شٌـملة بنت عِنيـزة هي تِلاتِيَـة وقـَدها رُبَـاعِي 

 


 

 

العنوان مأخوذ من مثل شعبى متداول ويوصف به المشكل معقد الحلول ، (وينطبق على الوضع الإقتصادي الحالي) . الشملة تِلاتِيَـة وقـَدها رُبَـاعِي أى أن شكلها العام ذو ثلاثة أضلاع (مثلث أو ثلاثية) مثقوبة بثقب ذو أربعة أضلاع (رباعى) أى أن المتبقى منها ما هو إلا بقايا الزوايا الثلاثة الصغيرة الحجم مقارنة بوسط المثلث المقطوع منه مربع . وفي رواية (الأشواق والأماسي) للكاتب عبد الحكيم قاسم ورد المثل الشعبي بنص آخر وهو   (شٌـملة بنت كِنيش هي تِلاتِيَـة وقـَدها رُبَـاعِي) ،أى طولها ثلاثة أذرع و قدها (أي  ثقبها في الوسط) أربعة أضرع . وسواء  بنت عِنيزة، أو بنت كِنيش المقصود من المثل واحد وهو الشملة المعيوبة بثقبها  .. الشملة من الأشياء التقليدية للمرأة السودانية،  ومصنوعة من الصوف في شكل بطانية، تستعمل اثناء أداء طقوس التدخين  للمرأة المتزوجة ،  والمقبله على الزواج (يعني حمام بخار) كانت شملة  بنت عنيزة أو بنت كنيش عديمة الفائدة في الدخان . إذ أن الكمية المفروض فيها ان تغطي كل  جسمها  لتريحها من تعب النهار  والإرهاق وفوق هذا تُريحها من الرطوبة .. كل الدخان يذهب في الهواء  بالقد (الثقب) .. ويظن الكل بأن ( بنت عنيزة، أو بنت كنيش)  ستواصل نشاطها في اليوم التالي بالهمة المطلوبة بعد حمام البخار (الدخان) الذي عطر كل الحي .. ولما تصبح بنت عنيزة، أو بنت كنيش على حالها من التعب والإرهاق يكتشف الناس سر الشملة الممحوقة عديمة الفائدة ومن يومها صارت مثلاً يُضرب لكل ماهو ممحوق أصلاً دونما أدنى فائدة  مما يعني الفشل في تحقيق الغرض .. إنطباق المثل على الحالة الإقتصادية وتحديداً ميزانية ٢٠٢٢ ، والتي مصروفاتها اكثر من العام السابق ، وإيرادتها المتوقع تحصيلها  سوف تكون أقل بأرقام خرافية من ميزانية العام الماضي ،، وهو الثقب أو القد في الشملة.


° إنسداد الأفق السياسي تهافتت عليه المبادرات  من كل حدب وصُوب وحزب ولون سياسي حتى الطرق الصوفية والإدارة الأهلية، في حين  يتم تناول الإقتصاد  بأننا على شفا حفرة من الإنهيار  وفي نطاق محدود  لا يتناسب مع حجم الأزمة . و حسب تقديري الشخصي إننا في جُب الإنهيار وليس على الحافة كما يتم تناوله ،  وكنت أتمنى أن يتم تناول هذا الإنهيار بمبادرات مهنية بحتة مبنية علي الحيثيات والواقع الحالي المدعوم بالأرقام ، ولكن للاسف لم  أسمع بمبادرة واحدة للخروج من هذا الجُب إسوة  بسيل المبادرات للخروج من إنسداد الأفق السياسي . وأعتقد أن كل المبادرات المقدمة سوف لن تؤدي غرضها المنوط بها ما لم تستصحبها  مبادرة إقتصادية فعالة ، وكلي أمل أن تنساب مبادرات اخري للخروج من جُب الإنهيار الإقتصادي .


° حيثيات إننا في جُب الإنهيار يمكن ان  أوردها في التالي :


° أولاً  :

ميزانية ٢٠٢٢ تم الإعداد لها قبل ٢٥ أكتوبر ، وجُلها معتمد على التدفقات النقدية الخارجية من إستثمارات ومنح وقروض وإعانات وعائدات صادر وتحويلات مغتربين يكاد  جُلها يساوي صفراً - بعد ٢٥ أكتوبر - بعد تجميد القروض والإعانات والمنح والإستثمارات  التي تفوق المليارات من الدولارات . إضافة لإيرادات الدولة العادية من رسوم وضرائب وجبايات أخرى.


