إلى عمار محمد آدم: لقد كفرت بالتنظيم، وبقي أن تَّطهر من الفكرة !! .. العلمانية ليست سُبَّة، و”الكيزان” ليسوا علمانيون !. بقلم: عزالدين صغيرون
عز الدين صغيرون
24 March, 2022
24 March, 2022
علني كنت من أكثر الناس فرحاً بعودة الوعي للأخ عمار محمد آدم، فقد أحدث خروجه من صف الكيزان وبأسلوبه الصادم العنيف هزَّة في التنظيم المافوي، فالرجل عُرف بالإخلاص الأعمى للتنظيم، وبالعنف – الأعمى كذلك – في مواجهة مخالفيه في الفكر، لدرجة التصقت باسمه كنية "تيس البركس" في الجامعة التي تمترس في صفوفها الدراسية سنيناً عدداً، متفرغاً "للجهاد ضد كُفّار الأحزاب والتيارات السياسية الأخرى من زملائه الطلاب في الجامعة.
ثم واصل مشواره الجهادي المقدس مع التنظيم بعد أن نجح في الاستيلاء على السلطة بكذبة، ولم يخرجه منه حديث النبي مبلغ الرسالة بأن "من غشنا ليس منَّا"، ولا قوله عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، أن المؤمن"وليس المسلم فقط" يمكن أن يزني ويسرق ولكنه "لا يكذب"، ولم يردعه عن السير مع التنظيم في جهاده غير المقدس هذا حديث النبي عن آيات المنافق " : إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان". ولا فوق هذا وذاك قوله تعالى "أن المنافقين كانوا في الدرك الأسفل من النار، وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا" (النساء: 145). فذهب مبتعثاً إلى إيران الشيعية "الإسلامية" لا ليستزيد من العلم الذي ينفعه وينفع الناس ينفع الإسلام والمسلمين، ولكن ليستزيد علماً بأساليب حفظ أمن التنظيم (وهو أدرى بتفاصيل ما تلقى من علم).
(2)
رجل بمثل هذه المواصفات ومثل هذا التاريخ، لا شك ستفرح السماء باستعادته الوعي وإعلان كفره بما كان يؤمن، ويفرح الناس/ أهله أن كف الله أذاه عنهم. وأعترف بأنني كنت من الفرحين رغم أنه لم يكن عدواً ولا صديقاً، ولكنه كان أحد "الأدوات" التي يستخدمها شياطين التنظيم للإضرار بالوطن وهدمه وتشويه الحياة في بلد أختص الله شعبه بفضيلة السماحة والرحابة وسعة الصدر في قبول الآخر ونشر السلام وإشاعته بين الناس.
ويزداد الفرح والبشارات تتري منه وهو يحدث إخوانه ممن لا يزالون تحت أسر التنظيم، ويناصحهم مستشهداً بتجربته التي أورثته الندم والغضب، ويعلن ثورته، صارخاً فيهم أن: استفيقوا واستعيدوا وعيكم، واستردوا دينكم من سارقيه. ويحذرهم مغبة المضي مع التنظيم وقياداته التي في سعيها للسلطة تستحل دماء الشرفاء من أبناء أهلهم
(3)
كل هذا حسن ويبشر بالخير.
ولكن يبدو واضحاً أن الأخ عمار كفر بالتنظيم ولكنه لا زال يؤمن بالفكرة التي تأسس التنظيم عليها، ويؤمن بالأهداف التي يسعى التنظيم لتحقيقها. ناسياً بأن أهداف التنظيم سياسية سلطوية في أصولها، وأن مهمة التنظيم أن يستولي على السلطة ليحقق "أستاذية العالم" كما قال مؤسسه حسن البنا، وأن الإيمان بالفكرة لن يتحقق ما لم يكن الولاء للتنظيم فوق الولاء للأسرة والمجتمع ورابط الدم كم يقول سيد قطب. فكيف جاز لعقل عمار أن يفصل بين التنظيم والفكرة.
فالفكرة سلطوية والوسيلة سياسية بامتياز، أما الإسلام فمجرد سيف لتحقيقها، هذا هو الأمر بكل بساطة ووضوح.
وربما عدم الوضوح في فكر عمار راجع إلى إيمانه بأن الحياة الفاضلة لا يمكن أن تتحقق إلا بأسلمتها، ومطابقتها للنموذج الذي شرعته كتب السلف من الفقهاء، وبالتالي هو يسعى لأن يطبقها كل الناس معه.
