كفى هرولة وذلَّة .. الحل هنا !

 


 

 

إليكم هذه النكتة: قيل أن طالب نحيف، فقير، رث الثياب، مشاكس تربية شوارع، اعتاد إرهاب وتخويف طالب رقيق، مهذب، "ابن عز"، ضخم، مسالم، من عائلة ثرية ، ويأخذ منه بالتهديد مصروف إفطاره، وهو مبلغ كبير لا يحلم والد الفقير بكسبه من عمله اليومي تحت الشمس، وكانت استراتيجية الفقير في النهب تكمن في عنفه اللفظي الجارح، وتهديداته التي يشحنها بإشارات جنسية وقحة، تتجاوز زميله لتطال والدته. أثار هذا الوضع غضب وغيظ صديق للطالب المغلوب على أمره، فنصحه قائلاً: "لا تعر تهديداته بالاً، فهو لا يستطيع أن أن يهزمك فأنت أضخم منه، وكل ما عليك فعله حين يأتي صباح الغد ويطالبك بـ"حق الفطور" أن تحمله بذراعيك إلى أعلى، وهو كما ترى بنفسك خفيف الوزن، ريشة، وتضرب به الأرض. وعمل صاحبنا بنصيحة صديقه، فما أن جاءه الصبي مهدداً بوقاحة كعادته ليأخذ المصروف حمله الضخم بذراعيه إلى أعلى. إلا أن المرفوع صار يرعد مهدداً وهو معلق في الهواء محمولا على ذراعي الضخم: "أحسن تنزلي وإلا فإنني سأفعل بك كذا وكذا"، ومرة أخرى يهدد "والله تنزلني سأفعل بك كذا وكذا". فأصاب صاحبنا رعب قاتل ولم يعد يعرف ما الذي عليه أن يفعله، هل ينزله ليفعل به ما هدد انه سيفعل به، أم لا ينزله ليفعل به ما قال؟!. فذهب به وهو يحمله مرفوعاً على ذراعيه إلى مكتب مدير المدرسة وهو يبكي، ليحله المدير من هذا المأزق.

(2)
أليس هذا هو حال الانقلابيين الآن؟.
لقد فعلوا كل ما بوسعهم فعله بخسَّة، من تآمر، وتهديد، واستهبال، وتحايل، ونفاق وكذب، وخلف للوعود، وخيانة، ليستولوا على السلطة. وصاح من باعوا شرفهم وضمائرهم مبايعين، يحرضونهم للانقلاب. وجمعوا ما توافر في سوق النخاسة السياسية من بغاث الطير بين رجالات الإدارة الأهلية وبعض الدراويش والفلول والمرتزقة. وصرفوا ببذخ على ولائم تنوعت أطعمتها لمن لا يجدون خبز حاف.
يسدُّ جوعتهم، وتحقق لهم ما أرادوا.
استولوا على السلطة بانقلاب لا يقل تهافتاً وغباء عنهم.
فهل حقق لهم هذا شيئاً مما منّوا أنفسهم به؟.
استولوا على السلطة بانقلابهم فماذا فعلوا بها، وماذا فعلت بهم السلطة؟.
لقد أصبحت السلطة التي فعلوا للاستيلاء عليها وسرقتها من مفجري الثورة ما لا يخطر بذهن أحط مجرم سارق فعله، مشكلة بالنسبة إليهم، وكأن ما يقبضون على أيديهم ناراً، لا يعرفون كيف يتخلصون منها.
والآن ها هم يحملون السلطة ككرة النار، ويذهبون بها مرة إلى مكتب المدير في الإمارات أو يشدون بها الرحال على متن الطائرة إلى مكتب المدير في موسكو، أو يخطف أحدهم رجله إلى القاهرة وهم يرتجفون. وعرضوا ليس ساحل البحر الأحمر وحد، بل وكل السودان: موقعه وثرواته وإرادة قراره ليقايضوا به حلاً لمشكلة السلطة التي صارت بعبعاً ومغرماً، بعد إذ كانوا يعدونها مغنماً.