° ثانياً  :

بنود الصرف أكبر من بنود الصرف من الميزانية السابقة  بسبب الترهل الوظيفي في المناصب الدستورية، وتعيينات الخدمة المدنية المبنية على المحاصصات وإستحقاقات إتفاقية سلام جوبا ، مضافاً لها الصرف الناتج من الوضع السياسي طيلة الفترة من ٢٥ أكتوبر وحتي تاربخ اليوم . كل هذا الصرف يزيد من الحجز بصورة غير مسبوقة.


° ثالثاً  :

مما تقدم ذكره يتكشف من خلال أن العجز في الميزانية سيكون كبير جداً ،  حيث إن هشاشة الحكومة تتعامل بردود الأفعال تصدر الرسوم الجديدة بموجب ما يسمى توجهات الميزانية ، وعند ظهور أي إحتجاجات تتراجع فوراً  من قرارت الزيادة ، مثالاً لا حصراً رسوم الكهرباء. ووزارة المالية في تخبطها بوضع لوائح - كما سموها موجهات -  زادت بموجبه كل ما يسمى رسم أو مسماه يشير إلى إنه من الجبايات ، يعتبر من الإيرادات  بنسب أضعافاً مضاعفة وكلها تقع علي كاهل المواطن بصورة مباشرة ، أو غير مباشرة. ومما لايدع مجالاً للشك عدم مقدرة المواطن على تحملها ، مما يعني ان هذه التقديرات ليست مبنية علي أسس صحيحة ، بل كل ما بُنيت عليه هو سد ثغرة عجز الميزانية  كأرقام ، دونما أي توقعات لإستحالة التحصيل  وهو ما لاشك فيه واقع لا محالة. مثالاً للرسوم والضرائب المباشرة رسوم الكهرباء  والمستشفيات الحكومية وترخيص السيارات رخص القيادة وما شاكلها.


°  رابعاً  :

الرسوم والضرائب والجبايات المفروضة على القطاع التجاري والمصدرين والموردين كلها مدفوعة من مال المواطن بصورة غير مباشرة ، وسوف لن تتحمل الشركات والأفراد مخاطر عدم تحمل المواطن لهذه الرسوم ، والهروب من هذا الخطر بوقف النشاط وتجميد العمل أو تقليله ، مما يعني أن مساهمة  الكثير من الشركات والمؤسسات  في إيرادات الضرائب والجبايات سوف تكون ما دون ما تم تحقيقه  العام الماضي .


° خامساً  :

الرسوم الجمركية على سلع الوارد والصادر  في النهاية يتم تحصيلها من مال المواطن،  و مخاطر عدم تحمل المواطن لها  تدفع الموردين لتقليل الكميات التي يتعامل بها في السنوات السابقة لأدني حد (مثالاً المورد الذي كان يستورد ١٠ كونتينرات في العام سوف يقلل الي ٥ كونتينرات، أو  ما دونها بحجم مخاطر عدم البيع،  لذا سوف يقل التحصيل بنفس النسبة، أو أكثر من إيرادات الدولة لميزانية العام الماضي .

من طرق مواجهة الازمات الإقتصادية فتح فرص العمل للعطالة مما يزيد من قدرة المواطن وتغيير ثقافته الإستهلاكية بالزيادة في شراء السلع مما يسهم مباشرة في زيادة إيرادات الدولة من الضرائب المفروضة على التجار والمستوردين ، وبنفس القدر ضعف قدرة المواطن يؤدي إلى نقص تخصيل الضرائب غير المباشرة..


°  سادساً  :

هدد الكثيرين من القطاع الزراعي أن الرسوم والجبايات بموجب موجهات ولوائح وزارة المالية سوف تضطرهم لترك الزراعة عصب الإقتصاد  ومنها مزارعي القضارف والشمالية ومشروع الجزيرة ، لذا ترك الزراعة يقلل الكميات المحسوبة عليها الرسوم والجبايات بنسبة كبيرة  مما ينعكس على تحصيل الإيرادات  لما دون إيرادات ميزانية العام السابق .


° سابعاً  :

مشروع الجزيرة والمناقل والشمالية في الموسم السباق ساهموا بما يقارب ال ٥٠٠ الف طن قمح ، إحتياجات السودان السنوية فوق الإثنين مليون طن ، وقتها تم سد الفجوة من السوق العالمي والمعونات والقروض .

