الانقلاب الثالث والأخير !!

 


 

 

إنهم لا يجيدون حتى الكذب، رغم إصرارهم عليه.
ضعيفون ومرتعبون إلى حدٍّ يثير الشفقة رغم تدرعهم بكافة الأسلحة والعتاد. وفي ربكة اضطرابهم يوالون الهروب إلى الأمام، وكأنهم في رمال متحركة يسيرون، تسوخ أقدامهم مع كل حركة أعمق في القبر الرملي.
لقد استخدم الانقلابيون بقيادة البرهان وحميدتي وتوابعهما من المرتزقة بجيوشهم المختلفة الأزياء من كل لون، مدججة بكل أنواع الأسلحة والبنادق بمختلف أنواع وأحجام الطلقات والمقذوفات، من رصاص معدني ومطاطي، وليزري، وصوتي، ودخاني ومائي، ولم يوفروا حتى استخدام السواطير والسكاكين – كقطاع الطرق – والسياط، والعصي الكهربية وغير الكهربية.
طاردوا الثوار في الشوارع وأزقة الأحياء والحواري، ودخلوا المنازل وانتهكوا حرمتها، واعتقلوا الشابات والشباب وانتزعوهم بعنف من أحضان أسرهم قسراً. قتلوا من قتلوا في الشوارع، وفي أقبية حراساتهم، واغتصبوا بجبن وخسة ونذالة من اغتصبوا. وأصابوا من أصابوا بالجروح والإعاقات، وبالتشوهات الجسدية والنفسية. لقد فعلوا بالشعب الذي يريدون حكمه ما لم يفعله الغزاة الأجانب به. وكله موثق صوت وصورة، بإفادات ضحايا وشهادات شهود. وقبل ذلك في كتاب مرقوم في السماء، عند الله.

(2)
ورغم كل هذا القتل والتنكيل والتجويع والحرمان من أدنى مقومات الحياة الآدمية (إن لم نقل الحيوانية)، خاب فألهم، وطاش سهمهم، وانقلب عليهم مكرهم. فلم تلن للثوار قناة ولم يفت من عضدهم، ولم يكسر إرادتهم، بل زادهم القتل والتنكيل قوة وعناداً وإصرارا على تحقيق هدفهم، وزاد اتحاد صفوفهم صلابة.
فهل ارعووا – قادة الانقلاب وأذنابهم – ، أو ثابوا إلى رشدهم ؟. لا وربك. لقد أمعنوا هرباً للأمام !!. يخرجون من "جراب" خبثهم رأي إثر رأي، وخطة إثر خطة. ويصيبك العجب هل يستشيرون مجنوناً؟. أم هي (للفاجعة) مخرجات عقولهم ؟. أم أنهم أسلموا عقولهم لمن يقودهم إلى حتفهم ليختطف من أيديهم ما سرقوا ونهبوا واحترزوا دون وجه حق ؟!.
ضربت قوافلهم الطائرة تجوب أركان العالم وقاراته على غير هدى، شرقاً وغرباً، جنوباً وشمالاً دون جدوى. فلا عاصم للطغاة أبداً من طوفان الشعوب إذا تفجر غضبها، يعصمهم.
- طار حميدتي إلى روسيا وبذل لها ما نهب من ذهب، وما لدى روسيا ما تقدمه، سوى الدمار ما قدمت لبشار قبله؟!.
- وطار برهان إلى مصر/ السيسي، واستباح له سماء وأرض السودان تجوبها جيوشه، وسمح بتهريب كل موارد السودان الجائع من حب التسالي والكركدي إلى الماشية والذهب، فماذا تملك مصر لتقدمه ورئيسها يتلقى القروض والهبات بكلتا يديه يميناً وشمالا ؟.
وحجوا جميعاً وبعض الحركات والأحزاب إلى الإمارات، وبن زايد ليس لديه لهم سوى السلاح وما يملأ جيوبهم من دراهم، مقابل الميناء، والفشقة، وجبال الذهب غرباً (ويا لها صفقة خاسرة) وبيعة رخيصة.
ولم، ولن تستطيع هذه الدول، ولا أمريكا معها، ولا الاتحاد الأوروبي، وأمين عام الأمم المتحدة، دع عنك نادي الديكتاتوريات الأفريقية أن يقدموا لهم طوق النجاة.

(3)
هل توقفوا عن الهرولة اللامجدية هوناً ما ليتريثوا قليلاً ويمعنوا العقل والتفكير؟. لا وربك. لقد أخرجوا من جراب خبثهم ملهاة أسخف. فكلما أعلنت لجان المقاومة عن جدول مسيراتها سارعوا إلى دق طبول الحرب ضد الجارة أثيوبيا، وحشدوا جيشهم وطار قائدهم إلى القضارف أو عند الحدود ليعلن أن البلاد في حالة حرب لردع الاعتداء الأثيوبي. وآخر هذه المسرحيات الهزلية كانت بمناسبة 30 يونيو، ورد أحد الثوار على هذا العرض الركيك قائلاً: لو وصل الجيش الأثيوبي إلى محطة البلابل فنحن خارجين خارجين". وفي اليوم التالي حملت الأخبار نبأ توصل القائد العسكري إلى اتفاق مع الرئيس الأثيوبي، ليدرك شهرزاد الصباح و(تنطم) عن الكلام المباح، وغير المباح أيضاً.