(3)
كتبت من قبل ذا في هذا الموقع ناعياً: "لقد طويت صفحة السودان القديم الذي كنا نعرفه منذ ما قبل الاستقلال إلى غير رجعة، وأطل فجر سودان جديد، تُفتتح الآن صفحاته واضحة المعالم والحروف. الآن بدأت تتشكل الدولة السودانية الجديدة، وكل الشواهد تؤكد ذلك وتدل عليه"(1). ولم يكن ذلك يحتاج إلى كاهن أو عراف وضرب رمل أو رمي ودِعْ. فكل الشواهد واضحة. وكان العنف المجنون المنفلت من كل قيد أخلاقي، أو حتى ضابط احترافي، أو ضمير إنساني من حملة السلاح بمختلف أزيائهم الرسمية، في مواجهة الشابات والشباب والأطفال السلميين، كان وحده كاف ليكشف ويفضح هزيمة الانقلابيين في لجنة البشير الأمنية، و مدى رعبهم..
وها هم الآن يتراكضون مهرولين رعباً وهلعاً من المصير المحتوم:
- حميدتي إلى روسيا التي وفر لها غطاء من ذهب السودان لتشن حربها العبثية على أوكرانيا، ويقضي أكثر من أسبوع ليقابل بوتين المشغول بالحرب.
- والبرهان إلى مصر ليقضي أربعة أيام يشكوهم حميدتي، ويسألهم ما الذي عليه أن يفعله. وذهب إلى محمد بن زايد ليقطع الطريق على حميدتي. ويعود ركبهم على أمل أن يطرح أي من الرجلين مبادرة، يعرف قبل غيره أن مصيرها إلى المزبلة، لأن الرجلين بوتين والسيسي، وحتى ابن زايد، لم يفاوض مع من كان ينبغي أن يفاوضهم، وهم الذين يسيطرون على مفاتيح المشهد والحل: شباب لجان المقاومة. ظناً منهما بأن التفاوض مع ممن لا يملكون من الأمر شيئاً، من فلول الأحزاب المتشاكسة، وقيادات الحركات المارقة التي خانت قضية أهلها سيحل المشكلة، ويضمن مصالحهما في نهب ثروات السودان.
والآن، حتى مدير المدرسة نفسه (واقع في ورطة) ولا يعرف ماذا يجب أن يفعله لمن جاءوه باكين وهم يحملون السلطة مرعوبون.

(4)
ولكن لا بأس، فكل هذا القبح هو نهاية الفصل الأخير في المهزلة التي ظلت تتكرر منذ قيام وسقوط ممالك العصر الوسيط السوداني. وازانا بمفتتح عصر سوداني جديد.
"الآن بدأت تتشكل الدولة السودانية الجديدة، وكل الشواهد تؤكد ذلك وتدل عليه. وقد يجد البعض أنفسهم في حيرة. قد يتشكك البعض، وقد يصيب الدوار آخرين. وقد يجد البعض صعوبة في استيعاب الحقيقة ويميل لإنكارها، وقد يجد البعض أنفسهم في منحدر موقف وجودي حرج فيقاتل الدولة الجديدة، ولكن بعضهم سيحاول الانخراط في مسارها.
ولكنها ستمضي، ونشهد ميلاد ما كان البعض يظنه أطغاث أحلام، وضرباً من جنوح الخيال، ونحن نشهد ميلادها المبارك الآن." (2).
وأما من يحملون السلطة المغتصبة فقد كلَّلت أذرعتهم وأكتافهم من حملها الثقيل وسيضطرون لإنزالها، بالتي هي أحسن أو بالتي هي أسوأ، وهم الآن يتخبطون في الهرولة بين الأجاويد، وصحَّ من خاطبهم من سحيق الأزمنة "التعملها بأيدك تغلب أجاويدك". فلا حل لهم، لا في موسكو ولا في أبوظبي ولا في مصر ولا في واشنطون حتى "فلكل شأن يغنيه".
فلا تجعلوا أنفسكم، وتجعلونا معكم (مسخرة) بين شعوب العالم بهذه الهرولات المذلة لكم ولنا.
الحل هنا.
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
آخر سطر:
أديب المحامي (بتاع وأد التحقيق) في جريمة فض الاعتصام، (عند نفِس) يتكلم في قضايا الثورة .. آخرها قوله بأن وثيقة دستورية جديدة تعني قبول الانقلاب!!.
هو ما سمع بميثاق سلطة الشعب ؟!.
الزول دا ما بيختشي ؟؟؟!!!.
أسكت والتزم الصمت، فهذا أكرم لك وللمهنة.

هوامش
(1) السودان القديم إلى مثواه الأخير، سودانايل، بتاريخ 30 يناير, 2022.
(2) نفسه، السابق.

izzeddin9@gmail.com
////////////////////////

 

آراء