الأمن الشعبي..الشينة منكورة

 


 

 

بشفافية -
في محكمة خلية الأمن الشعبي التي ضبطتها السلطات بعد مداهمتها لوكر لها بحي الطائف شرقي الخرطوم بعد شهر فقط من سقوط النظام البائد، نفى القيادي بالنظام البائد كمال عبد اللطيف المتهم في القضية وجود الأمن الشعبي قائلاً بالحرف (لا يوجد ما يسمى بالأمن الشعبي) نهائياً، وتعود تفاصيل القضية لورود معلومات للأجهزة الأمنية تفيد بقيام مجموعة من منسوبي الأمن الشعبي وإدارة المعلومات بحزب المؤتمر الوطني المحلول بتحركات تهدف للقيام بأعمال إرهابية، وعلى إثر ذلك داهمت النيابة العامة بالتنسيق مع الأجهزة المعنية وكر الخلية الإرهابية وتم العثور بداخله على أزياء عسكرية وأسلحة ومتفجرات وحزام ناسف وعدد كبير من معدات الاتصالات والحواسيب. وأسفرت تحقيقات النيابة لاحقا عن توقيف عدد من المتهمين من بينهم كمال عبد اللطيف وتم توجيه تهم في مواجهتهم تحت مواد تتعلق بتقويض النظام الدستوري ومعارضة السلطة بالعنف ومخالفة قانون القوات المسلحة وإدارة المنظمات الإرهابية وقانون الأسلحة والذخائر..انه من العجب العجاب ان تبلغ الجرأة على الحقائق الناصعة درجة ان ينكر شخص وجود الأمن الشعبي بالكلية كما أنكر كمال عبد اللطيف، فلو كان كمال قد قال في محاولة لتبرئة نفسه أنه لا صلة له شخصية بالأمن الشعبي ولم يكن على رأس ادارته فى وقت ما، لكان في كلامه ما يؤخذ منه ويرد، أما ان ينكر بالكلية وجود هذا الجسم الأمني الموازي، فتلك لعمري محاولة فطيرة ويائسة لابعاد التهمة عن نفسه، وهو انكار اشبه بالذي عناه الشاعر حين قال (قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم)، فليس عجبا أن تجحد عين الناكر ضؤ الشمس رغم سطوعه، لا لأن الشمس غير موجودة بل لأن القذى قد غطى عينيه، كما قد يجحد الفم طعم الماء العذب لا لعلة في الماء بل لمرارة في فمه، وفي ذلك يقول أيضا مثل شعبي سوداني شهير (الشينة منكورة)..
من الذي صار معلوما بالبداهة، ان النظام البائد أنشأ من اجل التمكين لنفسه وعناصره، أجهزة أمنية واقتصادية موازية تعمل خارج الأطر المؤسسية للدولة، من الأجهزة الأمنية الموازية الأمن الشعبي، وفي المجال الاقتصادي أقام العديد من الواجهات والشركات الاستثمارية والتجارية والاقتصادية موازية للقطاع الاقتصادي الرسمي، بل ان اقتصاد السودان في اواخر سنوات الحكم البائد كان يدار خارج هذه المؤسسات، بل خارج البلاد، ويبقى من العبث نفي وجود الأمن الشعبي الذي عرفه وعلم به حتى رعاة الضأن في الفلوات، وعني شخصيا أعرف منهم بالاسم عددا من المعارف والاقارب، فهو في الأصل جهاز سري تم تشكيله منذ أيام الجبهة الاسلامية التي أسسها الراحل الدكتور حسن الترابي في ثمانينيات القرن الماضي وعرف حينها باسم (أمن الجبهة)، وتحول إلى الأمن الشعبي بعد الانقلاب الذي نفذته الجبهة الاسلامية عام 1989، وقد شكل هذا الجهاز الشعبي النواة الأساسية لجهاز الأمن والمخابرات عند انشائه، حيث انتقلت إليه بعض العناصر، بينما بقي آخرون في الأمن الشعبي، وكان هذا الجهاز متفرغ لخدمة التنظيم عبر رصد المناوئين، وتمتع بسلطات واسعة في ملاحقة واعتقال وتعذيب معارضي النظام، كما يتهم أيضا بارتكاب انتهاكات واسعة شملت القتل في حق الكثيرين، ولكن المفاصلة بين الإسلاميين في أواخر 1999 تركت أثرها عليه ولم يعد كما كان قبلها، ويبدو أنهم قد شرعوا في لملمة اطرافه واعادته سيرته الأولى وفقاً لتصريحات أمين حسن عمر التي توعد فيها بامتلاكهم لخمسمائة الف عنصر مدرب على التعامل مع السلاح..
الجريدة

 

آراء