(4)
خطة ثالثة تفتقت عنها عبقرية عسكر الانقلاب وتابعيهم، ونظنها من " إبداع" فلول الكيزان الذين يقودونهم الآن:
كلفتة حكومة مدنية، تلبي رغبات الآلية الثلاثية والمجتمع الدولي والإقليمي، تُبعد شبح المحاسبة والعقاب عن البرهان ولجنة البشير الأمنية، وحميدتي ومليشياته، على الجرائم التي ارتكبت في مختلف مناطق السودان، وذلك باتفاق صوري مع الأطراف المؤيدة للانقلاب التي تشمل جماعة اعتصام الموز والمحشي من الذين هتفوا يحرضون على الانقلاب، و"حركات جوبا"، وقد فات عليهم، ليس أنها فقط مسلحة، بل ومشاركة أيضاً في السلطة مع العسكر!.
وبالتالي – بداهة – لا يمكن للتفاوض بين شريكين أن ينجح في حل الأزمة، في ظل غياب الطرف الآخر أو تغييبه.
وكما يمكن أن يتوقع أي عاقل يتمتع بالحد الأدنى من التفكير باء المخطط الساذج بالفشل.

(5)
لقد أعيتهم لجان المقاومة وقوى الثورة الحية كل حيلة، وأغلقت في وجوههم كل الأبواب والمخارج الآمنة ليحصنوا أنفسهم من السقوط والمحاسبة. وأن تستقر السلطة بين أيديهم باردة ليواصلوا النهب والسرقة، ولم يبقى أمامهم سوى المزيد من الهروب للأمام: أن يعلنونه حكماً عسكرياً خالصاً بالحديد والنار، وليكن ما يكون بعدها، ولتحترق روما بمن، وما فيها.
لكن لا بد من إعداد المسرح لهذه الخطوة التي لا يمكن الإقدام عليها بلا مقدمات. فلا بد من خدعة صغيرة تمهد لهذه الخطوة، مثل خدعة الانقلاب الأول ومجزرة فض الاعتصام الذي تم تنفيذه عام 2019، والذي سبقته خدعة تعليق المفاوضات من المكون العسكري مع قوى الحرية والتغيير لمدة 72 ساعة، بشكل مفاجئ، كانت كافية للإعداد العسكري لتنفيذ خطة فض الاعتصام بمجزرة مماثلة لتلك التي نفذها السيسي في اعتصام رابعة.
ومثل الخدعة الثانية التي سبقت الانقلاب الثاني في 25 أكتوبر 2021 أثناء المفاوضات مع مغادرة المبعوث الدولي الذي تلقى تأكيدات من البرهان بعدم وجود نيّة للانقلاب ليفاجأ الرجل بالخدعة في اليوم التالي.

(6)
والآن يعد البرهان للانقلاب الثالث بخطة مهد لها في خطابه بانسحاب الجيش من مفاوضات الآلية الثلاثية، بعد أن اتضح لهم جليّاً بأن القوى المدنية المشاركة في المفاوضات لا تستطيع تجاوز مطالب الشارع بضرورة "إنهاء" الانقلاب، وإبعاد العسكريين عن الفضاء السياسي تماماً، ومحاسبة القتلى ومنتهكي حقوق الإنسان وغيرها من المطالب.
وفي حركة التفاف غير ذكية ربط ذلك بتوافق القوى المدنية، وتشكيل حكومة توافقية تعدّ للانتخابات. أما الجيش والقوى العسكرية فستحتفظ باستقلالها كدولة داخل الدولة، يرأسها هو ومحمد حمدان (حميدتي) كمجلس عسكري أعلى تحت قيادته كل الأجهزة الأمنية، بما فيها جهاز الشرطة المدني. وبالتالي ستكون السلطة المدنية التنفيذية ديكوراً للسلطة العسكرية، الحاكمة فعلاً.
هل هناك "عبط" أكثر من هذا ؟!!.
إنهم حتى الكذب لا يجيدونه.
هذا البرهان فيما هو واضح يفكر كمن يسير وهو نائم، لا يعي ما يفعل ولا علاقة له بالواقع إطلاقاً.
وما هو أكثر وضوحاً من ذلك، أن أي تفاوض أو أي أفق لحل سياسي مع هؤلاء الناس لا جدوى منه.

(7)
والحل؟.
على كافة القوى السياسية والمهنية وعلى مستوى كل قطاعات الشعب السوداني أن تتوحد، وتؤجل أي خلافات بينها، وتشمر عن ساعد الجد، لمواجهة الانقلاب العسكري، وهو الورقة الأخيرة في جعبة المؤسسة العسكرية وطبقة جنرالاتها العليا. وتدخل في إضراب سياسي وعصيان مدني شامل، تحت قيادة موحدة تُمثل فيها كل قوى التغيير في مجلس ثوري.
المهمة الأولى التي لا مهمة غيرها منذ اليوم: إسقاط السلطة.
لقد استطاع الثوار إسقاط سلطة التحالف بين العسكر والكيزان.
سقط الكيزان ولن تقوم لهم قائمة، لا على كتف البرهان ولا على كتف أي ضابط متكوزن غيره.
سقط الكيزان ولا وجود لهم في الشارع.
وسقط البشير، وأسقط الشعب انقلاب لجنته الأمنية الأول، وانقلابهم الثاني، ولم يتبق غير الانقلاب الثالث والأخير الذي تم الإعداد له ... وسيسقط.
سيسقط، ويسترد الشعب دولته ... بإذن الله، وإرادة الشعب.

izzeddin9@gmail.com

 

آراء