البرهان يميط اللثام عن وجهه الجهوي
اسماعيل عبدالله
14 July, 2022
14 July, 2022
في تسريب لتسجيل فيديو ظهر البرهان وهو يتحدث لرهط من بني منطقته عن ضرورة مواجهة الآخرين الذين لا (يشبهونهم)، جاء حديث قائد الجيش (القومي) منصباً على استنهاض همم سكان أرض الحضارات السودانية جميعها كما زعم، وحثّهم على التحرك من أجل الحفاظ على الحقوق العامة والخاصة للقاطنين تلك المنطقة والوافدين، وذكّر الحضور بأنهم هم الذين يُعلّمون الآخرين، فاجتاحت منصات التواصل الاجتماعي نوبة من الغضب الممتزج بالدهشة لانحراف قائد الجيش ورأس دولة الأمر الواقع، وانزلاقه ثم وقوعه في مستنقع الجهوية، وللحقيقة والتاريخ لم يكن البرهان وحده من دشن ظاهرة الخطاب الجهوي العلني، بل أن معاونيه في الانقلاب الذين جاء بهم على ظهر حصان اتفاق جوبا، قد خاضوا أيضاً في مستنقعات هذه الجهوية المقيتة عملاً وليس قولاً، لكن عتبنا على البرهان يأتي من منطلق أنه قائد الجيش بحكم حيثيات الأمر الواقع، فكيف لرأس القوات المسلحة أن ينزوي هذه الإنزواءة الضيّقة؟، وفوق كل هذا وذاك، فقد زعم البرهان يوماً أنه رمزاً لسيادة الدولة المكوّنة من ستة أقاليم، كل إقليم كان في ذات يوم من أيام التاريخ كياناً حضارياً قائماً بذاته، وهذا يدحض ما حاول أن يسوّقه البرهان لرهطه المناطقيين، فالحقيقة هي أن السودان الكائن اليوم هو تجمع لحضارات متنوعة ومتعددة، وليس حشداً محصوراً لحضارة وادي النيل وحدها، لكنه زمان المهازل الذي أكّد على أن هزال الدولة قد بلغ منتهاه.
حديث البرهان (الدكاكيني) أماط اللثام عن وجهه الجهوي، وكشف عن وجدانه المؤمن بالاستعلاء العرقي والحضاري الزائف، في بلد إفريقي امتزجت أعراقه وحضاراته شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وعلى الإطلاق لم يكن الجنرال البرهان موفقاً في كلامه عندما حاول كما يحاول بعض المتطرفين من رهطه، أن يمنح إمتيازاً تفاضلياً لبني جلدته على حساب الآخرين الذين وصفهم بأنهم لا يشبهونهم، لقد برز المخبوء وانكشف المستور الذي ظللنا نكافحه منذ ما قبل حديث الدكتاتور المغرور عندما طعن في شرف المرأة الغرباوية، ما تعرض له قائد الجيش يعتبر ردة وخطيئة سياسية كبرى سوف تورد البلاد مورد خطير، وفي المقابل فقد أبان هذا الخطاب الحقيقة المرة والكارثة الكبرى التي ظل يتستر عليها الكثيرون، وهي فساد العقيدة العسكرية لضابط الكلية الحربية منذ زمان أبي كدوك، ومقولته الشهيرة الداعية لمسح الجنوب من الشجر والبشر وتركه أرضاً جرداء للاستصلاح الزراعي، ما هي إلّا تجسيد لنماذج أبي كدوك وحسن بشير نصر والبشير، وهي نماذج تشبه بعضها بعضا لأنها تخرجت من نفس المدرسة، ومثل خطاب التحشيد الجهوي الذي تبناه رأس الجيش هو خير (برهان) على أن المؤسسة العسكرية منذ أن كان اسمها قوة دفاع السودان، لم تكن سوى آلية لحماية مكتسبات المستعمر ومن بعده حماية فئة جهوية صغيرة أدمنت تداول السلطة فيما بين أفرادها المنضويين حصرياً تحت نزعاتهم الجهوية والمناطقية والعرقية.
