تداعيات بزوغ النظام الدولي الجديد ومسؤولية وزراء القطاع الاقتصادي السوداني

 


 

 

من رأيي ولأسباب لا تتسع هذه المقالة للاستفاضة فيها، أن احتمال نشوب حرب نووية عالمية على وقع الاجتياح الروسي لأكرانيا هو صفر % .. وأهم ما يدعوني لتقرير ذلك هو أن الأسلحة النووية هي أسلحة ردع deterrence فحسب..

لكن نقص الغذاء وربما بعض المجاعات واردان بشكل كبير إزاء عاملين رئيسيين هما: زيادة أعداد سكان الأرض، وتزايد عمليات الاصطفاف وإعادة الاصطفاف والتموضع وإعادة التموضع من أجل وضعية أفضل للدول في النظام الدولي الجديد الآخذ في التشكل. وهو كنظام دولي جديد، قد بدأ عمليا الدخول في مراحله الحاسمة..

فأي تحريك (متزايد) للناتو والحلف (الجديد) بين اميركا واستراليا وبريطانيا، ومظاهر التحالف بين روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية.. وكذلك احتمالات تضعضع الناتو في أوربا (ألمانيا واعتمادها على 50% من الطاقة الروسية) وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتداعيات بريكسيت والهواجس الناجمة عن كل ذلك.. سوف تقود جميعها إلى تجميد كل أنواع الاستثمار طويل الأجل، ومن ذلك الاستثمار طويل الأجل في الزراعة والصناعات التحويلية والغذائية المرتبطة بها..

وكذلك فإن التحريك الكبير والتعبئة للبشر والموارد ومحاولات الخنق والحصار.. سوف يؤثر بكل تأكيد على ممرات التجارة الدولية أولا، كما سوف يؤثر - على مدى طويل نسبياً - على إنتاج الغذاء ثانيا. مما ينتج عنه نقصا ملحوظا في الغذاء سوف تتأثر منه دول كثيرة غير منتجة لغذائها / أو ذات سياسات خاطئة او حتى غير وطنية..

السودان سوف يكون الأقل تضرراً إذا قام وزراء القطاع الاقتصادي السوداني بدورهم الوطني المأمول في هذه المرحلة عبر إيقاف تصدير معظم منتجات السودان الغذائية وعلى رأسها الحبوب مثل القمح والذرة والدخن بأنواعها، وكذلك السكر والسمسم والفول السوداني والفول المصري والكبكبي والفاصوليا والخضروات بأنواعها، ومن ثم تقييد تصدير بعض المنتجات الغذائية والزراعية الأخرى على أساس حجم الانتاج وحجم الاستهلاك وحجم القدرة التخزينية في السودان.. ويشمل ما يجب تقييد تصديره كلا من اللحوم والقطن والصمغ العربي، على سبيل المثال وليس الحصر..

وعلى المواطنين عموماً مساعدة أنفسهم باللجوء للوسائل التقليدية الموروثة في التجفيف والتخمير للمواد الغذائية مثل تجفيف اللحوم والأسماك والطماطم والبصل عبر كافة عمليات التخمير والتجفيف. وهذا النشاط الشعبي في التجفيف والتخمير والتخزين المعقول.. سوف يكون له أثران إيجابيان، أولهما، أنه سوف يزيد الطلب على الانتاج المحلي وبالتالي يشجع المصدرين على عدم اللجوء للتهريب، وثانيهما؛ أنه يشجع على إعادة تدوير الرساميل الوطنية في قطاع الزراعة وصناعة الغذاء.. وهو توجه مطلوب عموما بشدة على المديات القصيرة والمتوسطة والطويلة في السودان.. وكذلك تدفعنا نحوه تأثيرات وتداعيات نشوء النظام الدولي الجديد.. وذلك حتى تستقر سفينته وعلاقاته على جبل الجودي.. ريثما تتبلور ملامح مرحلة تاريخية جديدة في تاريخ البشرية.. وهي كمرحلة ليست بعيدة حسب العديد من مؤشرات الراهن السياسي والاقتصادي على كافة المستويات الإقليمية والعالمية، بما في ذلك العجز البائن للمنظمات الإقليمية والدولية عن حلحلة المشكلات الراهنة والعلامات الملحوظة على تدهور مصداقيتها لدى أصحاب الشأن، الشعبيين والرسميين منهم على حدٍ سواء.. بينما لن يرتبط نشوء النظام الدولي الجديد في هذه المرحلة التاريخية من التطور البشري، بحروب كبيرة ومجاعات وحصارات ضخمة كما جرى في مراحل سابقة من تاريخ البشرية.. وهذا يعود بشكل أساسي ليس فقط إلى إزدياد عدد الدول التي تمتلك أسلحة ردع ومنها السلاح النووي العابر للقارات، بل ايضا إلى المدى الذي بلغته ثورة تكنولوجيا المعلومات / الثورة الثالثة في تاريخ التطور البشري، والذي كفل تطوراً في الوعي والضمير الإنساني يؤكد على أن العدالة والقيم الإنسانية الشريفة، هي وحدها القادرة على جلب الاستقرار الاجتماعي بأبعاده الاقتصادية والسياسية معاً..

والثورات المعنية فيما أشرت إليه أعلاه، إنما أقصد بها تلك الثورات التي أحدثت نقلات ضخمة في التطور الإنساني الاقتصادي والاجتماعي وبالطبع السياسي. تلك النقلات التي بدأت بالثورة الأولى وهي اكتشاف الزراعة، والثورة الثانية وهي اختراع الآلة، ومن ثم الثورة الثالثة التي مثلتها ثورة تكنلوجيا المعلومات والاتصالات بتطبيقاتها الضخمة في عمليات التوزيعdistribution وتقنياته المتعددة.. وهي ثورات، لحسن الحظ، تمثل لا رجعة فيها irreversible change ولا يمكن عكسها أو حتى إرجاع عقارب ساعتها إلى الوراء.. وهذا، بلا أدنى شك، سوف يجعل من التسويات عبر الحلول التفاوضية أساسا لترتيبات النظام الدولي الجديد، وليس محض عقود الإذعان كما كان يحدث سابقا.. وهو ما يجعلني أقول بكل ثقة أن النظام الدولي الجديد البازغ، سوف يكون أفضل من كل الأنظمة الدولية التي سبقته..

abumedian123@gmail.com
////////////////////////////////

 

آراء