(4)
فإذا كان الأمر كذلك فهو شعور طيب ونبيل لكنه يبقى في إطار الفكير الرغبوي، لا يتجاوز القلب والنوايا الحسنة، وسيلته هي القدوة الحسنة، أي يكون المرء مثالاً وقدوة تُقتدى لما يدعو إليه في سلوكه، وأن يدعو إليه بالموعظة الحسنة وبالتي هي أحسن، تاركاً أمر هدايتهم لله. فهكذا كان النهج النبوي لمبلغ الرسالة صلى الله عليه سلم. وقد قال الله سبحانه وتعالى يخاطبه (وبالأحرى علينا نحن إتِّباعه): "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (النحل: 125).
وقال تعالى يوجهه: "فذكِّر، إنما أنت مذكِّر، لست عليهم بمسيطر" (الغاشية: 21، 22). وقال سبحانه وتعالى يعظه: "ليس عليك هداهم، ولكن الله يهدي من يشاء" (البقرة: 272). كما أمر موسى وهارون، عليهما السلام، حين بعثهما إلى فرعون بقوله تعالى: " فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى" (طه : 44): وهو، سبحانه وتعالى القائل" وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا، أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس: 99).
وفي هذه الحالة فإن الطريق الوحيد أمام الأخ عمار طالما كانت تلك هي دوافعه المفترضة، فعليه أن يكون داعية إسلامي وفقاً لضوابط المهج النبوي في الدعوة لا يتجاوزها قيد أنملة، ليمنح نفسه ما لم يمنحه الله لرسوله الكريم، وهو المكلف بتبليغ رسالة السماء لأهل الأرض.
(5)
وأقول له مناصحاً (وأمري لله) أن السير في طريق الدعوة للإسلام على طريقة النبي الكريم يفرض عليه أن يكف عن رمي الناس بالباطل، وإلا فما معنى أن يرمي العلمانيين بصفة "الكوزنة" الذميمة، في معرض فضحه وقدحه لهم، وعن مفارقتهم للدين والإتجار به ؟.
ألم يخطر بذهنه قط أو يخامره شيء من الشك في أنه يصف العلمانيين بأسوأ ما يفعله الإنسان الذي يتاجر بدينه، وأنه يرميهم بفرية النفاق، الذي هو صفة من يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ؟!." أو صفة الذين اتخذوا دينهم هزوا؟!.
هل يدعو العلمانيون إلى ذلك؟ هل يفعلون ذلك؟. هل يتاجرون العلمانيون بأي دين من الأديان؟. وماذا يعرفه عن العلمانية غير ما تعلمه في مدرسة الكيزان؟. وهل حاول أن يعرف حقيقة العلمانية في مظانها المختلفة أم اكتفى بما لقنه وعلمه جماعة التنظيم الذين شهد بنفاقهم وفسوقهم ؟.
(6)
موقف عمار من هذه القضايا يكشف لك مدى صعوبة الانسلاخ من فكر تنظيم جماعة تجار الدين والافتكاك من فخه سلوكاً، حين يتعرض الشخص في حداثة شبابه الباكر، منذ مراحل تعليمه الثانوية، لغسيل مخ شيطاني مركز. لأنه يتشبع بالفكر والسلوك الكيزاني كأعمق ما يكن التشبّع. وأن الكفر بالتنظيم وممارساته في المعارضة والحكم لا تكفي وحدها. فبعد التوبة، بل بالأحرى قبلها، يحتاج المرء إلى التطهر من دنس هذا الفكر والسلوك الشيطاني الشاذ والمنحرف، إلى وقفة صادقة متجردة مع النفس، وإلى سعة في العلم، وصبر وجهاد كبيرين.
فالعلمانيون ليسوا كيزاناً كما جاء في عنوان مقاله (1)، وما كان لهم أن يكونوا، ليتجاروا بدينهم أو أي دين آخر. إنهم فقط يسعون لقيام دولة لا دين لها، تتساوى فيها كل الأديان ،ويحظى أصحابها بحقوق متساوية من التقدير والاحترام، والحق في ممارسة شعائر أديانهم، ولا تتسلط فيها جماعة دين على الجماعات الأخرى. ودستور الدولة هو الذي يحفظ هذه الحقوق وينص عليها. دولة مثل هذه الدولة لا يكرهها ويرفضها إلا إقصائي زنيم، ذو نزعة تسلطية، يريد أن يتسلط على الناس ويقهرهم ويقودهم بالسياط قسراً، باسم دينه.
هامش
(1) عمار محمد آدم، علمانيون وثنيون يعبدون التنظيم ويدعون انهم حركة إسلامية، موقع صحيفة سودانايل الإلكترونية، بتاريخ 22 مارس، 2022.
izzeddin9@gmail.com