هذا الموسم واجهت إنتاج القمح  مشكلتين مما سيؤثر على كمية الإنتاج الي ما دون ال ٥٠٪ من إنتاجية العام الماضي ، تنحصر المشكل تين في :

١. رفع تعريفة الكهرباء بناءاً على مبدأ سد العجز كرقم في الميزانية، بنسبة عالية جداً مما آثار ما يحدث حالياً من إحتجاجات  مع الإمتناع عن ري محصول القمح في شمال البلاد ، هذا الإمتناع سوف يتسبب في نقص الإنتاج بنسبة تفوق ال ٥٠٪  هذا في مساهمة الشمالية.

اما مشروع الجزيرة والمناقل أحجمت وزارة المالية والبنك الزراعي عن تمويل وتوفير سماد اليوريا والذى من المفترض يكون جاهزاً بنهاية نوفمبر كحد أقصى ، إحجام المالية والبنك الزراعي أدى إلى تأخير وصول السماد  بعد فوات أوان حاجته،  حيث وصلت باخرة سماد اليوريا ميناء بورتسودان في الثاني من فبراير حيث حمل الإعلام إستقبال السيد محافظ المشروع الباخرة في بورتسودان .. لا المتخصصين ولا وزارة الزراعة ولا حتى المحافظ يعلمون ان الزراعة مواقيت كي تنجح ، وخاصة محصول القمح الشتوي والذى تتأثر كمية إنتاجية الفدان بمرور الموجة الباردة في وقت محدد ، يعني سماد اليوريا وصل بعد مرور الموجة الباردة  مما يؤثر على إنتاجية الفدان  في الجزيرة والشمالية ..  في مشروع الجزيرة المقتدرين  من المزارعين إشتروا سماد اليوريا من السوق الأسود بنسبة زيادة في الأسعار قاربت الضعف ، هذه الفئة سوف لن ولا تسلم إنتاجها  للبنك الزراعي ولا للحكومة بأسعارها المحددة مسبقاَ وهي ما دون تكلفة الإنتاج . والتوقعات للإنتاج في مشروع الجزيرة والمناقل  أقل من ٥٠٪ من انتاج الموسم الماضي.

اي ان مشروع الجزيرة والمناقل والشمالية مجتمعين  انتاجهما سوف لن يتخطى ال ٥٠٪ من انتاج الموسم السابق اي بالأرقام  مادون ال ٢٥٠ الف طن.

الفجوة سوف تكون على أفضل الفروض سوف تكون فوق المليون و٧٥٠ الف طن.

بنك السودان ووزارة المالية  لا تمتلك عملات صعبة لتغطية الفجوة ولا أمل لمعونات خارجية ، أو قروض تكفى لشراء كمية تسد الفجوة من السوق العالمي لعدم توفر العملات  ببنك السودان أو وزارة المالية ، وهذا اكبر مؤشر  للندرة القادمة في قمح الخبر  والتي ستكون الأسوأ من سابقاتها لعدة سنوات .

ما تطرقت له بعاليه حسب معرفتي ومتابعتي ، أتمنى من الإخوة المهنيين من إقتصاديين وزراعيين وغيرهم المساهمة قدر الإمكان بتقديم المبادرات المهنية البحثية للخروج من جُب الإنهيار الإقتصادي ، ونحن على أعتاب أزمة عالمية من الحبوب بسبب التهديدات الروسية لأوكرانيا التي  تعتبر من أكبر المنتجين للقمح حيث تنتج ٣٠ مليون طن من القمح وترفد بها السوق العالمي ، مع تزامن مخاطر قلة الغلة بسبب التغيرات المناخية في كل العام ، إضافة  لتزامن هذه الندوة مع شبح الأزمة الإقتصادية العالمية المتوقعة  أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات ،  والمرحلة  من أزمة ٢٠٠٨/٢٠٠٧ ، بل تفوقها.


مما تقدم ما يجري حالياً  هو مطابق تماماً للمثل الشعبي عنوان المقال  :

شٌملة بنت عِنيزة أو بنت كِنيش هي تِلاتِيَة وقدها رُبَـاعِي ..


اللهم إنا نسألك الهداية والتخفيف ..

ــــــــــــــــــــــــ


elhassansayed@hotmail.com

 

آراء