حك الجروح النفسية

 


 

 

بعض الناس يحلو لهم حك جراحهم واستثارتها، وهم يجدون بعض اللذة في الألم الذي يسببه حك الجرح. مثل اللذة المصحوبة بالألم التي يسببها تحريك ضرس غير ثابت. ويفعل الواحد ذلك وكأنه تحت تأثير خدر، يفعله بصورة قهرية لا واعية.
من ناحية نفسية تبدو العملية في ظاهرها لا ضرر منها. هذا إذا لم تكن تحقق بعض الراحة النفسية وذلك جراء عملية الحك. وكأن الشخص يقول لنفسه "لا بأس ،إنه مجرد خدش في سطح الجلد " ،والحك بالتالي هو عملية تأكيد للذات بأن لا خطر هناك ،ولا شئ يستحق القلق والخوف.
وعملية حك الجرح في الواقع لا تحدث إلا إذا كانت خلايا الجلد تقوم بعملية "ترميم" ذاتي ،بإحلال خلايا حية محل تلك التي ماتت وخرجت جثثها في شكل مواد صديدية سائلة.
كذلك الأمر في الجروح النفسية أو تلك التي تصيب الروح.فعندما يجد الشخص نفسه محاصراً بمشاكل مستعصية – أياً كان نوعها – ويستشعر عجزه عن مواجهتها وحلها، ويشعر بأن الأفق أمامه مغلق ومظلم وليس ثمة مخرج. يميل بعض الناس في أوضاع مثل هذه إلى "التفكير الدائري"، أي أن يدور عقله ويلف حول نفسه في حلقة عبثية "داخل" المشكلة.
هو يكتفي في هذه الحالة بالتفكير في تفاصيل المشكلة من داخلها.
وهو تفكير يكتفي بالدوران حول "مظاهر" المشكلة و"نتائجها"..
وهو يفعل ذلك بشكل متكرر، يستعيد فيه صور "المظاهر" كل مرة بشكل دائري.
يقف عند "النتائج المحتملة" في حدودها الكارثية القصوى. ثم يعود مرة أخرى إلى نقطة البدء باحثاً عن احتمال أقل كارثية، بما يشبه معجزة ما تُخرجه من نفق المأزق هذا.
ثم يعود إلى استعراض المظاهر لينتهي عند النتائج ... ليعود إليها كرة أخرى.
وهذا يشبه بالضبط عملية "حك الجرح".
فأضرار هذه العملية في نتائجها النفسروحية النهائية تماثل نتائجها الفيزيقية، فهي لا تؤدي سوى إلى تهييج الخلايا البديلة وعدم إعطاءها الفرصة لتقوم بعملها في احتلال محل الخلايا التي ماتت وزحزحتها عن مكانها .
الأمر الذي يؤدي ليس إلى عدم التئام الجرح فحسب، بل وإلى تمدد الالتهاب وتغلغله عميقاً إلى ما وراء سطح الجلد.
وهذا بالضبط ما يحدث في حال الجروح النفسروحية ..
إن التعامل معها بطريقة الاجترار والتفكير الدائري يُعمِّقها ، ويُحدث في الجروح تغييرات نوعية نتيجة تغلغلها عميقاً في النفس والروح ،لتفاعلها مع مكونات أكثر جذرية هناك ،محدثة أضراراً في الجهاز المسؤول عن تحديد وتكييف آليات التفكير ،مخترقة شفرته ، لينتج فكراً مسموماً وأفكاراً سامة ويصدر أوامره ماوراء إرادة الشخص .
وعندما يُصدر الجهاز المسؤول عن إنتاج الأفكار وردود الأفعال التكيفيَّة، والمسؤولة بشكل عام عن التوازن النفسروحي والسلوكي أفكاره، فإن الجهاز سيُنتج في هذه الحالة أفكار وردود أفعال سلوكية مضطربة، ترتد ضداً على صاحبها .
تماماً مثلما تلدغ العقرب المحاصرة بالنار ظهرها بسبب توترها واضطراب سلوكها، ليقال أن العقرب تنتحر. وهي في الواقع لا تنتحر إرادياً، ولكنه التوتر والاضطراب العصبي ما يجعلها توجه إبرة ذيلها المتصلب نحو ظهرها أو رأسها... فتموت !!.
"يوميات"

izzeddin9@gmail.com

 

آراء