

وفي أبريل من العام 2019 شن حفتر وقواته، بدعم من مصر والإمارات العربية المتحدة، هجومًا لمحاولة الاستيلاء على طرابلس، حيث إنهارت حملته بعد أن كثفت تركيا دعمها العسكري للحكومة المدعومة من الأمم المتحدة بمئات القوات وآلاف المُرتزقة.

ودعا اتفاق وقف إطلاق النار المبرم برعاية أممية في شهر أكتوبر 2020 إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية من ليبيا. وأدى إلى اتفاق بتكوين حكومة انتقالية في أوائل فبراير 2021 وقد تعسر إجراء الانتخابات بسبب الخلافات بين أطراف العملية السياسية، وتم تأجيل الانتخابات التي كان من المفترض إجراؤها في 24 ديسمبر من العام الماضي.

ألا تجد تطابقاً وتماثلاً بين ما يحدث هنا والآن في السودان وبين ما حدث ويحدث في ليبيا، وكأنها تجربة تتكرر ويُستعاد سيناريو أحداثها في المسرح السوداني ؟!.


(7)

مرة أخرى، لست متشائماً، بل في غاية التفاؤل، مع الوعي الكافي بما في رحم المستقبل من احتمالات.

تسألني عن مصدر تفاؤلي ؟.

إليك مصادر ومعطيات تفاؤلي وهي واقعية للغاية و موضوعية، لم أبنها على رمال شواطئ خيالي قصوراً شواهق، وهي تتمثل في:

- يشهد السودان مخاض ولادة دولته الجديدة الحديثة، وقد كتبت قبل أسبوعين، أو نحو ذلك، أن الدولة القديمة التي ورثناها منذ عصور السودان الوسطى مع ممالك وسلطنات سنار ودارفور وتقلي والمسبعات وممالك الشمال القبلية، قد ماتت وشبعت موتاً، وولى زمانها إلى غير ما رجعة. وأن فجر الدولة الجديدة قد أطل.

- وأن ما نشهده الآن من القوى المستفيدة من الدولة القديمة الآن من استرخاص لأرواح الشباب وقوى الثورة الحية وعنف، ما هو إلا رقصة طائر مذبوح، وهي الرقصة الأخيرة في حياة الدولة القديمة.

- وما نشهده الآن من السلطة الانقلابية من ركض أهوج مجنون بحثاً عن طوق نجاة من مصير محتوم، يؤكد أن دولتهم تترنح الآن لتسقط في قاع التاريخ.

هل ترى هذا الاستخذاء للاستجارة بالصهيونية العالمية ودولتها غير الشرعية في أرض فلسطين حتى أصبحت المستشار الأول للمجلس الانقلابي. ووضع الملفات الاستراتيجية العليا للدولة بيد الإمارات لتقرر بشأن قضايا السودان المصيرية. وإغراء الصين التي يندي جبين الإنسانية لجرائمها الممنهجة على شعب الإيغور المسلم، وإغراء روسيا التي ما وفرت جهداً في هدم سوريا وقتل وتشريد شعبها. إغراءهما بموارد السودان وموقعة الجيوسياسي الاستراتيجي في قلب القارة وعلى ساحل البحر الأحمر، في استجداء رخيص ومخزٍ لحمايهم من الشعب!!.

هذه كلها شواهد فصيحة وبليغة على خاتمة عهد وتاريخ، وبداية عهد وتاريخ جديد. وكما قلت قبل، إن هذا يشبه قيامة وجودية وسياسية وثقافية يسعد بعدها بعض الناس والمؤسسات، ويشقى آخرون.

ونواصل.


izzeddin9@gmail.com

 

آراء