لا يفل الحديد إلّا الحديد، فحديد المناطقية التي يستمسك بها المناطقيون ستفله سواعد الثوار الحديدية، فقد هتفوا ضد جهوية العنصري المغرور من قبل، وانتصروا عليه وطرحوه أرضاً، وها هو البرهان يقدم لهم هدية على طبق من ذهب باعترافه الضمني المبطن بين طيات حديثه المسجل، أنه ورفقاء السلاح ليسوا على قلب رجل واحد، وأن الكل يمم وجهه شطر منطقته وجغرافيته ورهطه الجهوي، وبينما يزدهر هذا الاستقطاب المناطقي السلبي، بالمقابل ينمو اسم السودان الظافر في ضمير الشعب إيماناً وبشرى، وعلى الغابة والصحراء يمتد وشاحاً مرفوعاً فوق هامات المتسلحين والمؤمنين بديسمبر، والمقسمين على أن لا يرجعوا شبراً واحداً، فالبشريات دائماً تأتي من بين ثنايا خطابات الإنقلابيين البائسة الساعية للتشرذم المناطقي، وهنا لابد من إيراد الدلالات الحكيمة للمثل الدارفوري :( إختلاف كلاب الصيد من حسن حظ الأرانب)، ففي هذا الخضم الكبير لصراعات السادة أصحاب النفوذ المسلح من جميع الأطراف، سيكون صاحب الحظ السعيد هو الشعب السوداني التلقائي المبرأ من أمراض الساسة المناطقيين والجهويين، ومعه ينجو الشباب المقاوم الصحيح المعافى من مكائد الجهوية والصراعات الأنانية المحمومة المشتعلة منذ نصف قرن، فليذهب البرهان شمالاً وليطير حميدتي غرباً وليسافر عقار شرقاً، لكن تبقى كلمة الثائرين هي الفصل، ولن تصح النتيجة النهائية لأي معادلة إلّا بهم.
اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
14 يوليو 2022
حديث البرهان (الدكاكيني) أماط اللثام عن وجهه الجهوي، وكشف عن وجدانه المؤمن بالاستعلاء العرقي والحضاري الزائف، في بلد إفريقي امتزجت أعراقه وحضاراته شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وعلى الإطلاق لم يكن الجنرال البرهان موفقاً في كلامه عندما حاول كما يحاول بعض المتطرفين من رهطه، أن يمنح إمتيازاً تفاضلياً لبني جلدته على حساب الآخرين الذين وصفهم بأنهم لا يشبهونهم، لقد برز المخبوء وانكشف المستور الذي ظللنا نكافحه منذ ما قبل حديث الدكتاتور المغرور عندما طعن في شرف المرأة الغرباوية، ما تعرض له قائد الجيش يعتبر ردة وخطيئة سياسية كبرى سوف تورد البلاد مورد خطير، وفي المقابل فقد أبان هذا الخطاب الحقيقة المرة والكارثة الكبرى التي ظل يتستر عليها الكثيرون، وهي فساد العقيدة العسكرية لضابط الكلية الحربية منذ زمان أبي كدوك، ومقولته الشهيرة الداعية لمسح الجنوب من الشجر والبشر وتركه أرضاً جرداء للاستصلاح الزراعي، ما هي إلّا تجسيد لنماذج أبي كدوك وحسن بشير نصر والبشير، وهي نماذج تشبه بعضها بعضا لأنها تخرجت من نفس المدرسة، ومثل خطاب التحشيد الجهوي الذي تبناه رأس الجيش هو خير (برهان) على أن المؤسسة العسكرية منذ أن كان اسمها قوة دفاع السودان، لم تكن سوى آلية لحماية مكتسبات المستعمر ومن بعده حماية فئة جهوية صغيرة أدمنت تداول السلطة فيما بين أفرادها المنضويين حصرياً تحت نزعاتهم الجهوية والمناطقية والعرقية.
لا يفل الحديد إلّا الحديد، فحديد المناطقية التي يستمسك بها المناطقيون ستفله سواعد الثوار الحديدية، فقد هتفوا ضد جهوية العنصري المغرور من قبل، وانتصروا عليه وطرحوه أرضاً، وها هو البرهان يقدم لهم هدية على طبق من ذهب باعترافه الضمني المبطن بين طيات حديثه المسجل، أنه ورفقاء السلاح ليسوا على قلب رجل واحد، وأن الكل يمم وجهه شطر منطقته وجغرافيته ورهطه الجهوي، وبينما يزدهر هذا الاستقطاب المناطقي السلبي، بالمقابل ينمو اسم السودان الظافر في ضمير الشعب إيماناً وبشرى، وعلى الغابة والصحراء يمتد وشاحاً مرفوعاً فوق هامات المتسلحين والمؤمنين بديسمبر، والمقسمين على أن لا يرجعوا شبراً واحداً، فالبشريات دائماً تأتي من بين ثنايا خطابات الإنقلابيين البائسة الساعية للتشرذم المناطقي، وهنا لابد من إيراد الدلالات الحكيمة للمثل الدارفوري :( إختلاف كلاب الصيد من حسن حظ الأرانب)، ففي هذا الخضم الكبير لصراعات السادة أصحاب النفوذ المسلح من جميع الأطراف، سيكون صاحب الحظ السعيد هو الشعب السوداني التلقائي المبرأ من أمراض الساسة المناطقيين والجهويين، ومعه ينجو الشباب المقاوم الصحيح المعافى من مكائد الجهوية والصراعات الأنانية المحمومة المشتعلة منذ نصف قرن، فليذهب البرهان شمالاً وليطير حميدتي غرباً وليسافر عقار شرقاً، لكن تبقى كلمة الثائرين هي الفصل، ولن تصح النتيجة النهائية لأي معادلة إلّا بهم.
اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
14 يوليو 2022