الأمن مسؤولية الحكومة لا مسؤولية الجميع !!

 


 

 

في حديثه، ذكر محمد حمدان دقلو أن الأمن مسؤولية الجميع، هذه العبارة المستلفة والممتدة من زمان الحكم (البائد) يجب أن لا يُعتد بها، لأن بها رائحة تملُّص واضح للحكومة التي يمثلها هذا الرجل الثاني من مسؤولياتها، فالحكومة التي تملك جهاز شرطة به كل مقومات البطش بالتظاهرات السلمية، وقوات أمن مزوّدة بجميع وسائل المراقبة والمتابعة والرصد والتقصي، وقوات مسلحة لديها كل فرق الردع والتدخل السريع، لا تحتاج إلى المواطن ليقوم نيابة عنها في أداء دورها، وإذا كانت الميزانيات المرصودة للإنفاق الأمني والعسكري غير قادرة على حماية الحدود الشرقية والغربية، بحيث يقتحم قطاع الطرق العابرون للحدود بوادي السودان الشرقية والغربية ليسرقوا ممتلكات المواطنين، فإنّ وجود هذا الكم الهائل من المؤن والمعدات والذخائر وناقلات الجند والطائرات والمدرعات، أولى أن ينقل ويرحل ليكون مكانه المناسب الفشقة والجنينة وبورتسودان وحلايب، فالخطر الذي يتهدد المواطن في نومه وصحوه جدير بأن يواجه بهذه الترسانة العسكرية والشرطية والأمنية القاهرة، وإلّا سيكون الحديث الذي ما يزال يدلي به رموز الحكم الإنقلابي مجرد ذر للرماد في العيون لإخفاء الحقائق، لقد مل مواطنو الشمال والشرق والغرب أحاديث الحُكّام منذ عهد الدكتاتور الحبيس، فيجب أن يتغير هذا الخطاب الذي عهدناه منذ حقبة المخلوع، وكرهنا ترداده ومللنا تكراره بهذه الطريقة الممجوجة والرتيبة- (الأمن مسؤولية الجميع).
إنّ دافع الضرائب في البلدان المحترمة يحصد المنفعة الخدمية بعد أداءه لهذا الواجب الوطني، ولا يترجى حاكماً مقابل أخذه لحقه والتمتع بالخدمات الأساسية، أما في سوداننا يحدث العكس، حيث يقوم المواطن بأداء كل الالتزامات الواقعة على عاتقه من رسوم حكومية إلزامية خاصة بتنظيف المدن من الأوساخ، إلى ضرائب وذكوات يدفعها المغتربون والمهاجرون نقداً، وأتاوات يرفد بها التجار والمستثمرون الخزينة العامة، وتستقطع من المواطن الذي ما زال يستأجر المسكن وهو يقطن أرض بلاده المتمددة عبر مساحات فرسخية من الكيلومترات، بعد كل هذا الجهد المضني يجد الفرد السوداني نفسه مطالباً بالمزيد، وغير مستفيد من مردود أي رسم حكومي من الحكومة التي لم يطلب منها سوى أن تطعمه من الجوع وتؤمّنه من الخوف، فكل من أقام ببلاد المغترب والمهجر يعلم علم اليقين مدى الاستخفاف الذي يبديه حُكّامُنا تجاه مواطنيهم طيلة العهود الماضية، كيف يطلب من هو جالس على رأس قمة جبل جليد الحكم من مواطنيه أن يحفظوا أموالهم وأعراضهم من تغول المليشيات المسنودة من الحكومة ذات نفسها؟، وكيف لهؤلاء المواطنين العزل أن يكونوا مسؤولين عن حماية أنفسهم وهم لا يملكون سلاحاً؟، إذا أردت أن يكون الأمن مسؤولية الجميع يا محمد حمدان عليك بالسماح للمواطن أن يمتلك السلاح، حينها سوف تتحقق مقولتك ومقولة البائدين – الأمن مسؤولية الجميع.
إنّ حكومة الأمر الواقع الآنية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن مآلات الأوضاع الأمنية، ومتسببة بشكل رئيسي ومباشر في تردي الأحوال العامة، وتتحمل كامل الالتزامات القانونية والتعهدات السياسية التي وعدت بها المواطنين بعد مقدم طاقم الحكم الجديد من جوبا، وهذه الحكومية الإنقلابية أيضاً محاسبة على كل روح بريئة أزهقت في الجنينة وبورتسودان وكسلا، ولا يوجد استثناء لأحد من الفاعلين في هذه المنظومة الإنقلابية، والمقولة التي صرّح بها محمد حمدان دقلو بأن الجميع مسؤول، تكون صحيحة و(مبلوعة) في حالة واحدة لا ثاني لها، في حالة إن كان المقصود بكلمة (جميع) أولئك الذين ظلّوا على سدة الحكم لما بعد الإنقلاب العسكري المشؤوم، الذي ارتكب جرمه الأعظم هؤلاء المدنيون بتواطئهم مع العسكر في الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي، فأمن واستقرار المدن والأرياف السودانية واجب وطني تقع مهامه على أكتاف من يجلسون على كرسي الحكم، ولا أحد يجب أن توجه نحوه سهام التقصير غيرهم، لأن ضريبة الحكم هي أن تقدم الخدمة للمحكوم، وإلّا، سوف يسعى هذا المحكوم الفاقد للأمن والطمأنينة إلى استحداث بدائل، وإن حدث هذا، فإنّ جميع المسوغات والمبررات التي يسوقها رموز حكومة الأمر الواقع هذه، تعتبر قاصمة لظهر من أراد أن يجلس على رقاب الناس المبللة بدماء الشهداء، وقد قال سيدنا عمر رضي الله عنه: لوعثرت بغلة بالعراق لوجدتني مسؤول عنها، أو كما قال، ولم يقل أهل العراق مسؤولون عنها.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
12 اغسطس 2022

 

آراء